حركة فتح انطلقت من عين العاصفة
منذ تأسيسها قبل أكثر من نصف قرن وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في عين العاصفة ، فلم يمر عليها يوم دون أن تتعرض لانتقادات ومؤامرات من عدة جهات ، من إسرائيل والغرب المؤيد لها ، لأن إسرائيل وجدت أن حركة فتح أكثر خطورة عليها من كل الجيوش العربية والإسلامية ومن كل الأحزاب الأيديولوجية الفلسطينية وغير الفلسطينية ، قومية كانت أو إسلامية أو ماركسية ، لأن الحركة تجسد الهوية والكيانية الوطنية النقيض للمشروع الصهيوني ، لذا سعت إسرائيل وما زالت لتدمير الحركة أو تفريغها من مضمونها الوطني ودورها الريادي .
أيضا تعرضت حركة فتح لمضايقات وانتقادات وتشكيك من دول وأحزاب عربية وإسلامية أربكها بروز كيانية وطنية فلسطينية تعلن الحرب على إسرائيل وتباشره دون علمها أو التنسيق معها ، وإن لم تسعى هذه الأطراف للقضاء على حركة فتح والوطنية الفلسطينية بشكل مباشر ، إلا أنها سعت لتدجينها وتطويعها لسياساتها ، مما استنفر الحركة والزعيم الراحل ياسر عرفات للدفاع عن استقلالية القرار الوطني الفلسطيني ، بل خاضت الحركة ومعها منظمة التحرير معارك مع أكثر من دولة عربية لحماية القرار الوطني والمشروع الوطني .
في مقابل ذلك حظيت حركة فتح بتأييد شعبي عارم من الفلسطينيين ومن الشعوب العربية والإسلامية ومن حركات التحرير في العالم ، لأنها لم تكن مجرد حزب سياسي يسعى لسلطة أو منغلق على ذاته ، بل حركة تحرير وطني تناضل ضد الاحتلال وتملك فكرا سياسيا منفتحا على الجميع بلا تعصب ، كل ذلك أّهل حركة فتح لقيادة الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية حتى اليوم .
الحرص الوطني لحركة فتح على وحدة الشعب والهوية ، وتاريخها المُشرف وفكرها الوطني المنفتح على الجميع وحفاظها على الثقافة والهوية الوطنية ، وظائف وأدوار لم يتمكن أي فصيل فلسطيني القيام بها حتى يومه وهو ما يجعل الجميع من فلسطينيين وغير فلسطينيين معنيين بحال حركة فتح ويتمنون أن تستنهض نفسها وتوحد صفوفها لأن في ذلك استنهاض للحالة الوطنية برمتها .
لم تكن المسيرة الطويلة لحركة فتح مكللة دائما بالورود والإنجازات بل تخللتها كثير من المحطات التراجعية والمؤلمة سواء ذات الطابع العسكري والميداني كأحداث الأردن 1970 والحرب الاهلية اللبنانية 1975 وحصارها في بيروت ثم خروجها من لبنان 1982 أو هزيمتها السياسية 2006 والعسكرية 2007 أمام حركة حماس ، أو هزات سياسية كتوتر علاقاتها مع أكثر من دولة عربية وإسلامية ، ودخولها في متاهات التسوية السياسية الخ ، أو لمشاكل داخلية كتغير تركيبة النخبة المسيطرة أو القائدة وغياب قيادات جامعة ، أو الانشقاقات ومحاولات التمرد على القيادة وهي حالات صاحبت الحركة منذ السنوات الأولى لتأسيسها .
بالرغم من أن المشاكل والانشقاقات والتجنحات صاحبت حركة فتح طوال تاريخها الممتد لأكثر من نصف قرن ، إلا أن ما تتعرض له اليوم من تحديات داخلية وخارجية قد يكون الأكثر خطورة ، الأمر الذي يحتاج لمزيد من الحكمة والعقلانية واستنهاض الروح الفتحاوية الأصيلة التي تدفع أبناء فتح عندما تتعرض القضية الوطنية للخطر إلى نسيان خلافاتهم الداخلية ومواجهة الخطر الرئيس وهو اليوم كما كان سابقا الاحتلال والاستيطان .
هذه الرؤية لحركة فتح لا تعني أن تنظيم الحركة وقيادته مبرئون من الأخطاء ، فكثيرة هي الأخطاء والتجاوزات التي كانت أحيانا نتيجة ظروف قاهرة خارجية أجبرت الحركة على دخول مسارات سياسية غير شعبية ، ولكن أحيانا كانت أخطاء نتيجة خلل ذاتي وحسابات خاطئة لبعض القيادات الفتحاوية وغير الفتحاوية التى تسللت لمواقع قيادية في التنظيم وفي السلطة الوطنية غلَّبت مصالحها الخاصة وارتباطاتها ألا وطنية على مصلحة حركة فتح وعلى المصلحة الوطنية ، ولم تكل عن محاولة مصادرة حركة فتح لخدمة مصالحها .... يُتبع .
بقلم/ أ. د. إبراهيم ابراش