الدولفين الألمانية إلى الكيان الصهيوني من جديد

بقلم: مصطفى يوسف اللداوي

بعد غواصات الدولفين الخمسة التي سلمتها الحكومة الألمانية إلى الكيان الصهيوني، والتي أثارت الجدل على كل المستويات السياسية والعسكرية الدولية والمحلية والإقليمية، لما لهذه الغواصات من أهميةٍ كبيرة على المستوى الاستراتيجي الدفاعي والهجومي، يعود الجدل من جديدٍ بعد موافقة الحكومة الألمانية على منح إسرائيل غواصاتٍ جديدةٍ من ذات النوع، ولكنها أكثر تطوراً وحداثةً، بعد دبلوماسيةٍ أمنيةٍ وعسكريةٍ هادئةٍ، تمت في الخفاء وبعيداً عن الأنظار، ودون أي تدخلٍ من الإعلام أو اعتراضٍ من الخصوم، وتكللت في نهايتها بالتوقيع على هذه الصفقة الجديدة، التي ستشكل للكيان الصهيوني نقلةً نوعيةً جديدةً، تزيد عدوانيتها، وتضاعف شراهتها، وتجعل ذراعها العسكرية أطول وأقوى، وأكثر مدىً وأشد فعاليةً.

إذ استطاعت إسرائيل من خلال الغواصات الاستراتيجية الألمانية، التي تتفرد بها وحدها من بين دول المنطقة، أن تعزز قدراتها النووية، وأن ترفع من درجة جاهزيتها القصوى للضربة النووية الاستباقية الأولى، أو الانتقامية الثانية من أي منطقةٍ خارج حدودها الإقليمية، إذ تستطيع تحميل الغواصات الجوالة صواريخ ذات رؤوسٍ نووية، قادرة على ضرب أي أهدافٍ قريبةٍ أو بعيدةٍ، في الوقت الذي تتمكن الغواصات المذكورة من البقاء لفتراتٍ طويلة في عمق البحار، والتخفي بعيداً عن الرصد والأنظار، كما تستطيع حماية نفسها في الأعماق البحرية، والدفاع عن سلامتها وطواقمها ضد أي هجومٍ أو اعتداءٍ خارجي عليها، فضلاً عن قدرتها المهولة على نقل الرسائل والصور، وتبادل المعلومات وتحديد الأهداف وتقدير الأخطار، بما يمكنها من توجيه الضربات بدقةٍ عاليةٍ، وإلحاق خسائر جسيمة بالأهداف المقصودة.

وعلى الرغم من أهمية هذه الغواصات ودورها الكبير والحاسم في عملية الردع النووي، أو الهجوم الاستباقي، أو الانتقام والثأر النووي اللاحق، إلا أن أصواتاً إسرائيلية قد علت معارضةً لهذه الصفقة، وترفض المضي فيها، لا لجهة عدم فعاليتها أو جدواها العسكرية الهائلة، إذ أنهم يعرفون تماماً أن هذه الغواصات هي الأقدر على حمل صواريخ كروز البحرية الاستراتيجية ذات الرؤوس النووية، وهي الأقدر على إصابة الأهداف وتحقيق الغايات المرجوة، وأنها الرد الأنسب حول أي تهديدٍ أو تغولٍ، والعلاج الرادع لأي جنونٍ أو تهورٍ.

إلا أنهم يعارضون الصفقة علانيةً لسعرها الباهظ، وكلفتها العالية، ونتائجها المختلفة على الميزانية العامة للدولة، ويرون أن المضي فيها من شأنه أن يرهق المواطن الإسرائيلي بمزيدٍ من الضرائب، أو يجبر الحكومة ووزارة المالية على تعديل الميزانية السنوية، وتقليص ميزانيات بعض الوزارات الهامة، ومنها وزارة الاستيعاب المعنية بشؤون الاستيطان والمستوطنين، ووزارة الأمن والجيش وغيرهما، لصالح تمويل شراء الغواصات الجديدة.

وفي الوقت نفسه فإنهم يرون أن الأخطار المحيطة بهم قد تراجعت أو تلاشت، ولم تعد موجودة كما كانت سابقاً، حيث لا يوجد ما يهدد أمنهم، أو يقلقهم على مستقبلهم ووجودهم، بل إن العكس من ذلك هو الصحيح، إذ أن أغلب الدول العربية التي كانت تصنف قديماً بالعدو، تركض تجاه مصالحتهم والاتفاق والتعاون معهم، وهناك علاقاتٌ سريةٌ وعلنية تجمعهم، ويبدو أن المستقبل القريب يحمل معه اتفاقياتٍ سياسية قد توقع معهم، وأن سلاماً دافئاً قد يشمل المنطقة وإياهم، الأمر الذي يستدعي على الحكومة أن تلتفت إلى مشاريع أخرى واستحقاقاتٍ أهم، إذ أن هذه المرحلة تستوجب الالتفات إلى قضايا الاستيعاب الاستراتيجية، التي من شأنها حماية المستقبل اليهودي كله، فضلاً عن مشاريع تثبيت الوجود وترسيخ الاستقرار.

المعارضون لهذه الصفقة الجديدة، التي تجعل من كيانهم الأقوى في عرض البحر، والأقدر على مهاجمة دولٍ بعيدة وغير محادية لهم، يدركون مدى حاجة كيانهم إلى هذه القواعد العسكرية العائمة البعيدة عن كيانهم، والقادرة على حماية نفسها والدفاع عن غيرها، ويعرفون مدى قلق خصومهم من امتلاكها، وأمنياتهم الكبيرة بتعطيلها أو إبطالها، لهذا فإنهم غير صادقين في معارضتهم، وغير جادين في تخوفاتهم المادية لجهة إهمال بعض المشاريع لصالح تمويل هذه الصفقة، وإنما يعارضونها بقصدٍ، ويرفعون أصواتهم ضدها عمداً وعن وعيٍ وعلمٍ بحقيقة ما يريدون، إذ أنهم يتطلعون برفضهم إلى هدفٍ آخر.

إنهم يريدون بمعارضتهم المعلنة أن يدفعوا الحكومة الألمانية لتمويل شراء هذه الغواصات، أو لمنحها مجاناً إلى دولة الاحتلال، أو تسهيل الدفعات المالية وتقسيط ثمنها على مدى سنواتٍ طويلة، ولهذه المجموعة المعارضة، التي تعارض بخبثٍ ودهاءٍ كبيرين تجربة سابقة مع الحكومة الألمانية، التي سبق لها أن مولت شراء الغواصات الخمسة الأولى، وسهلت لحكومة الكيان امتلاكها، الذي احتفى بوصولها، واحتفل بامتلاكها، وفرح بتفرده بها، وكانت الحكومة الألمانية قد كلفت دافع الضريبة الألماني جزءاً من ثمنها، في محاولةٍ منها للتكفير عن معصيتها تجاه اليهود، وبسعيٍ منها لاسترضاء حكومتهم، والتأكيد لهم أن ألمانيا التي تشعر بعقدة الذنب تجاههم تقف مع كيانهم وتسانده، وتساعد شعبهم وتناصره، وأنها ستبقى إلى جانبهم ولن تتخل عنهم.

إنه العدو الصهيوني أبداً، يبقى كما هو ولا يتغير، عدوانيٌ خطرٌ، وطماعٌ شرهٌ، أفعى وإن شبع، وذئبٌ وإن أَمِن، وثعلبٌ وإن سَلِم، يتحضر وقت الرخاء، ويستعد لوقت الشدة، ويتجهز للحرب في كل الأزمان، ولا يتخلى عن الجاهزية تحت أي ظرفٍ، ولا يطمئن لسلامٍ عابرٍ أو صداقةٍ مؤقتةٍ، ويعلم أن الأنظمة العربية التي تسالمه حرصاً على مصالحها، وخوفاً على مناصبها، لن تدوم أبداً في مواقعها، ولن تقوَ يوماً على مواجهة شعوبها، التي ترى في الكيان عدواً يجب أن يهزم، وخطراً يجب أن يستأصل، واحتلالاً يجب أن يزول، وهذا بإذن الله ما سيكون، مهما طال الزمن وتأخر النصر وتسلح العدو، فإن الحق حتماً سينتصر، ووعد الله لنا يقيناً سيتحقق.

 

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

بيروت في 6/11/2016