صوت الآذان يزعج الطارئون , لأنه يذكرهم بإسلامية هذا الوطن ,(الله أكبر) تُسكن في قلوب الأغراب رعباً من القادم , فهم لا يمُتون لهذه الأرض بأي صلة , فمتلازمة الآذان ورائحة الزعتر في القدس العتيقة , من شواهد فلسطينية هذه المدينة المحتلة , لذا يخشى الإحتلال ومستوطنيه من صوت الآذان , الذي يفضح لصوصيتهم وإحتلالهم الغاشم , فلكل لص يوما للمحاكمة والمفاصلة, مهما كانت براعته في النهب والتخفي والظهور بمظهر صاحب حق زائف , سطا عليه بمساندة الأشرار, سيسقط الوهم الصهيوني ويتبخر أمام الحقيقة الفلسطينية , عندما تعلوا أصوات مسيرة العائدين تصاحبها صيحات التكبير في أرجاء القدس الحبيبة, وجبل المكبر على موعد وإشتياق مع تكبيرات فاروق الأمة من جديد , ليُسمع الخلائق جمعاء نداء الله أكبر يتردد في عنان السماء , تكبيرات للنصر وإستعادة الحق , وتطهير بيت المقدس من كل الأرجاس.
بالرغم من بطلان كل الدعاوي الصهيونية التي يحاول العدو الإستناد إليها في إستيلائه وإحتلاله لفلسطين وثبوت زيفها , يسعى الإحتلال إلى تهويد مدينة القدس والإستيلاء على المسجد الأقصى المبارك , من أجل إقامة الهيكل المزعوم مكانه ,وتزداد وتيرة الهجمة الصهيونية التهويدية هذه الأيام , مع إزدياد الإستيطان اليهودي في مدينة القدس, وتغيير أسماء الشوارع والأماكن من العربية إلى العبرية , والإستمرار في الحملة المسعورة لهدم بيوت المقدسيين بحجج عدم الترخيص , حيث لا يسمح للفلسطينيين بترميم بيوتهم أو بناء بيوت جديدة الا بالحصول على رخصة من سلطات الإحتلال , والتي تمتنع عن منحها للفلسطينيين ,وتتعمد سلطات الإحتلال التضييق على التجار المقدسيين بفرض الضرائب الهائلة, من أجل إجبارهم على بيع محلاتهم أو إقفالها ,وبذلك يتحقق مرادهم بغياب المشهد الفلسطيني عن شوارع وأزقة مدينة القدس المحتلة أمام كل زائر لها , والذي يراد له أن يرى فقط الأعلام الصهيونية ونجمة داود, ومشهد الحاخامات بلباسهم الديني الأسود يتجولون في شوارع القدس المحتلة, وكأنهم بذلك قد ملكوا المدينة المقدسة , وإستطاعوا طمس معالمها الأصيلة , فيرفع الآذان بكلماته القوية وكأنه هتاف المقاتلين يتقدمون نحو الملحمة , ومع ذلك النداء المقدس تنهزم الرواية الصهيونية وينكمش المشروع التهويدي, وتنهزم المخططات التلمودية.
إن إعلان الحرب على الآذان في القدس المحتلة, يأتي في سياق الحرب المعلنة على هوية المدينة المحتلة, وهو إستكمال لمخطط إفراغها من مقومات الهوية الفلسطينية , ليتكامل مشهد الإستهداف الصهيوني للأرض والمقدسات ,سعياً لتهويد مدينة القدس السليبة , وإلقاء رداء الحاخامية القاتم على رحابها الندي, خنقاً لروحها الصافية التي تخبر عن أصالتها ومعدنها الإسلامي النقي, الآذان ليس بالجديد على القدس المحتلة ,يرفع منذ آلاف السنيين , ويتردد صوته في أرجائها ,وكأنه بصمة الحياة وترياقها للمدينة المباركة ,ويأتي المخطط الصهيوني لمنع الآذان , ليفضح دعاوي حرص الكيان الصهيوني على حرية الأديان , وهذا من المُسلم به في فلسطين , فإن الغاصب المعتدي لا يرعي الحقوق ولا يضمن الحريات , فالإحتلال هو النقيض للحرية والمعادي لها , وأن عدواة اليهود للآذان كشعيرة دينية هي عدواة للإسلام بلا شك, وأن حرب الصهاينة عليه مصدرها العقيدة اليهودية المحرفة , والتي تعادي الله عزوجل وتحارب نبيه صلى الله عليه وسلم , فالآذان يقرع في مسامعهم حقيقة إنتصار دين محمد صلى الله عليه وسلم وسيادته على هذه الأرض , تلك السيادة التي لم تقمع دين أو تهدم كنيسة أو تقتل راهب , بل أعطت أسمى الصور في التسامح الديني الذي رسخه الإسلام في فلسطين على إمتداد التاريخ العريق في هذه الأرض المباركة.
لقد بدأ الإحتلال الصهيوني معركة السيطرة على القدس والمسجد الأقصى مستخدماً في ذلك أبشع الأسلحة والأدوات ومن صورها منع الآذان , الا أننا على يقين بأن محاولة منع الآذان في مدينة القدس المحتلة , لن تمر ولن يلتزم به أحد , وستعلو التكبيرات في وقت الصلاة من كل بيت وشارع ودكان وسيارة , شعبنا لن يرضخ للمؤامرة التي تستهدف القدس ومظهرها الإسلامي ,حيث يشكل هذا القرار وتطبيقه بمثابة إستهداف لكل فلسطيني عربي مسلم , بإعتباره أبشع أنواع العدوان على شعبنا مستهدفاً إسلامه وهويته الدينية والوطنية, ويكشف عن الخطر الداهم الذي يتعرض له المسجد الأقصى والمدينة المقدسة , ويدعونا كفلسطينيين ومن خلفنا أمتنا العربية والإسلامية إلى الإستيقاظ والنهوض من أجل المساهمة في الدفاع عن القدس وأقصاها , والتي تتعرض لمؤامرة التهويد بشراسة ومن غير توقف , ويقع على القيادة السياسية للمنظمة التحرير والسلطة والفصائل الفلسطينية, إعلان النفير وطلب النصرة للقدس المحتلة , التي تنهشها أنياب الحاخامات وتكاد تفترسها, والعمل على تصعيد هذا الأمر, لأعلى المستويات العربية والإسلامية الرسمية والشعبية , وإحداث تفاعل جدي وحقيقي لدعم ومساندة المقدسيين وتعزيز صمودهم في مواجهة التهويد ومقاومتهم له , والعمل على طرح القضية في الهيئات الدولية لإدانة الكيان الصهيوني بجريمة القمع الديني وحربه المباشرة على حرية الأديان والمعتقد , يجب أن تمر جريمة منع الآذان مر الكرام , والا فإن القادم خطير ومؤلم على مقدساتنا ووجودنا في القدس المحتلة.
6/11/2016م
بقلم : جبريل عوده *
كاتب وباحث فلسطيني