سياسة فرق تسد ومواجهتها

بقلم: عباس الجمعة

في ظل الظروف الراهنة نرى ان سياسة فرق تسد التي انتجتها القوى الاستعمارية ، بدأت تدخل من بابها العريض الى كل الاحزاب والقوى السياسية في المرحلة الدقيقة التي نمر بها ، فالشعب الفلسطيني والشعوب العربية ، لهم لغتهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم ، ومن موقعنا نؤكد على نشر مفهوم التآخي بين شعوبنا والاستمرار في النضال ضد الاستعمار والاحتلال ومشاريعهم ،ومن هنا نحن اليوم نحذر من القيادات التي تسلقت مواقعها دون اي جهد وطني ونضالي وتحديدا في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني ان تبتعد عن سياسة فرق تسد حفاظا على مصالحها ومواقعها ، لانها اصبحت معروفة ، ونحن نرى ضرورة ان تحترم الرأي والرأي الاخر ، انسجاما مع مواقفها الوطنية والديمقراطية، ومن خلال البرامج السياسية والنشاطات الملموسة في رفض التمييز والتفرقة .

ان حركة التحرر الوطني الفلسطيني، لها مكانة هامة في نضال شعوب المنطقة ضد الإمبريالية والصهيونية، حيث انتمى لها مناضلين من كافة الشعوب العربية واحرار العالم ، وهي الاساس في حركة التحرر الوطني العربية،وعلينا نحن أن ندرك هذه الحقيقة وأن نتعامل معها على نحو جدي، ومن هذا المنطلق المبدئي فإننا نؤكد بأن دفاعنا عن منظمة التحرير الفلسطينية الهوية والكيان السياسي والمعنوي والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني سيبقى بوصلة نضالنا الوطني

من هنا نؤمن بأن موقع القيادة يجب ان لا يكون حكرا على اشخاص معيننين في هذا الحزب او الفصيل فمن حق الهيئات ان تتخذ ما هو مناسب ولا يتعارض مع التوجه السياسي العام ، ولكن سياسة التفرد تتطلب مواجهة كافة مظاهر التفرقة والتمييز ونفي الآخر، ومكافحة الروح الانعزالية لدى بعض الأوساط القيادية وغيرها، وذلك على أساس تقوية وتعزيز مفهوم الديمقراطية فيها الداعي إلى وحدة الحزب او الفصيل.

إن وحدة الشعب الفلسطيني التي تعمدت بدماء الشهداء، هي الاساس لتحرير الارض والانسان وتحقيق الاهداف الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس، المنسجمة بجميع مكوناتها الاجتماعية والإثنية.

في اللحظة نحن امام محطة للتأكيد على الثوابت فكراً وممارسة، حتى يتم تحررنا من كل أشكال الانعزال ، كما نحن بحاجة الى فكر مناضل متجدد ومتطور، هو فكر الثورة الذي يقرأ الحاضر من أجل تغييره نحو الأفضل ، والتمسك بخيار الوحدة والمقاومة والانتفاضة من اجل تحريرالأراضي المحتلة ، ومواجهة كل المشاريع الإمبريالية الأميركية الساعية إلى إعادة تفتيت المنطقة، وذلك من خلال إطلاق مقاومة عربية شاملة.

نعم اردت ان اكتب عن هذا الموضوع المهم لانني ما اراه من مواقف وعلاقات ، اجد ان سياسة فرق تسد اصبحت اساس عند البعض ، ومع هذا ينطلي ذلك على ابناء الحزب او التنظيم وتقبل به، ، اضافة الى ممارسة الضغوطات على اعضائهم، والقيام بتجميد وضعه، او فصله، وإلى غير ذلك من وسائل وأساليب لا تمت الى الديمقراطية بصلة.

لهذا يجب ان نحذر من وجود التكتلات التي ترتبط بوجود قيادات انتهازية في اي حزب او تنظيم وهي تنبع من شتى أنواع الانحراف إذا لم يتم التغلب عليها في الوقت المناسب، وهي تقوم عبر رموز انتهازية تلجأ إلى أساليب غير تنظيمية أو تآمرية لا مبدئية بعدما تعجز عن تغيير النهج وإجباره على التخلي عن مواقفه السياسية أو الفكرية أو التنظيمية. وهي باسم تحقيق أهدافها تنتهك عن وعي الانضباط داخل هذه القوى وتتخلى عن الخضوع لإرادة الأكثرية وتدوس بصورة فظة على كل مبادئ وقواعد الحياة الديمقراطية، بحيث تسعى إلى زرع بذور الخلافات بين الاعضاء وإحداث الانشقاق في صفوفهم.

إن الصراع التكتلي يقوض وحدة الفكر والعمل ويصرف اهتمامهم عن حل القضايا السياسية الماسة ويعرقل العمل الودي المشترك، مما يضعف دور اي حزب او تنظيم بصورة كبيرة، ولذا نعتبر أنه من غير الجائز أن توجد في تكتلات أو نزاعات شللية، مما يستدعي من اي حزب او تنظيم ان يضع في قراراته مختلف الإجراءات والأساليب للتغلب على أية مظاهر للنزعة التكتلية.

لقد اتخذت ألانتهازيه السياسية اليوم منحنى أكثر خطورة, فتحولت من مرض يصيب الأفراد إلى وباء يصيب الأحزاب والتنظيمات والمؤسسات, وبالتالي أصبحت تدخل إلى الكثير من البيوت السياسية وتترك أثرا سلبيا على سكانها وأهلها, وهذا انعكس على سلوكهم السيئ مع المواطن, حيث أدى إلى زيادة درجة الغضب والحقد لدى المواطن عليهم وعلى عائلاتهم, مما أدى إلى الأضرار بوحدة الشعب الذي من المفترض أن يكون هو المستفيد الوحيد في ظل الديمقراطية والتعددية السياسية ومبدأ التداول للقيادة, بدلا من افتعال الأزمات التي تؤدى إلى الإضرار داخل هذا الحزاب او ذاك التنظيم .

إن ازدياد ألانتهازيه داخل اي حزب او تنظيم تستهدف القضاء على التجربة الديمقراطية, وأشاعت الفوضى, والبحث عن المصالح الشخصية على نطاق واسع, وانتشار الممارسات الغير مسؤولة التي تلحق الضرر بوحدة الحزب او التنظيم ، وخاصة ان هناك اجيال من حقها ان تتطلع الى مرحلة جديدة من البناء متمسك بالبرنامج السياسي والعمل الديمقراطي, وبنهج الشهداء العظام من قادة ومناضلين ، فلا يجوز ان تبقى الامور تأخذ منحى يلجأ البعض إلى التملق عبر الشطب على ذواتهم كأناس يحملون فكراً وضميراً وثقافة متميزة، هذه الفئة، لتطل بوجهها تحت يافطات وشعارات براقة كبيرة، تخفي وراءها أهدافها الحقيقية المتمثلة بتحقيق مآربها الشخصية الفردية الرخيصة، مستخدمة في سبيلها كل أنواع الدجل والنفاق والخديعة، هذه الصفات هي انعكاس طبيعي لما يدور في نفوسها من مرض حب الذات والأنانية المفرطة والمصلحة الشخصية الضيقة، والتي يتم بموجبها غياب المصلحة العامة.

امام كل ذلك نرى ان اي حزب او تنظيم يجب ان يسعى إلى الأمام لعملية التجديد وتعزيز العلاقات الرفاقية الجماعية الدافئة ، انطلاقاً من ايمان وقناعة كل عضو فيه ورفض منطق القيادة الفردية او الرؤية الاحادية الجانب او القرارات الفردية، فالقيادة لا تكون إلا جماعية، والقرارات تتخذ في إطار هيئات من القمة الى القاعدة ، فالقيادة الجماعية هي التعبير الفعلي عن ثورية اي حزب او تنظيم لأنها تقطع الطريق أمام تضخم الأنا الذي يعد مرضا مزمنا يصيب قادة أحزاب البورجوازية، كما يصيب قادة القوى الديمقراطية ، من هنا تكمن الاهمية القصوى

لتطبيق مبدأ القيادة الجماعية التي تفسح المجال أمام جميع المناضلين للتمرس على القيادة ولا يميز بينها إلا طبيعة المهام الموكولة لكل مرتبة أو هيئة، فالقيادة الجماعية هي تكريس للثورة الدائمة على الأفراد المصابين بالنزوع نحو الاستبداد بأمور الحزب او التنظيم، وعلى مختلف أشكال الانحراف التنظيمي والأيديولوجي و السياسي.

هذه الرؤية، ننطلق منها على ارضية الوعي ببرنامجنا وهويتنا من جهة وبكل تفاصيل واقعنا الاقتصادي والاجتماعي والثقافي من جهة ثانية، يمكن ان ننطلق نحو توفير الأسس لمواجهة سياسة فرق تسد ، والعمل على توفير القدرة على اعادة بناء احزابنا وقوانا بأساليب ثورية واخلاقية فعالة في سياق علاقات داخلية محكومة بالالتزام والمحبة والاحترام والعمل المتفاني في تنفيذ المهام، والمبادرة الذاتية في التثقيف ، فالنضال الوطني يكون موضع شك مع تعطيل أو رخاوة العمل التنظيمي والجماهيري وتزايد مظاهر الانفلاش والثرثرة.

ان ايماننا اليوم بوحدة كافة الاحزاب والقوى الفلسطينية والعربية في هذه اللحظات التي تشهد تعثر، ولحظات ضعف، يجب ان تشكل ارضية قوية لاستنهاضها على الدوام حتى تبقى عاصية على الصعاب متأهبة لساحات النضال، مستندة إلى جذور الشهداء القادة العظام والى مسيرة النضال الشاقة .

ختاما : قضيتنا يجب ان تبقى الاساس في مسيرة النضال الوطني ، من اجل ان نحيا ونزهو بتاريخ نعاصره ، إلا أن تلك الخوابي التي بدأت تنضب، لا بد لنا أن نملأها بحكاياتنا ونهتدي بتاريخ ثورة صنعت اجيالا وحتى تستمر المسيرة بأعين شاخصة نحو الغد حفاظاً على ما بدأه الرواد الأوائل الذين حملوا شعلة النضال من اجل تحرير الارض والانسان.

بقلم/ عباس الجمعة