الفلسطينيون والرئيس الأميركي الجديد

بقلم: نبيل السهلي

في كلمته الافتتاحية لجلسة الحكومة الإسرائيلية الأحد الماضي، قال بنيامين نتانياهو أنه "على قناعة وثقة تامة بأن العلاقة بين إسرائيل وأميركا ستبقى متينة وقوية، بل ستزداد متانة وقوة... بغض النظر عن نتائج الانتخابات الأميركية وهوية المنتخَب أو المنتخَبة لرئاسة البيت الأبيض، سواء كان دونالد ترامب أو هيلاري كلينتون".

الملاحظ أن رئيس الوزراء الإسرائيلي اعتمد في قوله على اتجاهات العلاقات الأميركية - الإسرائيلية خلال العقود الماضية، والتي أكدت خلالها الإدارات المتعاقبة العلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل، ودعمها في المجالات العسكرية والسياسية والديبلوماسية كافة. وتبعاً لذلك لن يتغير هذا الدعم، أياً كان اسم الرئيس المنتظر. وعززت هذا الاتجاه حملتا كلينتون وترامب وتأكيدهما الانحياز المطلق لإسرائيل وتوجهاتها السياسية والأمنية. وهنا تبرز أسئلة مشروعة عن استراتيجية الفلسطينيين بعد مفاوضات مع الطرف الإسرائيلي في رعاية أميركية استمرت لأكثر من عقدين من الزمن ولم تفض إلى نيل الفلسطينيين أي حق من حقوقهم الوطنية المشروعة.

يجمع متابعون على أن الرهان الفلسطيني على الإدارة الأميركية الجديدة خاسر بكل تأكيد، نظراً إلى العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. لهذا، بات إنهاء حال الانقسام ورسم استراتيجية فلسطينية موحدة لمواجهة السياسات الإسرائيلية ضرورة ملحة لمواجهة السياسات الإسرائيلية التي ترسم جغرافيا وديموغرافيا قسرية وبدعم أميركي مطلق وصريح. فمن جهة استصدرت إسرائيل خلال السنوات المذكورة حزمة من القرارات التي من شأنها الإطباق على مدينة القدس من دون أي إدانة أميركية. وفي هذا السياق تشير تقارير إلى أن إسرائيل استطاعت السيطرة على 93 في المئة من مساحة القدس الشرقية، ناهيك عن بناء طوقين من المستوطنات المحيطة بالمدينة من الجهات الأربع، ويتركز فيها حوالى 190 ألف مستوطن إسرائيلي، وطرد آلاف المقدسيين بعد قرار تهويد التعليم في المدينة قبل سنوات. واستغلت إسرائيل حال الانقسام لتجعل من النشاط الاستيطاني العنوان الأبرز في سياساتها اليومية. الأمر الذي أدى إلى سيطرة كبيرة على أراضي الضفة الغربية لمصلحة المستوطنات الإسرائيلية التي وصل عددها إلى 151 مستوطنة يتركز فيها حوالى 400 ألف مستوطن.

من جهة أخرى، وكنتيجة مباشرة لحال الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني، أصبحت مؤشرات البؤس هي السائدة بين الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة. وتشير دراسات إلى أن معدلات البطالة وصلت إلى نحو ستين في المئة في قطاع غزة، بعد حصار مديد. ونتيجة ذلك باتت الخيارات التعليمية والصحية ضعيفة. ومن أصل مليون و600 ألف فلسطيني في قطاع غزة، ثمة 60 في المئة تحت خط الفقر.

المشهد السياسي الفلسطيني يبدو رمادياً مع استمرار حال الانقسام الحقيقي على الأرض، وعدم وجود إرادة سياسية صادقة لإنهائه. وبات من الضرورة تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفصائلية الضيقة، خصوصاً في ظل الانحياز الأميركي الماثل للعيان وانكشاف صورة إسرائيل العنصرية ضد الشعب الفلسطيني، سواء في الضفة والقطاع أو إزاء الأقلية العربية في إسرائيل. ثمة معركة قانونية وديبلوماسية يمكن أن يخوضها الفلسطينيون، ويمكن تعزيز الاعتراف بفلسطين كدولة في المؤسسات الدولية إذا استطاع الفلسطينيون إنهاء انقسامهم وترسيخ المصالحة بالأفعال لا بالأقوال، ومن ثم التوجه بخطاب سياسي ديبلوماسي موحد وجامع بعد وضع برنامج واستراتيجية كفاحية مشتركة. ولا يمكن أن تكتمل دائرة المصالحة الحقيقية وتفعيل دور منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية من دون مشاركة واسعة من الغالبية الصامتة من الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات (الفاعليات السياسية والاقتصادية ومنظمات المجتمع المدني) لحماية المشروع الوطني ورسم مستقبل الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه الثابتة. وقد يكون ذلك بمثابة جدار متين في مواجهة الرؤى الإسرائيلية التي تسعى إلى جعل السلطة الوطنية الفلسطينية مجرد شرطي لحماية المحتل الإسرائيلي.

إن استمرار حال الانقسام الفلسطيني إنما يخدم الموقف الأميركي والإسرائيلي الرافض أساساً اتفاق المصالحة، والذي جاء على خلفية هواجس عدة، في مقدمها أن الاتفاق سيكون بمثابة طوق نجاة للحد من الضغوط الإسرائيلية والأميركية على الفلسطينيين، ويرفع في الوقت ذاته من سقف الخطاب السياسي الفلسطيني، بعد مفاوضات عبثية امتدت لأكثر من عقدين، بحيث تكون من السهولة بمكان المطالبة بتفكيك معالم الاحتلال، ومنها المستوطنات، عوضاً عن تجميدها. وكذلك تمكن المطالبة بتطبيق قرارات دولية صادرة، ومنها تلك المتعلقة بالأسرى الفلسطينيين والسيادة على المياه الفلسطينية التي تسيطر عليها إسرائيل، واعتبار المستوطنات غير شرعية، خصوصاً أن هناك قبولاً بعضوية فلسطين في كثير من المنظمات التابعة للأمم المتحدة، وفي مقدمها منظمة "اليونيسكو".

التحديات الجمة التي ستواجه المشروع الوطني الفلسطيني، خصوصاً بعد تأكيد مرشحي الرئاسة الأميركيين دعم إسرائيل، تتطلب الإسراع بعقد مصالحة فلسطينية حقيقية تتعدى الشكليات السابقة، بحيث يشارك فيها الكل الفلسطيني، لإنهاء حال الانقسام الحاصل بلا رجعة، وصولاً إلى رسم استراتيجية وطنية فلسطينية.

تجميع الجهد الفلسطيني والاتفاق على برنامج سياسي مشترك وخيارات سياسية وكفاحية مستقبلية من شأنهما الحد من السياسات الإسرائيلية الجارفة التي ستكون مدعومة بكل تأكيد من الرئيس الأميركي الجديد، بغض النظر عن انتمائه الحزبي.