القضية الفلسطينية تنتظر رئيس أميركا القادم

بقلم: عبد الستار قاسم

من أهم عوامل عدم قدرة العرب على حل مشاكلهم أنهم يستمرون على مدار السنوات بانتظار نتائج الانتخابات الإسرائيلية والأميركية علّها تفرز شخصاً يملك حلولاً لهذه المشاكل. إنهم يتطلعون في أغلب الأحيان إلى ما يجري خارج بلادهم، عسى أن تأتي انتخابات شعوب غير شعوبهم بمن يمسك عصاه الغليظة ويفرض على أعداء العرب حلولاً ترضي العرب وتنقذ ماء وجوههم. في هذا الانتظار ما يؤكد مشاعر النقص والعجز العربية، والجنوح نحو الاعتماد على الآخرين. وفيه ما يؤكد للأعداء والخصوم أن العرب فاشلون ولا يريدون البحث عن حلول لقضاياهم بأنفسهم. فإذا كان لدى العدو رغبة في تقديم حلول، يؤثر سلوك العرب سلباً على هذه الرغبة فتتقلص.

وقد تأثر الكتاب والمثقفون العرب بالسياسيين وراحوا يسخّرون أقلامهم في الاجتهاد حول ما يتوقعونه من الرئيس الأميركي الجديد، أو رئيس وزراء الصهاينة المقبل. ولا غرابة أن خابت آمال الكتاب والمثقفين والسياسيين عبر السنوات وبقيت القضية الفلسطينية مادة للاجترار الإعلامي بدل أن تكون محركاً قوياً للدافعية العربية للاعتماد على الذات في مواجهة العدو. ومن سوء حظنا أن بطل السلام المجرم بيريس قد مات دون أن يترك لنا بديلاً له ننتظره. وها هو أوباما قد خيب أوهامنا ولم يورث أحداً نضع أوهامنا فيه.

وبما أننا في موسم انتخابات أميركية، نسأل عما نتوقعه من الفائز فيما يخص القضية الفلسطينية. من الملاجظ من خلال سيرة كل من كلينتون وترامب، ومن التصريحات التي أطلقاها خلال الحملة الانتخابية، أنه لا يوجد فارق مهم بين رؤيتيهما لحل القضية الفلسطينية. ونقاط التقاء المرشحين حول هذه المسألة متقاربة جداً، وأحياناً متطابقة. هناك فارق بينهما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية عموماً من حيث أن ترامب يميل إلى إخراج أميركا من العديد من القضايا العالمية، ويفضل أن تبقى أميركا داخل حدودها، لكن كلينتون تفضل العكس، وترى أن العالم لا تستقيم أوضاعه ما لم تحشر أميركا نفسها في مختلف القضايا. وهذا يعني أن ترامب سيحاول الابتعاد عن القضية الفلسطينية ويترك البحث عن حل والتوصل إلى اتفاق للفلسطينيين والإسرائيليين. ولأنه لا يريد فرض حل، فعلى الفلسطينيين أن يتوقفوا عن وضع آمالهم في السلة الأميركية، وعليهم أن يواجهوا إسرائيل وحدهم دون وجود مخفف أميركي لآلامهم الناجمة عن الاحتلال الصهيوني للضفة. أما إذا فازت كلينتون فسيستمر الدور الأميركي على ما هو عليه، وهو التحدث ضد الاستيطان وفي الوقت نفسه تقديم كل أنواع الدعم لإسرائيل.

ينظر المرشحان إلى المقاومة العربية في لبنان وفلسطين على أنها إرهاب، وفي هذا الأمر سيقف الفائز مع إسرائيل ضد ما يسميه الإرهاب العربي، وسيعمل على تصوير إسرائيل على أنها الضحية، وسيجد في ذلك ما يبرر له أمام الأميركيين تقديم مختلف أنواع الإسناد لإسرائيل. وسيجد الرئيس الأميركي تأييداً جماهيرياً أميركياً لمثل هذا التصرف لعدة أسباب أهمها الثقافة الأميركية السائدة الآن حول اليهود وإسرائيل والتي تحتضن اليهود وإسرائيل على اعتبار أنهما جزء من الثقافة الأميركية. وتربويا، تتلقى الأجيال تعليما من خلال المؤسسات التعليمية والإعلامية بأن إسرائيل هي الامتداد الثقافي للولايات المتحدة، أو أن منبع الثقافة الأميركية هي التقاليد والقيم التوراتية المسيحية. وسبب آخر لا يقل أهمية وهو مجموعات الضغط اليهودية والصهيونية في الولايات المتحدة والتي تتصدى دائماً لكل محاولة لانتقاد إسرائيل.

يقف المرشحان الأميركيان ضد الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، وقد انتقدا عملية البناء الاستيطاني علناً وأمام الجمعيات اليهودية عند الالتقاء بها. لكن أحداً منهما لم يتحدث عن كيفية إزالة العقبة الاستيطانية أمام السلام، ولم ينطق أحدهما بكلمة حول إجراءات يمكن أن تتخذها أميركا ضد إسرائيل. وواضح أن الفائز سيكتفي بالموقف الأميركي التقليدي والذي يهدف إلى إرضاء العرب وهو اعتبار الاستيطان عقبة في طريق السلام دون تحريك ساكن يردع إسرائيل. حتى أن المرشحين سيعملان، وفق تصريحاتهما، على إحباط أي محاولة في مجلس الأمن لاتخاذ قرار أممي ضد الاستيطان. وقد صرح ترامب أنه سيستعمل حق النقض في حال رفع العرب قضيتهم إلى مجلس الأمن. وبناء على السيرة الذاتية لكلينتون وسلوكها خلال عملها وزيرة للخارجية فإنه من المتوقع أن تتسلح بذات الموقف.

المرشحان مع ما يسمى حل الدولتين، لكنهما يريان أن على الفلسطينيين والإسرائيليين أن يتفاوضا حول كيفية إقامة الدولتين. أي أن المرشحين ضد تدويل القضية الفلسطينية، وضد إعادتها للمحافل الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة. بمعنى أن المرشحين مع إضعاف الفلسطينيين وتركهم وحدهم يواجهون الجبروت العسكري الإسرائيلي. حتى أن ترامب تحدث عن القدس كعاصمة أبدية لإسرائيل، وقال إنه سينقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. هذا قول كرره مرشحون سابقون للرئاسة الأميركية، لكن الفائز كان دائماً يفشل في الالتزام بهذا الوعد الانتخابي. ومن الممكن أن يدرك ترامب هذا الأمر بعد فوزه. وذهب ترامب إلى أبعد من ذلك وزج نفسه في تأييد طرف ضد آخر عندما قال إنه يشترط قبول الفلسطينيين بيهودية دولة إسرائيل. طبعا لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار أن خبرة ترامب في العمل السياسي والديبلوماس ضعيفة جداً، وبالمقارنة مع كلينتون، يحتاج إلى الكثير من التدريب قبل أن يتناول قضايا عالمية باحثاً عن حلول لها. أي أن فوضى التصريحات التي يطلقها ترامب بخصوص القضايا العالمية لا تقع بها كلينتون لأنها على وعي بحيثيات ومداخل ومخارج كل قضية.

ستؤيد كلينتون تشديد الحصار على غزة، وستضغط على الدول العربية من أجل مزيد من الضغط على المقاومة الفلسطينية واللبنانية. وترامب سيفعل ذات الشيء لأنه كما قلت أعلاه ضد الإرهاب، ولأن إرهاب غزة، وفق معتقداته، إرهاب إسلامي يجب مواجهته بكل قوة. ترامب يكره المسلمين، وسيعمل على منعهم من دخول أميركا إذا فاز وإذا استطاع. إنه صاحب مواقف سلبية من الأقليات إلا من اليهود.

المقاومة العربية سيلحق بها ضرر من قبل الفائز في الانتخابات من حيث الضغط على مؤيديها في المنطقة العربية الإسلامية. ستتوجه ضغوط كبيرة على لبنان من أجل استمرار الضغط الداخلي على حزب الله، والاستمرار بتهديده  بالفتن الداخلية تحت شعار سنة وشيعة. لقد أشغل الداخل اللبناني حزب الله، وعمل على جره إلى فتنة طائفية، وسيرفعون من وتيرة المحاولات بهذا الاتجاه في ظل الوضع السياسي الجديد في لبنان. وسترتفع وتيرة الضغط على إيران، وسيعمل ترامب على التنصل من الاتفاق النووي مع إيران إن استطاع. إيران هي الممول الأول للمقاومة العربية في فلسطين ولبنان، ومحاولة إفقارها أو إضعافها اقتصاديا سيؤدي إلى انحسار دعمها للمقاومين، وسيخفف من اندفاعها في التصنيع العسكري. ولن تبخل دول عربية بخاصة الخليجية في دعم أميركا إذا سارت في اتجاه التضييق على إيران.

المحصلة هي أن على الفلسطينيين خاصة وعلى العرب عموما أن يعتمدوا على أنفسهم في معالجة قضاياهم. لقد خابوا جميعا على مدى عقود من الزمن بسبب انتظارهم لنتائج انتخابات أعدائهم، واللبيب لا يبقى على أبواب الخيبة منتظرا. لن ينجح العرب إن لم يشمروا عن سواعدهم وسيقانهم ويخوضوا غمار الدفاع عن قضاياهم بأنفسهم. لقد أذل العرب أنفسهم بما يكفي، والمفروض أن يفكروا في كيفية رفع رؤوسهم قليلاً من بين الحطام.

د. عبد الستار قاسم، أكاديمي ومفكر فلسطيني