أن تكون معارضا مختلفا برايك فهذا حق طبيعي كفله القانون والدستور في أي نظام سياسي ديمقراطي .... وأن تكون مؤيدا فهذا حق ايضا بما تؤمن به وما تراه صحيحا صائبا وممكنا .
لكل للإنسان حق اتخاذ المواقف التي يراها مناسبة .... كما لكل فصيل او حزب سياسي حق اتخاذ المواقف لما يراها مناسبة وملائمة لأيدولوجياته وتوجهاته وتعبئته الفكرية والتنظيمية.
لا أحد يستطيع أن يحجر على الأخر ....ولا حتى أن يفرض رأيا مخالفا لقناعات هذا الشخص أو هذه الجماعة ..... وأن محاولات ممارسة الضغوط من أجل انتزاع واختلاق مواقف على عكس القناعات والتوجهات التي يؤمن بها هذا الفرد أو ذاك .....لا تشكل بمحصلتها النهائية رأيا معتمدا .....أو توجها صادقا ....أو حتى معارضة فعلية .
الدول الديمقراطية والشعوب المتحضرة تعتبر المعارضة السياسية جزء من مكونات النظام السياسي .... بما على المعارضة من مهام ومسؤوليات تتعدى حدود الرقابة والنقد البناء .... كما وتتعدى حدود النقد وتسجيل الأخطاء والبناء عليها للإفشال وأحداث الفشل في التوجهات والقرارات ومحصلة النتائج .
أي أن المعارضة تسجل هدفا سلبيا في مرمى النظام السياسي على اعتبار أنها تسجل من النقاط ما يقربها من نظام الحكم على أرضية غير صالحة ..... وفي ظل امكانيات متهاوية وفي واقع مجتمع مشتت .... أي أن المعارضة تأتي الى الحكم في ظل أوضاع بائسة اشتركت في صناعتها وكان حصادها المزيد من الكوارث والتبعات والأثار... التي تنعكس بالسلب على مجمل الوضع العام لأي مجتمع أو نظام سياسي بكافة مكوناته وتلاوينه السياسية والأيديولوجية .
المعارضة حق دستوري ديمقراطي وطني .....لكنه لا يعطي حق التجاوز أو التطاول ....بل هناك طرق وأساليب يمكن من خلالها تقديم الاعتراضات وابداء الانتقادات والشكاوي .
من هنا تكمن أهمية الوعي بالثقافة الديمقراطية وبالممارسة السياسية .....وما يحيط بدور المعارضة من وسائل وأليات وقنوات مسموح بها ....وما يعترضها قانونا ودستورا من الخروج عن السياق الطبيعي للعمل الديمقراطي والمؤسساتي حتى لا تكون المعارضة نقمة.... واعاقة لعجلة التقدم ....وحتى يمكن أن يشكل من خلالها نعمة اضافية ....وليس ضررا ...وتخريبا ....واعاقة ثقافية وديمقراطية ستنعكس بالسلب على مجمل الأوضاع العامة والخاصة لأي مجتمع .
لقد كان مثال الانتخابات الأمريكية ونتائجها بفوز ترامب من الحزب الجمهوري على هيلاري كلينتون من الحزب الديمقراطي.....وما جاءت عليه استطلاعات الرأي وقياس الرأي العام .... والذي أعطى هيلاري كلينتون تقدما افتراضيا على عكس النتائج الحقيقية والتي تم من خلالها فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة ....وما عصف بهذه الانتخابات من تقلبات ومفاجئات ..... لكنها بالمجمل انتخابات ديمقراطية تؤكد على رقي بالممارسة الديمقراطية بصورة حضارية في خطاب الفوز ..... الذي ألقاه ترامب ....وحتى في خطاب الهزيمة الذي ألقته هيلاري كلينتون .
لست معجبا بالديمقراطية الأمريكية .....كما أنني لست مؤيدا لمن تسابقوا على رئاسة الولايات المتحدة ....لكنني وغيري نتابع مجريات الانتخابات من منظور النتائج والتحليل .... حول قضايا الشرق أوسط .... وخاصة القضية الفلسطينية وما يمكن ان يطرا من تحسن وتصويب للسياسة الامريكية الخارجية ..... وان تخرج من اطار سياسة ادارة الصراع الى سياسة حل الصراع .... كما الدور الأمريكي المطلوب في انهاء ظاهرة الإرهاب ..... وما طرأ داخل دول المنطقة من جماعات تكفيرية تسعى الى التخريب وضرب استقرار دول المنطقة وتهجير السكان عن أوطانهم ..... ونشر الذعر والخوف .....كما نتطلع الى احترام ارادة الشعوب في اختيار قياداتها ...حتى وان كانت بعكس المزاج الأمريكي.
بحالتنا الفلسطينية مارسنا الديمقراطية في ظل غابة البنادق ....كما مارسنا الديمقراطية في مؤسساتنا الفلسطينية وداخل الأطر الرسمية والشرعية المجلس الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية .... كما مارسنا الديمقراطية داخل الأطر والمؤسسات الحركية والتنظيمية ..... اجتهدنا وعملنا ما نستطيع وفق المناخ الوطني الديمقراطي .....ووفق المناخ الإقليمي والدولي وما سمحت به الظروف والمعطيات عبر كل مرحلة من مراحل نضالنا الوطني .....حتى عهد بناء السلطة الوطنية الفلسطينية واجراء الانتخابات الديمقراطية التشريعية والرئاسية.
حاول البعض القليل ان يخرج عن الاطار المسموح به في اسلوب المعارضة .... ومفهومها وابعادها المتوافق عليها في حياتنا السياسية .... فكانت النتائج أن احترق القائمون عليها واشعلوا النار بأنفسهم ..... وذهبوا الى حيث المجهول .....عندما خرجوا عن اطار المعارضة الحقيقية داخل المؤسسات التنظيمية .... وهذا ما حدث مع جماعة ابو موسى ..... وما سبق من قوى اخرى حاولت الخروج عن اطارها التنظيمي ..... بتنظيم نفسها من خلال فصائل جديدة وأحزاب وجبهات عديدة ..... لكن الفرق بين جماعة ابو موسى ..... وما فعلت بعض قوى اليسار والاحزاب القومية انهم قد شكلوا تنظيمات موازية .... ولم يحاولوا اختلاق ازمات وصراعات دموية أو العمل لحسابات أجندات خارجية هذا بشكل عام دون الدخول بتفاصيل ما جرى في تلك الجبهات والأحزاب.
تجربة المعارضة الفلسطينية الداخلية تجربة غنية ومليئة بالوقفات والمحطات.... التي يجب التوقف امامها لاستخلاص العبر والدروس .... وعدم تكرار الكثير من التجارب التي افسدت جزئا من الصورة...... التي كنا نسعى لتجميلها وابراز مكامن قوتها .....وعدم القبول بإظهار سلبياتها على قاعدة اننا بمرحلة تحرر وطني لا يستدعي الكثير من التنظير والشعارات المنمقة.... والتي تخدم بأغلبيتها مصالح شخصية واجندات خارجية ....لا علاقة لها بالديمقراطية وتجديد الشرعيات وبناء النظام السياسي الفلسطيني.
المعارضة ليس دورها ان تشخص الحالة وان تكتشف العيوب والسلبيات وان تطرح نظريا ما يجب وما لا يجب ....فالأمور التنظيرية من خلال مقاعد المعارضة وعبر شاشات التلفزة .....ومن خلال مانشتات الصحف ....ليس بالأمر المطلوب والوحيد .....كما أنه ليس بالأمر الواجب العمل من خلاله لإصلاح ما يمكن اصلاحه او مواجهة او معالجة ما يمكن معالجته ....لان الجلوس على مقاعد الحكم وتحمل المسؤولية بالأرقام والحسابات وبالمواقف وتحديد الكلمات ... سيكشف لنا ولغيرنا الفرق الشاسع بين الخيال النظري والواقع العملي ..... وما بينهما من مسؤولية يتحملها القائمون على نظام الحكم ..... وليس الجالسون عل مقاعد التنظير ..... والتصريح واطلاق الاتهامات .
من هنا فان من يعارض او يريد ان يمارس المعارضة بصورة فردية او حزبية .... يجب ان يكون لديه البدائل العملية الموضوعية لما يتم طرحه .... وليس مجرد اطلاق العنان لحملات التشهير والقذف .... واستخدام بلاغة الكلام وقنوات الاتصال ووسائل التواصل والقائم على دغدغة العواطف والتلاعب بأحاسيس الناس وحاجتهم بعيدا عن العقل والحسابات الدقيقة واستخلاصات التجربة وحقيقة المواقف وما وراء الكواليس .
المعارضة الايجابية يجب ان نرسخها في حياتنا السياسية وان نبتعد عن ممارسة المعارضة السلبية الهدامة.... لكل فعل وانجاز وخطوة متقدمة .
عقود طويلة لم يثبت فيها ان المعارضة داخل الحياة السياسية الفلسطينية لها نتائجها الايجابية ....او كان لها اساليبها القادرة على تعديل وتصحيح المسار بما يحقق النتائج الافضل ..... بل كانت المعارضة سلبية في طرحها حتى وان امتلكت بلاغة الكلام وجاذبية الشعار.....ولم تكن بنتائجها الا صفرا كبيرا..... لم يضيف لتراكمات التجربة وانجازاتها ما يمكن حسابه واظهاره بصورة واضحة ومباشرة .
وهذا لا يعني ان المعارضة ليست بذات الاهمية .....لكن المعارضة القائمة تحتاج الى اعادة صياغة بمكوناتها وافكارها واساليبها ومفردات خطابها ..... حتى يمكن ان تحقق ما هو متوقع منها .
النوايا الصادقة والتوجهات الجادة واساليب الطرح الموضوعي لا زالت قاصرة وعاجزة ومترددة ....وهذا ما اضعف المعارضة .... وجعل منها صوتا اكثر منه مضمونا وفعلا.... يمكن تلمسه والبناء عليه لتعزيز المواقف وتصليبها والبناء عليها .
نحن بحاجة الى معارضة موضوعية وجادة وملتزمة معارضة .... تقوي من التوجهات والثوابت وتعزز من مقومات الصمود والتحدي معارضة تضيف قوة اضافية للنظام السياسي.... وليس معارضة تضعف وتشتت معارضة تقوي المقاوم والمفاوض .... وليس اضعافهم وتشتيت جهودهم وطاقاتهم .
معارضة تزيد من الوعي والثقافة الوطنية الديمقراطية.... وليس معارضة تزيد من حالة الفلتان الاخلاقي والاعلامي ....وتعزيز الانانية والمصلحة الفردية على حساب الوطن واولوياته .
نحن بحاجة الى مراجعة اساليب المعارضة لدينا حتى نجعل من المعارضة حاجة وطنية واسلوبا موضوعيا جادا .... يمكن الاستفادة منه والاضافة عليه لبناء المواقف الاكثر صوابيه والتزام .
المعارضين لا تقل اهميتهم عن المؤيدين ...اذا احسنوا دورهم وتحديد مكانهم واسلوب عملهم ومفردات خطابهم ....لكن المعارضة تفقد اهميتها وبريقها ودورها .... عندما تعمل على الاعاقة ووضع العراقيل وتشتيت الجهود وحرف المسار ... وعندها لا يمكن القول عنها انها معارضة ...ولكن بالتأكيد لها تسمية اخرى؟!
الكاتب: وفيق زنداح