بسم الله الرحمن الرحيم
الطلاق في قطاع غزة يتجاوز 9 حالات يوميا بمعدل 3288 حالة سنويا، برغم أن المجتمع الغزي محافظ لا يؤيد الطلاق ويراه أبغض الحلال عند الله، وبرغم ذلك تتزايد تدريجيا نسب الطلاق كحالة غير مسبوقا لتصل لأكثر من 274 شهريا، وهذا مؤشر لوجود ظاهرة اجتماعية تستحق الدراسة والتدخل، فتزايد حالات الطلاق، وما يترتب عليها من مشاكل اجتماعية ونفقات واجراءات محاكم وتقاضي يعد مؤشر حقيقي لوجود كارثة اجتماعية، أنتجتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وخصوصية قطاع غزة، وعززتها حالة الجهل الاجتماعي، بعدم فهم الواقع المعاش والتكيف معه فيما يتعلق بالزواج، والموائمة ما بين متطلباته والامكانيات المتاحة، فالملاحظ أن أسباب الطلاق تجاوزت الاسباب التقليدية المعروفة في المجتمعات، وفي محاولة لتحليل طبيعة ودوافع الزواج التي قامت عليها لتلك الحالات المنفصلة بالطلاق نجدها تمت على مصالح ذات بعد اقتصادي، ونلخص منها التالي:
- بعض حالات الزواج تمت بدافع أن الزوجة كانت تعمل على مشروع أو بند بطالة وانتهي بها المطاف بغير عمل، ولم يستطع الزوج والزوجة الايفاء بحاجات الاسرة الاقتصادية مما سبب مشاكل أنهت الزواج.
- الديون التي سببها الزواج نفسه سواء بإرتفاع قيمة المهر أو المصاريف الخاصة بطقوس الزواج وحالة البذخ، والتي أفرزت ديون متراكمة أرهقت الاسرة، وخلقت أزمات مركبة انهت الزواج.
- القروض حيث أن عدد من الشباب المطلقين كانوا قد حصلوا على قروض من مؤسسات الاقراض تحت مسمى إنشاء مشروع ريادي وتنموي، وانتهى به المطاف ليتزوج بالمبلغ، ولا يجد طريقة لتسديد تلك القروض، مما ساهم بأزمة مالية واشكاليات أثرت على الاسرة وأضعفت مقدرتها على الاستمرار.
- انشغال الزوجين بشبكات التواصل الاجتماعي، وبحث الزوج أو الزوجة عن الحياة الافتراضية هروبا من الواقع، مما خلق حالة من الانفصام الاجتماعي بين الواقع والافتراضي، ساهم بعدم المسئولية تجاه الاسرة، وضعف في العلاقات الزوجية الحميمة.
- غياب وقلة فرص العمل مما ساهم بعدم المقدر على تلبيه احتياجات الاسرة الجديدة في ظل تكاليف الحياة العالية.
- حالة الفراغ والتي جعلت الزوج والزوجة متفرغين للخلافات والمشاكل في ظل بيئة معكرة وغير مستقرة بسبب ضغوط الحياة المركبة والمثقلة بالهموم التي حولت واقع الاسرة لجحيم .
- غياب التعاون بين الاسرة الصغيرة والعائلة الكبيرة، وحالة الصرع بينهما لتلبية متطلبات الحياة، فتجد تدخل من الاسرة الممتدة في شئون الاسرة النووية، مما يؤثر سلبا على حياة الزوجين الخاصة، بالإضافة لعدم التدخل من الاهل لتقديم الدعم أو الالتزام بالمساعدة المالية أو الإعانة كانت تقدمها الاسر الكبيرة لأبنائها في المراحل الاولي للزواج كما كان سائدا.
- انتشار تعاطي الاترامدول ومشتقاته بين الشباب، وبسبب حالة الفراغ وانعدام المسئولية الي يعيشونها في ظل غياب الرقابة اللازمة اجتماعيا وقانونيا لهذه الظاهرة التي خلقت حالة من عنف أسري وترتب عليها مضاعفات خلخلت بنية الاسرة علاقاتها الاجتماعي.
كثيرة الاسباب التي يقر بها الشباب المطلقين، والتي تقف خلف ظاهرة الطلاق في قطاع غزة، وتتطور مع التطور الاجتماعي والتقني، وليس هناك حصانة لاحد منها، وحتى اللحظة لم تشكل ثقافة مضادة لمواجهتها، أو إحداث ضبط اجتماعي لها أو الحد من انتشارها، فما زالت الاسباب قائمة والدوافع تتكرر بدون رقابة أو أي محاولة جدية للعلاج، والتي يعتبر من أبرز ملامحها استمرار المهور العالية، حيث من المفترض كخطوة فعالة أن يتم البدا بتخفيض التكاليف في الزواج، مع ضرورة توفر التكافؤ بين الازواج، بالإضافة أن يتم مساندة الاسر الجديدة اقتصاديا واجتماعيا في مواجهة التحديات، ودعمها بما يساهم في توفير الحد الأدنى للمتطلبات الحياتية للاستمرار، فالضرر لارتفاع نسب الطلاق، يمس بمكون أساسي للمجتمع وهو الاسرة، والتي تعتبر حجر الاساس في بنية المجتمع فإن صلحت صلح المجتمع ككل، لذا على الاهالي أن ينتبهوا لهذه الاشكاليات بهدف الوقوف عليها ومواجهتها ثقافيا واجتماعيا حتى يتم الحد منها، لما سيترتب عليها من مشاكل تمس بالأبناء ومستقبلهم.
أخيرا أود التنويه من خلال تسليط الضوء عليها؛ بأنه لا يجوز أن يستمر المجتمع ومؤسساته بالصمت أمام انتشار هذه الظواهر والمشاكل الاجتماعية التي تفرزها حيث تهدد أمن المجتمع ونسيجه الاجتماعي وتضعف بنيته.
بقلم/ د. سلامه أبو زعيتر
دكتور علم الاجتماع المساعد