الشهيد ياسر عرفات تاريخ للقضية الوطنية

بقلم: عباس الجمعة

اثنى عشر عاما مضت على رحيل القائد الرمز الشهيد ياسر عرفات، والختيار الإنسان، وكثيرون مشغولون لأسباب استشهاده، وقليلون معنيون بطمس هذه الأسباب، وكل له أسبابه، في حين ان الشعب الفلسطيني وأشقاءه في الوطن العربي وأصدقاءه في العالم، بقدر انشغالهم بمعرفة الأسباب والمسؤولين عن استشهاد رئيسهم وقائدهم، وفي ظل ايضا انشغال حركة فتح بمؤتمرها العام السابع وبما مثله من مسيرة وطنية عظيمة على مستوى الحركة الوطنية الفلسطينية والعربية والعالمية .

الشهيد القائد الرمز ياسر عرفات كان خلالها الحاضر الدائم، الذي شغل الصديق والعدو وجعل من كوفيته رمزا للحركة الوطنية الفلسطينية وللمناضلين من اجل الحرية والاستقلال جميعا، ولكل من يريد التعبير عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني، مثلما جعل جيفارا من بدلته الخضراء والنجمة الحمراء على رأسه رمزا للمناضلين الامميين من اجل حرية الشعوب واستقلالها ، ولقد شكل الرئيس الشهيد بوصلة النضال من اجل حرية شعبه بما في ذلك حياته، عاش بين المقاتلين صانعي ملحمة الحرية واستقلال الشعب الفلسطيني، ملحمة طائر الفنيق الذي خرج من الرماد.

نحن اليوم امام الذكرى السنوية الثانية عشرة للشهيد القائد الرئيس ابو عمار الذي حمل راية الهوية الوطنية الفلسطينية المستقلة، وجاب العالم جامعا الاعتراف بها، وقاد النضال بكل أشكاله من اجل ترسيخها بمختلف المحافل والميادين، ودافع عن استقلالية القرار الوطني الفلسطيني في مواجهة محاولات احتوائه، فاستحق عن جدارة الوصف الذي أطلقه عليه خصومه قبل مؤيديه بأنه أبو الوطنية الفلسطينية المعاصر، فكيف لا وهو طائر الفنيق و"يا جبل ما يهزك ريح"، و"على القدس رايحين شهداء بالملايين"، فمن هنا استحق الرئيس القائد حبه لكافة المناضلين ولشعبه وكل حركة التحرر العربية والعالمية ، حيث كان دائما في قلب معارك الدفاع عن شعبه بدءا بمعركة الكرامة مرورا بمعارك ايلول وجرش وبيروت وصولا لمعركة استشهاده في حصار المقاطعة، والسياسية بدءا من معركة وحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني، مرورا بمعارك الدفاع عن استقلالية القرار الوطني الفلسطيني ومعارك الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية وبحقوق الشعب الفلسطيني وصولا للعودة الى فلسطين ونقل القرار السياسي الى ميدان النضال الى ارض الوطن، فتعانق الوطن والشعب والقرار السياسي في ميدان الكفاح الوطني التحرري والديمقراطي .

نعم نقف في ذكرى الرئيس الشهيد الذي اتجهت بوصلته السياسية دائما نحو فلسطين، عندما كان خارجها ولم يحرف هذه البوصلة أي جاذب مغناطيسي اخر مهما كانت قوة جذبه او إغرائه ومهما كانت مسيرة العودة لفلسطين مليئة بالعقبات والصعوبات، وعندما استقر به المقام في فلسطين رفض مغادرتها مهما كانت إغراءات المغادرة حتى لو كانت للعلاج وإمكانية إنقاذ الحياة، خوفا من غدر العدو ومنعه من العودة، وفي فلسطين كانت بوصلته متجهة فقط نحو القدس عاصمة دولة فلسطين، وشعاره الناظم الدائم سيرفع طفل او طفلة من فلسطين علم فلسطين فوق أسوار القدس ومآذن القدس وكنائس القدس، فكان الحصار الظالم من قبل الاحتلال

في مقر المقاطعة برام الله، ومن ثم بعد اشهر تم اغتياله لانه لم يسمح بالمس بالخطوط الحمراء، اي بحقوق الشعب الفلسطيني ، فكان أبو مرحلة كاملة من تاريخ الفلسطينيين, حيث جسد الهوية الوطنية الفلسطينية للشعب الفلسطيني .

أن الشهيد الرئيس ياسر عرفات يجب أن يُنظر له باعتباره تاريخ للقضية الوطنية الفلسطينية وللثورة الفلسطينية المعاصرة ولمنظمة التحرير الفلسطينية ، وللشعب الفلسطيني، بمعزل عن الموقع الذي كان يحتله ياسر عرفات كرئيس لحركة فتح، فقد كان عنوان ورمز للشعب الفلسطيني في مرحلة تاريخية معينة وبالتالي هو يجسد هذه المرحلة في هذا الموضوع، هذا الأمر الأهم.

وفي ظل هذه الظروف تعقد حركة فتح مؤتمرها العام السابع وكل الانظار تتجه الى هذا المؤتمر خاصة في مرحلة سياسية دقيقة ، فالشعب الفلسطيني يحتضن هذه المسيرة كما احتضنها الرئيس الرمز ياسر عرفات وسار بها ،فحركة فتح صاحبة الطلقة الاولى ، وصاحبة المشروع الوطني ، صحيح أن الرئيس محمود عباس يحمل أعباء وطنية ثقيلة ومسؤول عن شعبنا في كل أماكن تواجده, وفي تقديري يجب أن تتوفر أكثر إرادة فلسطينية حقيقية للمصالحة، ومن حق جميع الفصائل والقوى ان تتطلع الى مؤتمرها في إطار العمل الوطني الفلسطيني إلى جانب موضوع الوحدة الوطنية والأساس الذي كان يتحدث به دائماً الشهيد أبو عمار، فالرئيس الشهيد ربط اسم الوطن والقضية الوطنية في آن واحد وعمل من أجل القضية الفلسطينية وهذا الذي ثبت الوضع الفلسطيني وحافظ على منظمة التحرير الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني ، وعندما نتحدث عن ذلك لأن الشعب الفلسطيني ما زال تحت الاحتلال الإسرائيلي والظلم الاستعماري والأمريكي والعالمي ، وعلينا أن نستمر في نضالنا على الأرض لنوحد أنفسنا ولنوحد جهودنا ونوحد قوانا في مواجهة هذا الاحتلال الذي لا يقبل لنا الوحدة ويرفض الوحدة بين الضفة وغزة ولا يقبل تقرير المصير ولا العودة .

امام كل ذلك نرى ان الوفاء للشهيد الرئيس ياسر عرفات وللقادة العظام ابو العباس وجورج حبش وطلعت يعقوب وعمر القاسم وابو علي مصطفى وسمير غوشة وابو احمد حلب وعبد الرحيم احمد وكل الشهداء ولهذا التاريخ من الدماء هو أن نجسد ما نادوا به وعملوا به وما استشهدوا من أجله هذا هو الأساس الذي يستدعي أن تتوفر من خلاله الإرادة السياسية بانهاء الانقسام وتطبيق اليات اتفاقات المصالحة ورسم استراتيجية وطنية تستند لكافة اشكال النضال وتوفير الدعم للمقاومة الشعبية والانتفاضة في الضفة والقدس بمواجهة الاحتلال والاستيطان .

ولهذا نرى ان الذكرى تأتي في اوضاع دقيقة تمر بها المنطقة حيث تشتد الهجمة الامبريالية الاستعمارية الصهيونية من خلال ادواتها من القوى الارهابية ، في محاولة تحطيم وتدمير دولنا الوطنية، وخاصة في سورية والعراق وليبيا، مما يتطلب استنهاض الطاقات ، لأن الشعوب العربية ومقاومتها ستبقى طوداً شامخاً بوجه كل كل المتآمرين على قضية الشعب الفلسطيني، وبوجه الاحتلال والامبريالية والرجعية، والقوى الارهابية التي تطوعت لخدمة أسيادها، في تنفيذ مخطط إعاده تقسيم المقسم من الوطن العربي ضمن سياسة الشرق الاوسط الجديد ، فالشعب الفلسطيني التي آمن به الرئيس الشهيد ياسر عرفات يجتراح المعجزات النضالية والبطولية لأنه قادر على اجتياز هذا النفق المظلم، حيث تشكل انتفاضة القدس بوتقة الأمل

القادم، والتي يجب الحرص عليها وتطويرها عبر آليات وأساليب أكثر نجاعة وايلاماً للاحتلال وقطعان مستوطنيه وهذا يحتاج لتظافر جهود كل القوى الفلسطينية ، رغم الإنجازات الحالية على الصعيد الدولي، لكن البريق العربي غاب عن القضية.

ونحن امام ذكرى الرئيس الشهيد ياسر عرفات نقول أن مواجهة السياسة الامريكية المرتقبة والتي لن تخرج في جوهرها عن ذات السياسات المتعاقبة للإدارات الامريكية المختلفة، إلاّ فيما يمكن أن تضيفه من أبعاد أكثر عدائية تجاه المنطقة، تستدعي أولاً التوقف عن الرهان والاوهام على أي دورٍ أمريكي يراعي المصالح الوطنية المنفردة أو الجمعية للأمة العربية،وهذا يستدعي من الشعوب العربية وقواها السياسة، ممارسة كل الضغوطات على أنظمتها، لإعادة النظر في سياساتها الرسمية القائمة، وفرض تصويبها انطلاقاً من استراتيجيات تُحررها من التبعية للسياسات والمخططات الامريكية في المنطقة، وباستخدام كل عوامل القوة التي تمتلكها لحماية مصالح الشعوب العربية وفي القلب منها مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني

ختاما : في ذكرى الرئيس الشهيد الرمز ياسر عرفات نتطلع الى مؤتمر حركة فتح ونحن على ثقة بان هذا المؤتمر سيشكل رسم استراتيجية وطنية جديدة ، مما يتطلب من كافة الفصائل والقوى العمل على تعزيز الوحدة الوطنية باعتبارها السلاح الامضى في مواجهة الاحتلال والمخطّطات الامبريالية الهادفة للقضاء على القضية الفلسطينية وتصفية نضالنا الوطني ، كما يتطلب ذلك حماية منظمة التحرير الفلسطينية ومشروعها الوطني و تطوير النضال الوطني الفلسطيني، من خلال دعم صمود الشعب الفلسطيني وتصعيد المقاومة الشعبية وانتفاضة القدس والتأكيد للعالم اجمع ان الشعب الفلسطيني لن يرفع الراية البيضاء ، بل ستبقى راية الكفاح الوطني مرفوعة حتى تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس .

بقلم/ عباس الجمعة