في ساحة متوترة على كافة الصعد تمتلئ بالأزمات وارتدادتها الأكثر عنف وقسوة أعلنت حركة فتح كبرى فصائل العمل الوطني الفلسطيني عن عقد مؤتمرها العاشر لتواجه به الكثير من الأزمات، وتجيب على العديد من التساؤلات، وتقدم مخرجات منطقية لرزمة من الأزمات التي تعصف بالحركة خصة، وبالقضية الفلسطينية عامة، وكذلك بالمنطقة برمتها في ظل حالة من تعتيم الرؤية الشديدة، ولخبطة أوراق من الصعب إعادة ترتيبها ولملمتها أو تنظيمها في ظل تداخل المحلي بالعام، والعام بلكل الإقليمي، وتحول الكثير من المواقف والتكتيكات السياسية على الساحتين العربية والفلسطينية، وكذلك الإقليمية والدولية، وأصبحت الرئاسة الفلسطينية توجه حرب داخلية وخارجية، حيث تحركت الرباعية العربية بمحاولة للم الشمل في حركة فتح أو بين طرفي الصراع الممثلين بالممثل الشرعي الرئيس محمود عباس، والطرف الآخر السيد محمد دحلان الذي يجد دعمًا عربيًا وسعًا ويتمدد في قوته بالشارع الفتحاوي، مزامنه مع حركة حرمه السيدة جليلة حاملة الأموال والهبات العربية للمخيمات الفلسطينية.
يأتي عقد مؤتمر فتح العاشر في ظل العديد من المحددات التي يحتاج كل محدد منها لمؤتمر خاص به ليتم وضع الحلول ولمخارج والصياغات التي تعبر عن الشأن الفتحاوي خاصة، والفلسطيني عامة إلى الخروج بأقل الخسائر والأضرار، وأسوأ الاحتمالات، فعلى صعيد فتح الداخلي فهي عاجزة منذ عشر سنوات العودة إلى مكانها على رأس الهرم السياسي الفلسطيني بعدما هُزمت من حركة حماس في الإنتخابات التشريعية عام 2006، وأصبحت فتح تخسر أكثر مما تكسب على صعيد جمهيريتها، وتماسكها وسلطاتها سواء في غزة أو في الضفة الغربية، وكذلك في علاقاتها العربية والإقليمية، فعلى المستوى لداخلي انقسمت فتح على نفسها لعدة تكتلات وتيارات، وإن كان يتضح للمواطن والقارئ السياسي أن الخلاف عبسي- دحلاني فهذا الخلاف لأنه الأقوى والأكبر ويحتكم لمحددات جيوسياسية في سلم الخلافات الفتحاوية – الفتحاوية، ولكن هناك العديد من التناقضات والإنقسامات التي تعيشه فتح داخليًا، ولكنها خلافات مستترة صامته أو ساكنة تتحين الفرصة للإنقضاض، والظهور علانية بقوة وعنف في الجسد الفتحاوي وهو ما يؤججة عناصر وأبناء فتح، وكادرها الوسطي الذي لا ينحاز للحركة عامة، بل ينحاز لمصالحة الآنية والذاتية ومكتسباته الشخصية في المقام الأول، وكذلك للولاءات لشخصية لبعض القيادات المتنفذة في حركة فتح فلا زالت العديد من الأسمء القيادية لم تطفو على سطح مرآة فتح، وصمتها وسكونها مرتبط بجغرافيا محددة، وكذلك بشخص الرئيس محمود عباس لذي إن إعتزل أو إنزو عن المشهد لأي ظرف كان سيجد محمد دحلان أن الساحة الفتحاوية زدت تعقيدًا، ولن تكون سهلة المنال ممهدة له كما يعتقد، وكما يرسم له متنفذوه في حركة فتح، وهو ما يحتاج قرءة أكثر عمقًا للواقع الفتحاوي المرتبك والملعثم، والمشتت. المحدد الآخر هو العلاقة الفتحاوية – العربية التي لا يمكن إجملها بالرئاسة فقط، فاليوم أصبحت فتح لشرعية تخسر جسر العلاقات مع الدول العربية وأخص بالذكر مصر الأهم في المعادلة، وكذلك
السعودية اللتان حاولتا التدخل بالشأن الفتحاوي الداخلي من خلال فرض وقائع جديدة كلًا بطريقته، وما تتطلب مصالحه، فمصر وجدت بالرباعية العربية ضالتها بالتدخل غير المعلن رسميًا، لفرض محمد دحلان الغزاوي كمؤمن لها على حدودها الشمالية المتوترة مع حماس، وحاولت طرح مؤشرات عودتها للساحة الفلسطينية عبر مؤتمر عين السخنة، وهو بوجهة النظر الشرعية الفتحاوية تدخل سافر، وإلتفافًا على شرعية محمود عباس لذي أدرك ذلك فبدأ يتخذ خطوات مضادة أهما لقائه مع مشعل هنية في الدوحة، وزيارته لتركيا وقطر في عملية هي رسائل سياسية مبطنة بدبلوماسية رئاسية بأمتلاك العديد من الأوراق في جبعتها تناول مصر من خلالها، وتحشر الرباعية العربية في الزاوية، وأعتقد أن هناك العديد من الأوراق التي يمتلكها الرئيس محمود عباس أهما ورقة إيران وروسيا، وربما الورقة الأمريكية التي لم تتضح معالمعا جليًا مع انتخابات الرئاسة الأمريكية وفوز ترامب لذي اتضحت بعض المظاهر لسياسته حول القضية الفلسطينية، إلا أن الرهان التاريخي يؤكد أن ما تقوله الحملات الإنتخابية خارج البيت الأبيض تختلف عما تتحدث به داخل البيت الأبيض، لذلك يعتبر ترامب أحد الأوراق التي يمكن اللعب بها من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومحورية عملية السلام. أما الورقة الأساسية التي يمكن عدم إغفالها أو التنكر لها هي الورقة الأردنية التي يمكن أن يقذفها الرئيس في وجه الرباعية العربية خاصة وأنه يدرك أن الأردن لاعب أساسي لما يملكه من نفوذ وسطوة على الضفة الغربية، والعديد من القيادات الفتحاوية المركزية في الأردن، إضافة للورقة الأساس المصالحة والتقارب مع حركة حماس والأخيرة تدرك أن مصلحتها مع الرئيس محمود عباس أهم من مصلحتها مع السيد محمد دحلان رغم ما منحته من تسهيلات وتفاهمات في الفترة لأخيرة، ولكن حمس تجيد المراوغة واستغلال حالة التقزم ولتناقض الفتحاوي- الفتحاوي، أما الورقة الرئيسية والأهم فتحاويًا وشعبيًا هي ورقة اغتيال الشهيد ياسر عرفات التي سيكون لها الدور الأساس في تحديد معالم الصراع الفتحاوي- الفتحاوي.
ربما المؤتمر العاشر لحركة فتح يحدث اختراق شديد في الصمت العام على الساحة الفلسطينية من خلال وضع خطوط عامة للمصالحة تبدأ الخطوات الفعلية، وربما هذه النقطة هي أهم التفاهمات بين عباس- مشعل في لقاء الدوحة، وكذلك إحداث تصفية وتعرية كلية ونزع شرعية عن التيار (المتجنح) كما تطلق عليه حركة فتح، ومحاصرة وتمدد هذا الجناح محليًا، واقليميًا مع إدراك المؤتمر العام وقادة فتح لطبيعة المكون الفكري التنظيمي لكادر وعناصر فتح الذي ل يمكن له الإلتزام والإنضباط بعيدًا عن مصالحه الذاتية. إذن فالمؤتمر العاشر هو متطلب فتحاوي ضروري كمدخل لطرح مخارج للحالة الفتحاوية عامة، ومواجهة عدة محددات وتحديات معقدة، ولكنه بكل الأحوال لن يكون مؤتمرً توافقيًا يعيد اللحمة لفتح، بل هو مؤتمر سيأزم بعد العلاقات الداخلية، ويدفن بعض الأزمات الأخرى تحت رماد مشتعلة، ويصيغ محددات مستقبل العلاقات الفتحاوية مع مصر الذي لن يكون المؤتمر بأي حال من الأحوال صدم ومتصادم معها لإدراكه لأهمية ومخاطر هذ التصادم، ولكن يبدو ان فتح ستزج بمنظمة التحرير كطرف مواجهة مع مصر في محاولات التصدي لأهداف مصر ودحلان.
د. سامي محمد الأخرس [email protected]
11 تشرين ثن (نوفمبر)2016