ترامب العاقل وبرامج الأغنياء المجنونة

بقلم: عدنان الصباح

بشكل غير متوقع ارتفع مؤشر الأسهم داو جونز الأمريكي ومؤشر ناسداك ارتفاعا ملحوظا بعد إعلان فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية كما ارتفع المؤشران الصناعيان كذلك وكاد الارتفاع يصل حد تحطيم الأرقام القياسية.

الزوبعة التي أثارها ترامب خلال حملته الانتخابية وحجم الفضائح وما تورط بالإعلان عنه علنا عن معاداته للمسلمين والملونين وسعيه للتخلص من الهجرة للولايات المتحدة بما في ذلك طرد 11 مليون مهاجر غير شرعي يقيمون في الولايات المتحدة لم تكن هي الأهداف الحقيقية التي يريدها منه أصحاب الحكم في الولايات المتحدة خصوصا حين يكون الرئيس من الحزب الجمهوري والذي يمثل في واقع الحال أصحاب الكارتيلات الاقتصادية الضخمة وأصحاب المصلحة الحقيقة في الاقتصاد ولذا ليس عجيبا أن يكون الاختلاف واضحا في السياسة الداخلية بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري والذي عادة ما يستفيد من ممثليه في البيت الأبيض بإجراء خطوات غير اعتيادية حتى لو كانت قنابل غير مقبولة عالميا ما دام ذلك في المحصلة النهائية سيعود بالفائدة على هوامير المال في أمريكا وهم بالتأكيد قادة الصناعات بكل أشكالها كصناعة السلاح والصناعات البتروكيماوية وحرب المعلوماتية.

ترامب الذي ركز على الصحة والضرائب والهجرة جعل من الحديث عن الصحة ملهاة الفقراء ومعاداة الهجرة تدغدغ مشاعر الباحثين عن وظائف فالتخلص من 11 مليون مهاجر يعني شغور وظائف لصالح المواطنين الأمريكيين لكن بين هذا وذاك تظل الضرائب هي الهدف الأهم لصالح رفاقه من سارقي قوت البشر فهو سيسعى لحمايتهم وحماية اقتصادهم بكل ما أوتي من قوة وعبر قنوات واضحة حددها مسبقا في كل خطاباته وبرامجه.

ترامب سيعيد قراءة اتفاقية التجارة الحرة مع المكسيك وكندا وسيعيد قراءة الاتفاقية النووية مع إيران وسيلتفت جيدا لتنامي الدور الاقتصادي الصيني في العالم ومراوغة الصين حسب رأيه في موضوعة العملة وهو بالتالي سيسعى جاهدا ليتراجع سعر الدولار إلى أقصى حد ممكن حتى يسهل حركة التصدير للسلع الأمريكية في مواجهة أوروبا واليابان والصين وهو يعلن انه سيراجع موضوع الدين السيادي الأمريكي والذي يبلغ تقريبا قيمة الناتج الوطني أي حوالي 20تريليون دولار لعديد من دول العالم بما يفيد بان ترامب قد يسعى لابتلاع هذا الدين بشكل أو بآخر بتشجيع من الطبقة الصناعية والمالية الكبرى والتي يعتبر ترامب احدهم.

كما فعل زملاؤه الجمهوريين السابقين بخطوات مدمرة دوليا خدمت مصالح أصحاب المال الأمريكي بلا حدود من قرار نيكسون برفع غطاء الذهب عن الدولار التي أضاعت ديون عديد الدول وخفضت احتياطاتها من الدولار فجأة إلى اقل من النصف بدون سابق إنذار إلى سعي بوش الأب والابن إلى حرق البترول في العالم عبر حروب الشرق الأوسط في الخليج والعراق ومن قبلهم الحرب العراقية الإيرانية وريغان فالجمهوريين لن يذهبوا إلى السياسة الخارجية من باب التجميل الديمقراطي وحكايات الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات وما إلى ذلك من أكاذيب بل سيدخلون من باب الموت مباشرة فالتخلص من السعودية لا يعنيهم للدفاع عن الحريات بل للتخلص من الدين السيادي الذي تخضع له الولايات المتحدة تجاه السعودية وإضعاف الصين اقتصاديا يأتي من باب استعادة أمريكا مكانتها في التجارة الدولية وتسويق البضائع الأمريكية بسعر اقل من غيرها بعد هبوط الدولار ورفع غيره من العملات قسرا.

ارتفاع مؤشري داو جونز وسانداك بما في ذلك المؤشران الصناعيان سببه الإدراك التام من قبل مشتري الأسهم أن الجمهوريين بغالبينتهم ليسوا أغبياء أو مجانين أو عنصريين بقدر ما هم واضحين ومباشرين بالدفاع عن مصالح طبقتهم ويسعون لتحقيق أهدافهم بأسرع وقت ممكن قبل أن تنتهي السنوات الأربع الأولى لممثلهم في البيت الأبيض, وهو لذلك سيسعى إلى التهدئة مع روسيا في أوكرانيا والصين بينما سيستفرد بالتصرف مع السعودية وسيواصل هيمنته في العراق وتعاونه مع إيران كما فعل سلفه ريغان بفضيحته إيران غيت, وسيقدم هداياه العظيمة لإسرائيل كما ترغب وستجد إسرائيل نفسها حرة في التصرف بالقدس والمستوطنات حتى لو لم تنتقل السفارة الأمريكية رسميا إلى القدس.

الديمقراطيون في البيت الأبيض يديرون حربا بالخارج من خلال وكلائهم لتسهيل مهمة كارتيلات المال في بلادهم لنهب خيرات الآخرين ويتجملون بالداخل بوضع القيود على الحركة الاقتصادية ومساعدة الطبقة الوسطى ومحاولة الاقتراب من الفقراء فشعار الديمقراطيين ارسلوا اغنياءنا للخارج لينهبوا عبر موت واقتتال الآخرين هناك بسلاحنا المغلف بالشعارات أما الجمهوريين فلا احد خارج معادلة الموت سواهم فليذهب فقراء أمريكا والعالم للحرب في العراق مثلا أو افغانستان ليحضروا لنا نفطها وليحترق كل فقراء العالم ما دام الوقود سيدفئ جيوبهم, فليهنأ إذن أصحاب المال وحلفائهم في العالم وفي المقدمة ربيبتهم إسرائيل وليمسك خدم السياسات الأمريكية بالمنطقة على رقابهم خوفا وفي المقدمة السعودية فترامب عاقل ببرامج مجنونة يدرك كيف يديرها وكيف يحقق مصالح طبقته من خلالها حتى لو كان الثمن قداسة القدس ودم السعوديين الأزرق.

سيرتفع سهم داو جونز اكثر فأكثر وستهبط قيمة الدولار اكثر فأكثر حتى يفقد دائني الخزينة الامريكية وفي مقدمتهم السعودية والصين وحتى روسيا اموالهم تدريجيا ليجدوا انفسهم يستعيدون الوهم من خزائن علي بابا الامريكي بعد ان ملأوها بقوت شعوبهم للأسف.

بقلم/ عدنان الصباح