في 15/ نوفمبر/ 1988م, عقدت الدورة غير العادية للمجلس الوطني الفلسطيني على أرض الجزائر الشقيقة. حيث أُعلن عن قيام دولة فلسطين المستقلة, وأقرت وثيقتان بهذا الخصوص, هما: "اعلان الاستقلال" و "البيان السياسي", إن من المفيد ان ندقق بالمبادئ الاساسية التي حددها اعلان الاستقلال لدى بناء هذه الدولة: "ان دولة فلسطين هي للفلسطينيين اينما كانوا فيها, يطورون هويتهم الوطنية والثقافية, ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق, وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية, وكرامتهم الانسانية في ظل نظام ديمقراطي برلماني, يقوم على اساس حرية الرأي, وحرية تكوين الاحزاب, ورعاية الاغلبية حقوق الاقلية, واحترام الاقلية قرارات الاغلبية, وعلى العدل الاجتماعي, والمساواة, وعدم التمييز في الحقوق العامة على أساس العرق او الدين او اللون, أو بين المرأة و الرجل, في ظل دستور يؤمن سيادة القانون والقضاء المستقل, وعلى أساس الوفاء الكامل لتراث فلسطين الروحي والحضاري, في التسامح والتعايش السمح بين الاديان عبر القانون".
بكلمة اخرى, حددت هذه الاحكام الواردة في اعلان الاستقلال أسساً للتطور الداخلي لدولة فلسطين, كدولة ديمقراطية ذات طابع تعددي يطورها الجميع.
كما اعلنت هذه الوثيقة المبادئ الاساسية لسياسة دولة فلسطين الخارجية. وتلتزم هذه الدولة على الأخص بمبادئ التعايش السلمي, ومبادئ هيئة الامم المتحدة, وأهدافها, وبالاعلان العالمي لحقوق الانسان, ومبادئ حركة عدم الانحياز وبرنامجها السياسي. وتهيب دولة فلسطين بالامم المتحدة – التي تتحمل مسؤولية خاصة تجاه الشعب العربي الفلسطيني ووطنه – وبشعوب العالم ودولة المحبة للسلام والحرية, أن تساعدها على تحقيق اهداف الشعب العربي الفلسطيني, ووضع حد لمأساة هذا الشعب, بتوفير الامن له, وبالعمل على انهاء الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
وتعلن دولة فلسطين في هذا المجال, أنها تؤمن بتسوية المشاكل الدولية والاقليمية بالطرق السليمة, ووفقا لميثاق الامم المتحدة وقراراتها, وأنها ترفض العنف, أو التهديد بالقوة ضد سلامة اراضيها, أو سلامة أراضي أية دولة أخرى, وذلك دون المساس بحقها الطبيعي في الدفاع عن اراضيها واستقلالها.
وجاء في وثيقة اعلان الاستقلال ايضاً "أنه, مع الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب العربي الفلسطيني بتشريده وبحرمانه من حق تقرير المصير, إثر قرار الجمعية العامة رقم (181) بتاريخ 29/11/1947, فان هذا القرار ما زال يوفر شروطاً للشرعية الدولية تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني و إقامة دولته".
اما المهمات السياسية لدولة فلسطين, فجاءت صياغتها في البيان السياسي الذي أولى اهتماماً رئيسياً بحل القضية الفلسطينية, بصفتها جوهر الصراع العربي الاسرائيلي. وفي هذا السياق اقترح المجلس الوطني الفلسطيني انعقاد المؤتمر الدولي الفعال الخاص بقضية الشرق الاوسط, اشراف الامم المتحدة, ورعاية الدول دائمة العضوية في مجلس الامن الدولي, وبمشاركة جميع أطراف الصراع في المنطقة, بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني.
وتناول البيان السياسي مجموعة من المسائل المتعلقة بإحقاق الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني, وفي مقدمتها:
1. انسحاب اسرائيل من جميع الاراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها منذ العام 1967م.
2. الغاء جميع اجراءات الالحاق والضم, وازالة المستعمرات التي اقامتها اسرائيل في الاراضي الفلسطينية والعربية منذ العام 1967م.
3. وضع الاراضي الفلسطينية المحتلة – بما فيها القدس العربية - تحت اشراف الامم المتحدة, لتوفير مناخ مناسب لانجاح اعمال المؤتمر الدولي.
4. حل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفق قرارات الامم المتحدة الخاصة بهذا الشأن.
وينبغي الاشارة الى ان اعلان قيام دولة فلسطين العربية استند الى (الحكم) الوطني الناشئ في الاراضي الفلسطينية, وفي مخيمات الاجئين الفلسطينيين في اراضي البلدان الاخرى, والذي تحقق عن طريق الهيئات الشعبية, وغيرها من هيئات الانتفاضة والادارة الذاتية.
ولابد من التركيز ايضاً, على ان كل هذا النشاط الاداري يجري تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية, بوصفها الحكومة في المنفى, وفقاً لمبادئ القانون الدولي واحكامه. لقد اعترفت الجمعية العامة لهيئة الامم المتحدة بتاريخ 15/ديسمبر/1988م, في دورتها الثالثة والاربعين المنعقدة في جنيف, بقيام دولة فلسطين, مشيرة الى ان اعلان هذه الدولة جاء تنفيذاً مكملاً لقرار الجمعية العامة رقم 181 الصادر يوم 29/نوفمبر/1947م.
ومن هنا, فإن الشعب العربي الفلسطيني يعتبر نفسه – وعملاً بالقانون الدولي – يمارس حقه في تقرير المصير, الامر الذي تشير اليه من حيث الاساس, نظرية القانون الدولي بخصوص الاصالة والهوية بالنسبة للشعب الفلسطيني ذي الخصائص الاثنية المتميزة, وبموجب القانون الدولي, يتمتع هذا الشعب بحقوقه, ويؤدي واجباته, بصرف النظر عن دوره في العلاقات الدولية.
ويشهد التاريخ ان الشعب العربي الفلسطيني كان دائماً يمارس دوره النشط في سعيه الى احداث تأثير ايجابي على العلاقات الدولية.
بقلم/ د.حنا عيسى