من المؤكد أن الانتخابات الأمريكية بنتائجها التي أوصلت المرشح دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية والبيت الأبيض للسنوات الأربعة قادمة ، لن تنتهي فصولاً ، فعليها سيترتب الكثير في العالم ، الذي تتربع فيه أمريكا على عرشه من دون منازع أقله حتى وقت منظور . وردود الأفعال التي ترددت صداها في كل أنحاء دول العالم ، والتي تراوحت بين من أبدت ترحيبها والمترددة والمتفاجئة والمصدومة ، وقفت دولة الكيان " الإسرائيلي " وحدها بين كل هذه الجموع مبدية عدم اكتراثها فيما انتهت إليها تلك النتائج التي جاءت بترامب رئيساً لأمريكا . والسبب أن كلا الفائزين في الانتخابات الأمريكية ، سواء من حزب الفيل أو حزب الحمار ، لا يمكنه تخطي المصالح " الإسرائيلية " ربطاً بالمصالح العليا للولايات المتحدة وما تسميه تمسكاً ب" منظومة المبادئ الأساسية " التي تلتزمها حيال " إسرائيل " ودعمها وتبنيها ومدها بكل أسباب القوة والمنعة والحماية من المساءلة . فالحزبين الكبيرين الوحيدين ولا ثالث لهما ، والمتنافسين تحت سقف ديمقراطية مضبوطة الإيقاع على الساعة الأمريكية لا غيرها ، يحرصان في كل جولاتهم الانتخابية ومناظرات مرشحيهما التلفزيونية أن يعطيا مساحة واسعة للتعبير فيها عن إعجابهما ب" إسرائيل " ، مؤيدين موافقها ، ومظهران كذباً وزوراً مظلوميتها وأحقيتها في العيش بأمان وسلام وسط غابة من الذئاب والجهلة والغوغائيين عرباً كانوا أم فلسطينيين . متناسين كل سياساتها الإجرامية المنافية لأبسط حقوق الإنسان .
من يتابع ردود الأفعال في الكيان " الإسرائيلي " على فوز صاحب الخطاب الشعبوي دونالد ترامب إلى رئاسة البيت الأبيض ، يقول نعم من حق " إسرائيل " بغلاة قادتها ونخبها ومجرميها أن تطرب وتفرح لوصوله . وهذا ما عبر عنه نتنياهو في تهنئة رئيس الحكومة إلى دونالد ترامب ، مشدداً فيها على " مواصلة تعزيز الحلف المميز بين الجانبين ، ومتمنياً أن تصل إلى مستويات أعلى جديدة ، ولا يوجد للولايات المتحدة حليف أفضل من إسرائيل " . ورئيس " حزب البيت اليهودي " نفتالي بينيت وهو وزير التعليم في الكيان كان قد صرح فور فوز ترامب بالقول : " إنّ فكرة الدولة الفلسطينية انتهت بعد انتخاب الجمهوري دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة . ويشكل فرصة للتخلي فوراً عن فكرة إقامة دولة فلسطينية .. انتهى عهد الدولة الفلسطينية " ، وأضاف نفتالي أن " هذه فرصة هائلة لإسرائيل كي تعلن فوراً تراجعها عن فكرة إنشاء فلسطين في قلب البلاد ، الأمر الذي يشكّل ضربة مباشرة لأمننا ولعدالة طريقنا . هذه هي نظرة الرئيس المنتخب كما تظهر في برنامجه ، وبالتأكيد هي ما ينبغي أن تغدو طريقنا . ببساطة ووضوح وحدة ، انتهى عهد الدولة الفلسطينية " . والنائب المتطرف " بتلئيل سموطريتش " وفي رسالة دعوة وجهها لترامب قال فيها : " انتهى اليوم عهد الدولتين . انتصار الحزب الجمهوري الذي أزال عشية الانتخابات من برنامجه حل الدولتين يسمح أيضا لإسرائيل أن تلقي إلى مزبلة التاريخ هذه الفكرة الخطيرة . اليوم انتهى عهد تجميد الاستيطان الطويل الذي فرضه أوباما على إسرائيل " . ومن جهتها إيليت شاكد وهي وزيرة العدل في حكومة نتنياهو ، دعت ترامب إلى الوفاء بوعده بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس . و زعيم ما تسمى بالمعارضة " الإسرائيلية " يتسحاق هرتسوغ رحّب بفوز ترامب مخاطباً إياه " أنا على ثقة بأن التحالف الأمني والاقتصادي بيننا سيتعزز في ظل رئاستك " . والوزير السابق جدعون ساعر رأى أن فوز ترامب يشكل " فرصة كبرى لإسرائيل كي نبني بشكل واسع في القدس وكي تضمن مستقبلها ، وأيضاً خلافاً للماضي هناك فرصة لنقل السفارة الأميركية إلى القدس " . وهكذا فعلت الصحف العبرية . نعم من حقهم أن يظهروا سرورهم بمجيء ترامب رئيساً لأمريكا ، كيف لا ، وهو الذي لم ينفك عن تأييده ودعمه ل" إسرائيل " وقطعه الوعود لها ، بأن القدس سيعترف بها عاصمة لدولة الكيان " الإسرائيلي " ، بعد أن ينقل سفارة بلاده إليها . ولعلّ المقابلة التي انفردت بها صحيفة " إسرائيل اليوم " مع المنتخب ترامب ، تعكس المواقف التقليدية للولايات المتحدة الملتزمة " إسرائيل " وأمنها ووجودها وحضورها وقوتها . وهي رسالة أراد منها ترامب أن يُطمئن " الإسرائيليين " في قوله لهم : " أنا أحب وأحترم إسرائيل ومواطنيها . وإسرائيل والولايات المتحدة تتقاسمان الكثير جداً من القيم المشتركة ، مثل حرية التعبير ، حرية العبادة والأهمية المنسوبة لخلق الفرص لمصلحة كل المواطنين لتجسيد أحلامهم . وأنا أنتظر تعزيز العلاقة غير القابلة للقطع بين أمتينا الكبيرتين . أنا أعرف جيداً أن إسرائيل هي الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط والمدافع الوحيد عن حقوق الإنسان ، وأنها تخدم كشعاع نور من الأمل الكثير من الناس ، وأنا أؤمن أن إدارتي يمكنها أن تلعب دوراً مهما في مساعدة الطرفين على تحقيق سلام عادل ودائم ، ينبغي أن يتحقق عبر مفاوضات بين الطرفين نفسيهما وأن لا تفرض عليهما من جانب الآخرين ، فإسرائيل والشعب اليهودي يستحقان ذلك " . وكلام ترامب الذي جاء في مقابلة صحيفة " إسرائيل اليوم " العبرية ، تعبير عن علاقته باليهودية وهو الذي سمح لابنته إيفانكا أن تتزوج من اليهودي غارد كوشنر ، لتعتنق اليهودية بعد ذلك .
وما يزيد من جرعة السعادة التي تغمر قادة الكيان " الإسرائيلي " وصول عدد من الأصدقاء المقربين والداعمين للكيان على حساب الفلسطينيين ، لتبوأ مناصب هامة وحساسة ومؤثرة ، من أمثال " نيوت غينغريتش " لمنصب وزير الخارجية ، وهو الذي قال : " لا وجود للشعب الفلسطيني " . وكذلك " جون بولتون " وهو المرشح أيضاً لترؤوس الخارجية الأمريكية ، والذي عارض الاتفاق النووي مع إيران وأيد هجوماً عسكرياً ضدها . ورودي جولياني والمرشح إما لقيادة البنتاغون أو وزيراً للدفاع ، وهو يقف في مقدمة أصدقاء " إسرائيل " ، التي يُبدي ساستها من اليمين المتطرف اهتماماً في مسألتين حيويتين هما أولاً الاتفاق النووي مع إيران ، حيث يأملون من ترامب التراجع عنه . وثانياً ، التزام ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ، والاعتراف بها عاصمة لدولة الكيان ، وتأييده لاستمرار الاستيطان في الضفة ، على اعتبار أنها جزء من دولة كيانهم الغاصب . والنقطة الثانية هي التي دفعت "عميرة هاس " المتخصصة بالشأن الفلسطيني في صحيفة " هآرتس " العبرية ، وفي معرض تعليقها على فوز دونالد ترامب ، إلى طرح جملة من التساؤلات المتعلقة بالموضوع الفلسطيني : " هل أصبح الفلسطينيون أيتاماً ؟ ، وهل سيقرر ترامب والكونغرس تقليص المساعدات للسلطة أو وقفها ؟ ، هل سيتعاطى ترامب ، في ظل جهله مع القيادة الفلسطينية كمنظمة إرهابية معادية ؟ ، أم أن هناك من سيقول له إن السلطة الفلسطينية تعمل في صالح إسرائيل وفي صالح سياسة حزبه " . وأكملت تساؤلاتها بالقول : " كيف أن عدم الوضوح في سياسة ترامب الخارجية سيؤثر على الدبلوماسية الفلسطينية ، وعلى العلاقة داخل فتح ؟ ، وهل يمكن توقع تغيير ما طالما أن عباس يقف على رأس الهرم ؟ " . وختمت " عميرة هاس " تساؤلاتها بالقول : " انتصار ترامب ، لاسيما على المدى القريب والمتوسط، يفسر على أنه تشجيع لسياسة إسرائيل في المناطق . فهو يزيد الشعور باليُتم الفلسطيني ، لكن ليس بصورة دراماتيكية . إنه لن يغير ولن يوقف الاتجاهين المتعاكسين اللذين يميزان سلوك المجتمع الفلسطيني اليوم " .
وإلى حين اتضاح المزيد من حقيقة المواقف التي طرحها ترامب خلال حملته الانتخابية ، بعد أن أصبح رئيساً للولايات المتحدة ، يبقى السؤال هل ستبقى القيادة الفلسطينية ، وتحديداً السلطة الفلسطينية في حالة ترقب ؟ ، إزاء السياسات التي ستنتهجها الإدارة الأمريكية في ظل رئاسة دونالد ترامب ، خصوصاً إذا ما تبين أن مواقف سيد البيت الأبيض الجديد لا تغيير على المواقف التي أطقلها خلال حملاته الانتخابية ، وأغلب اليقين أن مواقفه لا تغيير فيها .
رامز مصطفى