الإهتمام العالمي بقضية التغير المناخي

بقلم: حنا عيسى

يشهد العالم العديد من التغييرات الدائمة والمستمرة، سواء في الانظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية مروراً بالتغيرات المناخية، حيث برزت العديد من الدراسات والتقارير التي تشير الى تدهور في المنظومة البيئية محذرةً من مخاطر ومشاكل جمة، وفي دراسة المانية بعنوان: "التغيرات المناخية كمهدد خطير للأمن والاستقرار العالمي" والتي صدرت عن المجلس العلمي لمواجهة المتغيرات البيئية العالمية، اشارت الى أن 1.1 مليار إنسان يعانون في العالم الآن من ندرة مياه الشرب الصحية سيصبحون مستقبلاً في أوضاع بالغة الصعوبة، لأن استمرار التغيرات المناخية سيسهم في تزايد اضطراب دورات ومعدلات سقوط الأمطار وشح الموارد المائية بشكل خطير.

وأوضحت الدراسة أن النقص الكبير في مياه الري والشرب سيؤدي بدوره إلى خسائر فادحة في المحاصيل الزراعية خاصة في الدول النامية، وإلى انتشار المجاعات على نطاق واسع وارتفاع أعداد المصابين بالأعراض القاسية لسوء التغذية من 850 مليون إنسان حالياً إلى الضعف خلال سنوات قليلة. ونبهت الدراسة إلى أن زيادة معدلات سقوط الأمطار الغزيرة وارتفاع منسوب البحار بتأثير التغيرات المناخية سيجعل المدن الكبرى في المناطق الصناعية أو قرب السواحل في بعض أجزاء الكرة الأرضية مهددة بكوارث مدمرة.

واللافت أن الاهتمام العالمي بقضية التغير المناخي قد بلغ درجة عظيمة لم تبلغها سابقا أي قضية علمية مماثلة، ومن معالم ذلك، حمل مجلس الأمن الدولي على مناقشتها وبحث تداعياتها، وهو أمر جديد تماما على مجلس أممي معني أساسا ببحث النزاعات والصراعات الدولية، وهذا وحده يوضح مدى خطورة الأمر ومدى الاهتمام والاستنفار العالمي به.

ومن اجل السيطرة على التغييرات المناخية وما ينتج عنها من سلبيات، ومن أجل ضمان مستقبل افضل للاجيال القادمة، لا بد من وجود قيادة تحولية.. وهي ما تعرف على انها مفهوم حول القيادة تشرح الأليات المتبعة لتحقيق تغييرات مخططة مرغوبة من خلال مشاركة القادة والمرؤوسين في تحقيق أهداف عالية المستوى وإيجاد الطرق للنجاح.. وذلك من خلال عوامل عدة:

1.   النظرة الفردية: مدى ومستوى اعتباره للفرد. قائد التحول يعتبر كل فرد شخص بحد ذاته وله خصوصيته بدلا من اعتباره كجزء من المجموعة. وبالتالي، يعمل كمرشد للفرد ويستمع لهمومه واحتياجاته ويقدم العطف والدعم ويبقي خطوط الإتصال مفتوحة كما يعرض المشاكل عليه بشكل انفتاحي.

2.   التنشيط الفكري: مدى ومستوى تحفيزه للتفكير الخلاق عند أتباعه. يقوم قائد التحول بتحفييز الفكر الخلاق عند الاتباع بتحدي الأمر الواقع الافتراضات وأخذ المخاطر وتلمس أفكارهم. كما يشجع وينمي الأشخاص الذين يفكرون باستقلالية. فهذا النوع من القادة يعتبرون أن التعلم قيمة أساسية وأن الحالات غير المتوقعة فرصة للتعلم.

3.   التحفيز الملهم: مدى ومستوى تحفيزه لأتباعه بإلهام وإيجابية. فالقادة الملهمين يقدمون رؤية واضحة تلهم أتباعه لتحصيل الأهداف بنجاح .

4.   مثالية مؤثرة: مدى تأثير القائد بإعطاء نمذج مثالي. فقائد التحول يوفر نموذجا يحتذى به في السلوكيات الأخلاقية العالية ويكسب الإحترام والثقة.

ولا بد من حشد جهود رجال الدين من مختلف الديانات في أنحاء العالم إلى توظيف سلطتهم الدينية في رفع الوعي بمشاكل البيئة والأخطر المترتبة عنها، بالإضافة إلى تشجيع أتباعهم على التخلي عن الأنشطة الضارة بالبيئة والمناخ.

ويملك رجال الدين في مناطق كثيرة من العالم سلطة كبيرة، وهم يقومون بدور كبير في تحديد وجهة المجتمعات. فهم يحددون على سبيل المثال طريقة تنظيم الطقوس الاجتماعية كما هو الحال في الوفاة أو الزواج أو في حل الخلافات، كما أنهم يفسرون الأمور التي تستعصي على التفسير ويتولون شرح الجوانب الروحية. وهكذا فإن القيادات الدينية تساهم إلى حد ما في تحديد تصرفات المؤمنين، لذا يسعى الزعماء الدينيون إلى توظيف تلك السلطة لرفع الوعي لدى أتباعهم بمشاكل البيئة وتشجيعهم على التخلي عن الأنشطة الضارة بها، والتمسك بدلا عن ذلك بالسلوك الصديق للبيئة والمناخ.

لذا ينبغي على الجميع القيام بالمسؤولية الواجبة عليه تجاه درء هذا الخطر الداهم. والواقع أنه بإمكان كل واحد منا المساهمة في إنقاذ مستقبل الأرض، وفي إنقاذ أولاده وأحفاده من براثن الطوفان القادم، وذلك بأن يزيد من اخضرار تصرفاته وأعماله اليومية، وبأن يعود إلى فطرته الأولي المحبة والمراعية لقدرات النظم البيئية المحيطة.

بقلم/ د.حنا عيسى