مؤتمر أم مذبحة لحركة فتح؟

بقلم: محمد أبو مهادي

قبل أشهر قليلة، حاول محمود عباس أن يجرّ الفلسطينيين إلى إنتخابات بلدية، تشبه في تفاصيلها تجربة الإنتخابات التشريعية التي نظمت في العام 2006، نفس المناخ السياسي وأزمة النظام السياسي الذي تأسس بناءاً على إتفاق اوسلو، وأزمة مجتمع سقط رهانة على فرص تحقيق فرصة سلام عادل وشامل مستند إلى الحقوق الوطنية، طبعاً بفعل ما قام به الإحتلال على مدار عقدي أوسلو.

قبل مغامرة الإنتخابات البلدية التي فشلت أخيراً، حاول عباس أن يعقد إجتماع إنتخابي للمجلس الوطني، ولم يتمكن من ذلك نتيجة عدة عوامل كتب عنها وفيها الكثير.

الإجتماعات والإنتخابات وكل الحراك الداخلي الفلسطيني الذي يجري، يخفي خلفه حقيقة واحدة ثابتة يتم القفز عنها ببعض التفاصيل، فالحقيقة الكبرى أن إتفاق أوسلو قد فشل، سقط أمام التوسع الإستيطاني، وتهويد القدس، واعتقال المناضلين، وإعدام الفلسطينيين يومياً على الحواجز العسكرية الإسرائيلية، سقط أوسلو وفشلت معه السلطة التي جاء بها، مما يستوجب البحث عن خيارات فلسطينية أخرى، ومسارات إنقاذ جديدة، بعيداً عن هذا الوهم الذي أغرق الفلسطينيين جميعاً في صراع متعدد وحافظ على الإحتلال بكل ما أنتجه من وقائع مادّية على الأرض، إستيطان وهدم بيوت وأحياء سكنية كاملة كما جرى في غزة عدة مرات، إضافة إلى مجازر جماعية بحق الشعب الفلسطيني إستوجبت منذ زمن طويل تقديم قادة الإحتلال إلى محاكم جرائم الحرب دون تردد فلسطيني رسمي، ودون تواطؤ دولي فتح المجال لإسرائيل أن تواصل جرائمها.

محمود عباس لا يريد الإعتراف بهذه الحقيقة، مأزق السياسة والنظام والإدارة، ومأزق نخبة "كمبرادورية" حاكمة وجدت في أوسلو وسيلة للثراء، وفي تضحيات الشعب ومعاناة أبناءه تجارة رابحة تطيل فترة بقائهم في مواقع النهب والقرار، تحت عين الإحتلال الذي يقوم بتسهيل مهامهم وحمايتها، طالما أنهم يوفرون الحماية للمستوطنين وجيش الإحتلال.

إشغالات كثيرة مارسها عباس، ليحرف الأنظار عن فشل المشروع السياسي، ويغطّي على فشله في إدارة السلطة وحزب السلطة واساءاته المتكررة للعلاقة مع أحزاب المعارضة وحتّى مع شراكائه في غنائم أوسلو، لاحظوا منذ أن جاء للحكم، كم مصيبة وكم قضية أثيرت وأشغلت الناس عن قضايا مهمة والأولويات الوطنية وأغرقتهم في التفاصيل، لدرجة الملل وعدم الإكتراث الشعبي بكل ما يجري، وهذا بالضبط ما يريده عباس وعصابات المال والأعمال التي يتزعمهم هو وأولاده.

المكان المتاح الذي يستطيع عباس اللعب فيه، هو حركة فتح، بإعتبارها الحزب الحاكم، أزمتها ستصبح أزمة للجميع، بما في هذا الجميع حركة حماس، الرابحون محمود عباس وعصابته، والإحتلال الإسرائيلي الذي يستثمر في كل ما يجري سياسياً وأمنياً واقتصادياً، يسرح ويمرح ويفرض شروطه على زمرة فلسطينية فاسدة، تقدم خدمات أمنية بثمنٍ بخس، مقابل الحماية وضمان الإستمرار في الحكم.

المصالحة الشاملة، والمصالحة الفتحاوية، والإنتخابات التشريعية والرئاسية، ليست ورادة في عقل الديكتاتور عباس، منذ عشر سنوات يناور، وساعده في ذلك غباء بعض القيادات الحزبية، من حماس وغيرها، كما ساعده بشكل كبير خالد مشعل المقيم في قطر وكلاهما، أي عباس ومشعل رهن إشارة قطر لجملة من الأسباب بعضها شخصي وبعضها الآخر سياسي نتج بعد مرحلة ما يسمى بالربيع العربي.

جانب كبير من الأزمات الداخلية مفتعل ومنظم، ويمكن إنهاؤه ببساطة لو لم تكن الحسابات إستثمارية بشعة، من النافذين في حركتي فتح وحماس وانضم إليهما بعض قيادات الأحزاب، إستثمارية من جهة بعض النخب الحاكمة، وسياسية ذات بعد أوسع عندما نأتي على ذكر محاور ما بعد الربيع العربي وسقوط الاخوان ومشروع الشرق الأوسط الكبير.

لماذا تستهدف فتح؟
الجواب سهل ويعرفه الجميع، ذو الرأس الماركسي الذي يغمض عينيه خوفاً من عباس، وحامل ال V.I.P. الذي يخشى على ميزة التنقل والسياحة السياسية في كل دول العالم، كما تدركها حماس وغيرها من فصائل سيقت كالقطيع لمذبحة لن تنجو منها إذا ما صمتها وإستحكم الديكتاتور في السلطة، وهو ماضٍ إلى فعل ذلك.

حركة فتح وتاريخها ومستقبلها ومناضليها جميعهم مطلوبين، عراة الرأس حفاة القدم، خاضعون يقدمون الولاء والبراء لديكتاتور عبث في كل شيء من أجل السلطة والثراء وينتقم لماضيه في فتح ومنظمة التحرير وشكوك المناضلين في سيرته وولائه للأهداف الوطنية، لهذا يعطّل كل فرص المصالحة الفتحاوية والشاملة، يرفض مبادرة الرباعية العربية ويفرّ إلى قطر وتركيا طلباً للمساعدة، وتقوم إسرائيل بتسهيل مهمة عقد مؤتمره التدميري كما سهّلت إجراءات إنتخابات المجلس التشريعي عام 2006، في حين تقوم بمنع التجار والمرضى من مغادرة قطاع غزة للعمل أو العلاج أو التعليم.

في زحمة ردود الأفعال على قرار المحكمة الدستورية، بحثت عن موقف لبعض الديمقراطيين جداً نواب وأحزاب، وجدت بعضهم صامت صمت القبور، فسألت وعرفت، بأنّ خلف هذا الصمت ملف فساد كبير أخرسهم، أيقنت فوق يقيني، أن عباس ذكي جداً، غير إنفعالي، والمعركة على الحكم والسلطة منظمة، ورائها قوى تساعد وتمكن عباس، غير قطر، قوى معنية بالحفاظ على إسرائيل قوية مهيمنة في بيئة آمنة يقتل فيها من يهددها، وتقتل الحركة التي تحميه، أو يتم إخصاؤها وجلبها طيّعة خاضعة ترتدي حلّة الوطنية الفلسطينية وتمارس دور روابط القرى التي أنشأتها إسرائيل في سبعينيات القرن المنصرم، وتعيد إنتاجها من جديد بإسم "حركة فتح".

كل ما قام به عباس منظم بعناية فائقة، هو الوحيد الذي يعرف ماذا يريد، يخضع الجميع لمناوراته، ومعه فريق مطيع يتابع وينفذ، يعدّ أنفاس الفلسطينيين أكثر مما يرصد جرائم الإحتلال وحواجزه العسكرية ومداهماته اليومية، فريق ينشر آلاف العسكر ليداهم مخيمات اللجوء الفلسطينية ذات الرمزية وحاضنة الثورة، يعتقل المناضلين ويعجز عن حماية جريح خطفته وحدات المستعربين التابعة للإحتلال في مستشفى بالخليل أو نابلس،
فريق خطير يشاهد عشرات الإعدامات اليومية على حواجز الإحتلال، يخفض له جناح الذل ويشهر سيفه في وجه ضابط فلسطيني قرر أن يسأل عباس لماذا يشارك في جنازة مجرم الحرب شيمعون بيرز؟

فتح تقاد إلى المذبح بعد أن أثخنها عباس وفريقه بالجراح، إن شئتم فالشعب الذي يقاد لهذا المذبح منذ موقعة إنتخابات 2006 حتّى الآن، ديكتاتور لا يخوض معركة مع النائب محمد دحلان وحسب، بل مع ظلّه إذا شعر أن الظلّ لا يسير على وقع خطواته، معركته مع طفلة تموت بصمت في مشافي قطاع غزة، مع عائلة شردتها الحرب وتخلى عنها، مع اسرة شهيد وعائلة مناضل لم يصرف مخصصاتهم المالية، مع المعلمين الذي يشكون الفقر في وقت تزداد عائلته ثراء، مع إتحاد النقابات العمالية التي قرر تجميد أمواله وحرمان عشرات الموظفين فيه من رواتبهم، مع آلاف المتعطلين عن العمل بل عن الحياة، مع الفقراء الذين أصبحوا أغلبية الشعب، مع الشباب الذين حوصرت طموحاتهم وقتلت أحلامهم، معركته مع كل الشعب وكل صوت يصدح ضد الظلم، مع مخيمات اللاجئين في غزة والضفة والأردن وسوريا ولبنان الذين يواجهون مصيرهم وبؤسهم بأنفسهم بعد أن تخلّت عنهم السلطة وانشغلت في خدمة الرئيس.

ليس مؤتمراً لحركة فتح، بل تحضير لوليمة كبرى سيلتهما الديكتاتور وعصابة البزنس السياسي والأمني، معتقداً بإنعدام خيارات الشعب، وسطوة أجهزة الأمن، وبقدرة ماكنة التضليل الإعلامي في التستر على جريمة ترتكب بحق شعب وحركة تحرر وطني كانت تقوده، وتعيش في تفاصيله.


الديكتاتور محمود عباس وعصابته يجب أن يحاكموا على مسيرة فشل طويلة أساءوا فيها للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، وتخلوا فيها عن مسؤولياتهم الوطنية، مسؤولية إنقاذ الشعب الغارق في مآسي لا حصر لها، ومسؤولية وعد التحرير والسلام والإنحراف الخطير عن هذا الدرب، يحاكم على كل الأكاذيب والأوهام التي ساقها على الناس، عن كل قطرة دم فلسطينية نزفت دون أن يكون لها ثمن سياسي، عن كل لحظة حرية يتعطش لها الأسرى في سجون الإحتلال، عن كل شبر أرض صودر أمام نظر عباس وعصابته، كل بيت فلسطيني هدم في وقت كان الديكتاتور فيه يشيّد القصور ويراكم الثروات.

من باب النصيحة والتذكير، للقارئ العزيز، وللمشاركين في مؤتمر المقاطعة، وللفصائل المترددة، الشرعية غير المستندة لإرادة ورغبة الشعب ليست شرعية، نتائجها كارثية على الجميع، قد يكون موقف لبعض الفصائل والنخب السياسية، ولكن الموقف الفصل دائماً للناس، فالمعزول مرسي أكثر رئيس خطب عن الشرعية، والرئيس بن علي آخر تونسي فهم الشعب، والرئيس الروماني نيكولاي تشاوتشيسكو لم يحظ بفرصة فهم الشعب، إحترموا الشعب سيحميكم ويحملكم على الأعناق.

 

بقلم: محمد أبو مهادي

[email protected]