علينا ان نستفيد من تجربتنا

بقلم: عباس الجمعة

العودة للماضي إن لم تكن للاستفادة والبناء فهي تضليل أو هراء، ما يجعلك تهدر وقتك للتطرق إلى أمور تناسيناها لضرورة الانطلاق الصحيح البنّاء، التاريخ لا يعرف الفراغ مهما تكن حقائقه مرة وقاسية، واي قطع مع التاريخ هو قطع مع الحاضر، بهذه اللغة الحاسمة نحدد فهمنا للتاريخ والحاضر معا، وما دام التاريخ هو حاضن الراهن، وخاصة امام الموضوع الوطني فلسطيني ، لهذا علينا ان نعطي رؤيتنا واهدافنا القومية باستمرار مضمونا تقدميا.
في ظل هذه الظروف نقف امام صورة نضال وصمود وتضحيات الشعب الفلسطيني، الذي رفض الغزوة الصهيونية منذ عام ١٨٨٢، ورفض وعد بلفور عن طريق الإضراب والمظاهرة والاحتجاج، وكان الانتفاضة الاولى عام ١٩٢١، وانتفاضة عان ١٩٢٩، وانتفاضة عام ١٩٣٣، وصورة البطل عز الدين القسام يمتشق السلاح ويوجه الرصاص إلى الاستعمار البريطاني المحتضن للمشروع الصهيوني، في عام ١٩٣٦، تلك الثورة التي أربكت الاستعمار البريطاني إرباكا حقيقيا وكادت تلك الثورة أن تصل إلى الانتصار لولا التآمر الإمبريالي الرجعي العربي الذي عانى منه الشعب الفلسطيني وما زال يعاني منه حتى هذه اللحظة.
تمر أمامنا صورة الآلاف من شهدائنا تعلقهم الإدارة البريطانية في ذلك الوقت على أعواد المشانق، نتذكر اليوم كل هذا الصمود، كل تلك الدماء، كل هذه التضحيات ويستمر الشريط ونقف أمام عام ١٩٤٨ وتحاول جماهير شعبنا الفلسطيني أن تصمد على ارضها وتحمل السلاح وتبدأ في عملية القتال وتقدم المئات والآلاف من الضحايا ثم تتدخل الأنظمة العربية من جديد في عام ١٩٤٨ لتطلب من الشعب العربي الفلسطيني أن يترك سلاحه لأنها هي التي تريد أن تتصدى للغزوة الصهيونية وتحبط مشروع إقامة الكيان الصهيوني. ويتشرد الشعب الفلسطيني في الوديان والجبال ويتوزع في الضفة الشرقية من الأردن، في لبنان، في سوريا ويعيش في المخيمات.
رغم ذلك تقف هذه الجماهير في عام ١٩٤٩ و١٩٥٠ وطيلة الخمسينات ترفض كافة مشاريع الاستيطان التي أرادت من خلالها هيئة الأمم المتحدة أن تجد حلا زائفاً للقضية الفلسطينية وتبدأ الثورة الفلسطينية المعاصرة في الستينيات وتمتد الثورة بعد هزيمة ١٩٦٧ وتتربص بها قوى الشر، ولكن جماهير الثورة تصمد في معركة الكرامة المجيدة، وتصمد في الأغوار، وتصمد في الوحدات، وتصمد في الأردن، ويكلفها هذا الصمود عشرات الآلاف من الضحايا والعذابات والآلام.
ويستمر هذا الشريط أمام أعيننا في مناسبات من هذا النوع، تبدأ المؤامرات تستهدف ضرب الثورة الفلسطينية على أرض لبنان وتشن الغارات الجوية والغارات البحرية والغارات البرية ثم يحدث اجتياح أيلول عام ١٩٧٢، و الحرب الأهلية التي فجرتها القوى المعادية في وجه الحركة الوطنية والثورة الفلسطينية منذ نيسان ١٩٧٥ واجتياح الجنوب في آذار ١٩٧٨، ورغم كل ذلك يبقى الشعب الفلسطيني مدافعاً عن قضيته العادلة وتبقى بندقيته مرفوعة رغم كل هذه المؤامرات، واتى اجتياح عام 1982 للبنان وبعد صمود اسطوري في عاصمة العرب بيروت كان خروج الثورة الفلسطينية من لبنان الى الدول العربية ، ارادت استعراض هذا الشريط لأسجل ان الثورة الفلسطينية بعد هذه المسيرة الطويلة من الآلام ومن التضحيات، من الدماء، ترفض الغزوة الصهيونية وهي سائرة في طريق النضال والتحرير مهما بلغت التضحيات، رغم توقيع اتفاق اوسلو ورغم الظروف المحيطة به من كافة الجوانب بهدف زرع اليأس في نفوس الشعب الفلسطيني.
ومن هنا نرى اليوم انتفاضة شابات وشباب فلسطين التي اتت بعد اثنان وعشرون عاما على مفاوضات لم تقدم شيئا للشعب الفلسطيني ، فهذه الانتفاضة ترسم اليوم بأحرف من نور خارطة فلسطين بماء شهدائها ، ورغم العدوان والاستيطان والاعتقالات والاعدامات الميدانية التي لم تتوقف ، ومن هنا نسجل تقدرينا للشعب الفلسطيني ومقاومته .
فلنتعلم من التجارب ولنطبقها على واقعنا ولنرفع شعار، الشعب الفلسطيني قادر على مواجهة المخططات المعادية ومن هنا، نحن نعرف، نحن نعلم ان هناك مؤامرة تستهدف الهوية الفلسطينية تستهدف المشروع الوطني الفلسطيني ، تستهدف منظمة التحرير الفلسطينية ، ولكن نقول ان الشعب الفلسطيني قادر على مجابهة هذه المخططات ، وهذا يتطلب ان نقدم هدية للشعب الفلسطيني وهي الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام الكارثي .
إن القوى الإمبريالية لم تتوقف، وستستمر في تنفيذ مخططاتها، وفي هذه الفترة بالذات تخطط الإمبريالية والأستعمارية تستمر بهجمتها من خلال القوى الارهابية ضد المنطقة، لهذا نرى ضرورة استنهاض الطاقات لمجابهة المخطط الإمبريالي التي يسعى لتقسيم المنطقة والسيطرة على مقدراتها ، لهذا نرى صمود المقاومة العربية ،ونرى الشعوب العربية التي تدافع عن دولها ، ستتمكن من دحر مخططات الإمبريالية.
على كال حال نحن نحدد عناوين المرحلة التي نتصدى لها ، بشكل جاد، بعيداً عن المزايدات، بعيداً عن المهاترات، من اجل انهاء الانقسام الكارثي وإنجاز أرقى مستوى ممكن من الوحدة الوطنية الفلسطينية ضمن اطار منظمة التحرير ، ونحن على ابواب انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، ممكن البعض لا يرى ان الوحدة الوطنية سلاحاً سحرياً ، لكنها الوسيلة الأساسية لتصليب أداة الانتفاضة والمقاومة، وضمانة تحقيق حد أعلى من الموقف الوطني الفلسطيني ، لأنه باختصار شديد، يجب أن نهيء انفسنا للتصدي للمشاريع التي تستهدف القضية الفلسطينية .
وهذا واجب على حركة فتح ان تقيم في مؤتمرها السابع مسيرة النضال الوطني ، وتقيم تجربة الثورة الفلسطينية، من خلال هذا المقياس ، لأن عملية الفرز، يجب أن تتخذ باستمرار مثل هذه المواقف بشكل علمي وبشكل مقبول،وواجب فصائل منظمة التحرير ان تحدد بوضوح كيف يكون موقف الاسناد، ومن خلال توضيحها لموقف الاسناد ، من حق الدول العربية ان تدعم صمود الشعب الفلسطيني ونضاله ، وتطالب بمقاطعة القوى المعادية والمتآمرة على القضية الفلسطينية.
ختاما : نضع هذه المقاييس ، ونحن على ابواب المؤتمر السابع لحركة فتح حيث نتطلع الى اعادة تقيم مسيرة النضال الوطني ، وتقيم تجربة الثورة الفلسطينية، من خلال هذا المقياس ، لأن عملية الفرز، يجب أن تتخذ باستمرار في مثل هذه الظروف بشكل علمي وبشكل مقبول،وواجب فصائل منظمة التحرير ان تحدد بوضوح كيف يكون موقف الاسناد، ومن خلال توضيحها لموقف الاسناد ، ومن حق الدول العربية ان تدعم صمود الشعب الفلسطيني ونضاله ، وكما نحن نتطلع الى كافة القوى التقدمية العربية والعالمية ان تستنهض طاقاتها الى جانب الشعب الفلسطيني .

بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي