رفح بحاجة إلى مستشفى !

بقلم: جبريل عودة

مدينة رفح قلعة الجنوب الفلسطيني, مدينة تاريخية عصية على العدوان والإحتلال على مدار العصور , لها حضورها الدائم في معركة شعبنا الفلسطيني ضد الإحتلال الغاشم , طالما كانت الكابوس المرعب للإحتلال الصهيوني ,تعمد الإحتلال إرتكاب المجازر ضد سكانها , حيث تعرضت مدينة رفح للعشرات من المجازر الدموية, إرتكبها جنود الصهاينة منذ الإحتلال الغاشم لقطاع غزة عام 1967 ميلادية ,وصولاً إلى مجازر الحرب البشعة صيف عام 2014 ميلادية, والتي راح ضحيتها مئات الشهداء والجرحى , وكان أكثرها بشاعة مجزرة الجمعة الأسود بتاريخ 1-8-2014 ميلادية , وهو يوم لا ينسى من ذاكرة أهالي مدينة رفح , الذين شاهدوا جثث عشرات الشهداء ملاقاة في شوارع المدينة, وعاينوا عجز المستوصفات الخاصة عن علاج مئات الإصابات الخطيرة , بعد أن إستكملت قوات الإحتلال جريمتها بقصفها مستشفى أبو يوسف النجار وبالتالي أخرجته عن الخدمة , - وهو مستشفى حكومي متواضع الإمكانيات والطواقم ويتواجد شرق مدينة رفح - , ولعل الجرح الغائر التي تعرضت له مدينة رفح الباسلة في معركة العصف المأكول , كشف العجز الفاضح الذي تعاني منه مدينة بحجم رفح , وهي ذات أهمية إستراتيجية في المعارك الوطنية , فلا نخجل بالإعتراف بأن مدينة رفح قد سقطت طبياً خلال حرب 2014 - إذا جاز لنا إستخدام هذا المصطلح – فلم تكن هناك أي خطط طوارئ في المجال الطبي , وأصبحت الطواقم الطبية عاجزة عن القيام بدورها الطبيعي , بل وقف بعض الأطباء وهم في حالة بكاء هستيري في ساحة المستوصف الكويتي وسط المدينة , أمام حجم الإصابات وخطورتها وقلة الإمكانيات وتواضعها ,وعندما إضطرت الطواقم الطبية نقل الإصابات الخطيرة إلى المستشفى الأوربي في خان يونس , تعرضت بعض سيارات الإسعاف للقصف من طائرات الإحتلال , بالإضافة إلى منع الخروج من رفح وإحكام الحصار عبر قطع الطرق وتجريفها وقصف كل من يحاول الخروج من المدينة .

وما أحوجنا في قطاع غزة , على صعيد الحكومة والفصائل الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني , إلى إستخلاص العبر من الحوادث والنوازل الواقعة على شعبنا الصابر , فلا يمكن أن تمر الحروب البشعة وواقع الحصار المرير, دون أن نتدارسها ونستخلص العبر منها , لعلنا بذلك نتفادى وقوع الأخطاء ونعالج جوانب التقصير , بما يخدم صمود الإنسان الفلسطيني ويجنبه الخسائر أو على الأقل التقليل من أثرها المباشر .

ولعل صرخة أهالي رفح المدوية , تدلل لنا على الحاجة الملحة لإقامة مستشفى متكامل يضم في جنباته كافة التخصصات , ويستوعب مختلف الحالات المرضية , ويتم تأهيله للتعامل مع الطوارئ والحروب دونما أي إرباك أو فوضى أو إنهيار , فالقطاع الطبي يعتبر من أبرز عوامل الصمود والبقاء في وجه آلة القتل والموت الإحتلالية .

رفح بحاجة إلى مستشفى , ليس مجرد وسم تفاعلي على المساحات الإفتراضية في عالم الإنترنت ,بقدر ما هو حاجة إنسانية , تؤرق الإنسان الفلسطيني في رفح , وهو يكابد المعاناة في توجه إلى المستشفى المتواضع , فلا يجد الحد الأدنى من الرعاية الصحية , حتى أطلق الناس مصطلح " مستشفى التحويلات " على مستشفى أبو يوسف النجار , حيث يقوم الأطباء بتحويل المرضى في أغلب الحالات إلى المستشفى الأوربي في مدينة خان يونس.

رفح بحاجة إلى مستشفى , وهي حاجة وطنية ومتطلب صمود , فمن يعمل على توفير مقومات المواجهة مع الإحتلال , عليه ألا يغفل أي من المقومات الضرورية , فكما يتم توفير الصاروخ ووضع الخطط العسكرية , يجب ألا تترك الجبهة الداخلية وعوامل صمودها دون رعاية وتبني , وفي مقدمة ذلك إقامة المرافق الصحية, لتكون بمثابة الملاذ لجراحات الناس وأوجاعهم, يتم فيها توفير العلاج اللازم , وإلا فإن الجبهة الداخلية تكون قد فقدت ركيزة ضرورية من ركائز المواجهة , وقد يكون فقدانها سبباً للخسارة والفشل لا قدر الله.

رفح بحاجة إلى مستشفى , ليس موجهاً لأحد سواء كان حكومة أو وزارة أو حزب سياسي , فالحاجة الملحة للمستشفى مطروحة أمام الجميع , وكل التقدير لمن يلبي نداء الموجوعين والمرضى في مدينة رفح , والمأمول حشد كل الطاقات من أجل تحقيق هذا الضرورة , ولعلنا نطالب رئيس حكومة التوافق الدكتور رامي الحمد الله , بتنفيذ القرار الحكومي الرسمي ببناء مستشفى برفح و الذي أعلن عنه بتاريخ 26-3-2015 ميلادية خلال مؤتمر الجراحة الفلسطيني التركي الأول المنعقد في مدينة غزة , كما نطالب وزارة الصحة في قطاع غزة ممثلة بوكيلها الدكتور يوسف أبو الريش , بضرورة بذل الجهود اللازمة للتأكيد على أحقية مدينة رفح بمستشفى يليق بحجم التضحيات وعظيم التحديات, وكذلك كافة الفصائل الفلسطينية ليست معفاة من مهمة إنشاء مستشفى رفح , من خلال علاقاتها الواسعة التي تنسجها عبر مؤسساتها المختلفة عربياً وإسلامياً وعالمياً .

رفح بحاجة إلى مستشفى , ستكتب رفح بحروف الوفاء وعناوين الشرف ومعاني البطولة لمن لبى النداء وساهم في البناء , وسيخسر من وقف بلا حراك أو كان سبباً في التأخير أو عاند لأي سبب أو تحت أي مبرر , وستفوز رفح وأهلها ومن دعمها وساندها بالمستشفى عاجلا أم آجلاً , فلا يضيع حق ورائه مطالب .

بقلم/ جبريل عوده