قرأت، حتى اللحظة، مقالات ثلاثة اتحد كاتبوها - دون أن يتحدوا أو يتفقوا – في اختيار عناوينها فكان العنوان "ذاهبون إلى المؤتمر" عنواناً لكل واحد من المقالات الثلاثة، الأمر الذي حفزني على أن أضع لمقالي عنواناً مشتقاً من عنوان المقالات الثلاثة، موظفاً تحويل عنوان المقالات الثلاثة "ذاهبون إلى المؤتمر" من مجرد العزم على الذهاب إلى المؤتمر إلى مناشدة الأمل والرجاء في أن يحقق هذا المؤتمر خيراً لشعبنا ولقضيته الوطنية.
ولأنني أفهم أن كتاب المقالات الثلاثة ينظرون – بما فيهم من حس وطني وغيرة فتحاوية – إلى مؤتمر فتح السابع نظرة وطنية جادة تفتح للشعب الفلسطيني أفقاً وطنيا جديداً وجاداً،
ولأنني رأيت وحاورت – في شأن هذا المؤتمر – عشرات من المتحمسين له والغيارى عليه والمنتظرين للكثير والكثير من نتائجه،
فإنني أستأذن كل المشاركين في هذا المؤتمر لأطرح الآتي بين وجهة نظر وسؤال أوتذكير أو فكرة أو تساؤل:
1. هل عقدتم النية الوطنية المخلصة على إرساء وترسيخ مبدأ وطني تجري بموجبه مراجعة وطنية حقيقية – بعيداً عن الغوغائية والتصفيق والمجاملة الطبطبائية – لكل ما مررنا فيه من تخبط وتراجع وإخفاق وشطط، كما تتم بموجبه أيضاً مساءلة تنظيمية للقيادة السياسية عن تخبطها وتراجعها وفشلها؟!
2. إن ما يعانيه شعبنا اليوم من انقسام إنما هو أحد أشكال انقسام أكبر وأخطر كانت القيادة السياسية هي أول من أحدثه وهي أول من يجب أن يُساءل عنه ويُحمل مسؤوليته، فاتفاق أوسلو فرضه فصيل واحد على شعب لم يُستفتَ فيه، ولم يسأل عنه، ولم يستشر في شأنه، فكان ذلك انقساماً ليس ما رأيناه بالأمس وما نراه اليوم وما قد نراه غداً إلا شكلاً من أشكاله ونتاجاً من نتائجه وواحداً من تجلياته.
3. هل للمؤتمر السابع - أن يناقش بحيدة وموضوعية ووطنية حقيقية حال الانقسام الذي نعيشه ونعانيه عسى أن يتحقق استدراك وطني مفاده أن الانقسام الحالي ليس انقساما فصائليا ثنائياً بين حركتي فتح وحماس، وإنما هو انقسام في حالتنا الوطنية بين برنامج يتبنى المقاومة سبيلاً لتحرير الأرض واسترداد الحقوق وبرنامج يتبنى المفاوضة إلى ما لا نهاية سبيلاً واحداً لا غيره ولا سواه لإنهاء احتلال تؤكد المقاومة أنه لن ينتهي أبدا بمفاوضته والتفاهم معه، لا سيما بعد انقضاء ثلاثة وعشرين عاماً في مفاوضته استجداءً للتفاهم معه
4. ليس من الصواب – وطنياً - أن ينسى الفتحاويون الذين يعقدون مؤتمرهم السابع في التاسع والعشرين من الشهر الجاري، ما كان في تاريخنا من انقسامات وانشقاقات لا جدوى الآن من ذكرها والخوض في تفاصيلها.
5. لو افترضنا – جدلاً – أن الرئيس عباس قد بات بموجب قانون الفساد محصناً ضد المساءلة، فلا يُساءل – البتة - من حكومة أو سلطة أو منظمة، فهل يتصرف الذاهبون إلى المؤتمر والمشاركون فيه بموجب حقيقة سياسية/ قانونية تقضي بأن الأصل ألا يكون الرئيس محصنا ضد المساءلة التنظيمية في حركة هو رئيسها. وعليه، فهل يسأل المشاركون في المؤتمر سيادة الرئيس ويسائلوه لترى فتح ومؤتمرها والشعب كيف يجيب؟!
6. لماذا لم يستجب الرئيس عباس لفصائل منظمة التحرير التي أجمعت على ضرورة وقف المفاوضات ورفض التنسيق الأمني وإلغاء المحكمة الدستورية والتراجع عن رفع الحصانة عن المجلس التشريعي ونوابه؟!
7. لماذا لم يلتزم عباس بقرار المجلس المركزي القاضي بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال في إطار قرارتحديد العلاقة معه، لا سيما وإنه قرار أيدته وأجمعت عليه جميع الفصائل والقوى الفلسطينية؟!
8. ماذا كان دور حركة فتح التي ترأس منظمة التحرير تجاه الاستيطان الذي ما يزال يتنامى ويتصاعد في سعار وجنون؟!
9. هل كان لحركة فتح التي تقود منظمة التحرير دور حيال وصف الرئيس عباس - بصفته رئيساً للحركة وللمنظمة معاً – التنسيق الأمني مع الاحتلال بأنه "مقدس" وحيال وصفه المقاومة بأنها "عبثية"؟!
10. إذا كانت حركة فتح "تؤمن" حقاً بأن " المقاومة بكل أشكالها حق مشروع للشعوب المحتلة في مواجهة محتليها، كما جاء في أول بنود بيانها السياسي في مؤتمرها السادس الذي انعقد في بيت لحم، قبل سبع سنوات، وتحديداً في 4/8/2009، فهل يعلم الذاهبون إلى المؤتمر حقاً أننا شعب ما يزال تحت الاحتلال؟! وهل يعلمون أننا مازلنا في مواجهة ضد محتلنا؟! وهل ما يزالون يؤمنون " أن المقاومة بكل أشكالها حق مشروع لنا بصفتنا شعباً يقع تحت أبشع احتلال في التاريخ؟! فإن صح كل ما أوردناه في هذا السياق من تساؤلات، فما الذي أنجزته فتح على صعيد المقاومة طيلة السنوات السبع الماضية والواقعة بين مؤتمر فتح السادس (السابق) ومؤتمرها السابع (الحالي)؟! وما الذي فعلته مع رئيسها الذي ما انفك يصف المقاومة بأنها "عبثية"، فيما يواصل وصف التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني بأنه "مقدس"؟!
11. إذا كانت حركة فتح ما تزال تتمسك – كما جاء في البيان السياسي لمؤتمرها السادس بكونها حركة تحرر وطني تهدف إلى إزالة الاحتلال ودحره وتحقيق الاستقلال للشعب الفلسطيني، فكيف يدلل الذاهبون إلى المؤتمر على استمرار تمسك حركتهم بكونها حركة تحرر وطني لا يؤمن رئيسها بالمقاومة، بل يصف المقاومة بأنها "عبثية"، فيما يصف التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال بأنه "مقدس"، ولا يؤمن بغير المفاوضات الموصولة بمفاوضات سابقة وأخرى لاحقة سبيلاً واحداً لإنهاء الاحتلال؟!
12. واستناداً إلى ما أكدته حركة فتح في البيان السياسي لمؤتمرها السادس من أن تناقضها الأساسي هو مع الاحتلال الإسرائيلي، فإنها تؤكد تماسكها بثوابت الشعب الفسطيني المتعلقة بالأرض والقدس وتحريرهما والاستيطان وإزالته واللاجئين وعودتهم، فهل يؤكد الذاهبون إلى المؤتمر السابع ما صدر عن سابقه (السادس) بالفعل قبل القول ومعه وبعده، الأمر الذي يحتم عليهم وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الصهيوني ومساءلة الرئيس عباس عن وصفه له بالمقدس، وعما تم إنجازه، لا سيما في شأن الاستيطان والمفاوضات والأسرى وعودة اللاجئين؟!
13. أيملك الذاهبون إلى المؤتمر ولو قليلاً من جرأة وطنية تدفعهم إلى أن يوجهوا إلى الرئيس - بصفته رئيسا لحركتهم - سؤالاً يقول:"أما وقد اتهمت دحلان، يا سيادة الرئيس، بأن له ضلعاً في قتل صلاح شحادة، فما الذي أسكتك - وأنت الذي تملك في قبضة يدك رئاسة ثلاثية البعد والمسؤولية والصفة - عن اعتقاله والتحقيق معه طيلة السنوات الماضية؟!"
14. ألا يرى الذاهبون إلى المؤتمر والمشاركون فيه أن ما فيهم من وطنية – ولو تدنى دفئها - ينبغي لها أن تحرضهم على مساءلة الرئيس عباس ومحاسبته – بصفته رئيساً للحركة والسلطة والمنظمة – مساءلة ومحاسبة تنظيمية على تقاعسه طيلة ما مضى من سنوات عديدة في إطلاق يد العدالة نحو قاتل عرفات، لا سيما وإنه قد أقر هو بلسانه - في خطابه بمناسبة الذكرى الثانية عشرة لرحيل عرفات- بأنه يعرفه؟!
15. هل فكر الذاهبون إلى المؤتمر السابع عما إذا كان من حقهم أن يقرروا - وهم ألف شخص وبضع عشرات – مصير شعب جاوز تعداده اثني عشر مليوناً؟!
وبعد، أفلا يفكر هؤلاء الذاهبون إلى المؤتمر أنهم ربما يكررون خطيئة وكارثة ونقمة أوسلو التي كانت نتاجاً لفرض فصيل واحد فكره ورأيه ورؤيته على الشعب كله، دون استشارته، ودون استفتائه؟! وعليه، فإن ساير الذاهبون إلى المؤتمر ما خطط له عباس وجوقته دون الرجوع إلى الشعب، فإن هذا ليس إلا انقساماً جديداً تفرضه أقلية على الأغلبية مرة أخرى.
أما آخر الكلام، فهل يثبت الذاهبون إلى المؤتمر أن صراع فتح ليس صراعاً فيها، وإنما هو صراع على تحريرها، بغية استعادتها إلى سابق تاريخها النضالي ومجدها وعزها وهيبتها وألقها، بصفتها "أم الجماهير" ، كما كان على الدوام اسمها ووصفها؟! وهل يثبت الذاهبون إلى المؤتمر أنهم ما ذهبوا ليحققوا مغانم لهم وإنما ذهبوا لأنهم الأوفياء لأم الجماهير والغيارى على فلسطين الماضي والحاضر والمستقبل.
بقلم الدكتور/ أيوب عثمان
كاتب وأكاديمي فلسطيني
جامعة الأزهر بغزة