مؤتمر فتح .. كيف نتمناه ويتمناه الآخرون

بقلم: رامز مصطفى

حظي المؤتمر العام السابع لحركة فتح على اهتمام ومتابعة واسعة من قبل الكثير من الأطراف الدولية والإقليمية ، بما فيها الفصائل والنخب والمهتمين والمراقبين ، وقطاع واسع من أبناء شعبنا في الوطن والشتات . هذا الاهتمام في هذه الظروف يكتسب أهمية بالغة ، ليس لأن فتح تنظيم فلسطيني وحسب ، بل لأنه الأكبر في الساحة الفلسطينية ، هذا من جهة ، ومن ثانية هو حزب السلطة التي يتمحور ويحتدم الصراع حولها ، لأن من يضع يده على فتح يقبض على السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية ، التي لا زالت مُستأثرٌ بها ، على أنها قد فقدت بشكل أو أخر الكثير من حضورها وتمثيلها لقطاعات الشعب الفلسطيني ، وتحديداً منذ التوقيع على اتفاق " أوسلو " وشطب ميثاقها الوطني في احتفال كرنفالي برعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون .
وهذا الاهتمام له دوافعه عند جميع المتابعين والمهتمين كل من خلفية رؤيته وحساباته ، وهي بالتأكيد متناقضة ومتباعدة بل ومتصادمة ومتصارعة . وكأنما كل طرف يريد نتائج المؤتمر على مقاس تلك الرؤى والحسابات . من المؤكد أن الدول النافذة في الواقع الدولي والإقليمي بما الكيان " الإسرائيلي " ، تريد لنتائج مؤتمر فتح تأكيد للسياق السياسي التقليدي الذي ينتهجه السيد محمود عباس رئيس السلطة وفتح ومنظمة التحرير ، وهو لا يزال ولمدى منظور القادر على الإيفاء بالتزاماته وخياراته السياسية القائمة على التمسك بالحل السياسي عبر المفاوضات من دون بقية الخيارات الأخرى ، على الرغم من قناعاته أن الكيان " الإسرائيلي " يريد منه كل شيء ، ولن يعطيه أي شيء . ومارست ولا زالت تلك الدول ومعهم الكيان سياسة مد الجزرة والعصا مع السلطة وفتح .
والدول الأخرى من خارج تلك الدول ، بعضها مواقفها ليست بعيدة وهي تتقاطع عند ضرورات إنهاء الصراع ومخرجات لتسوية نهائية على أساس حل الدولتين . والبعض الآخر يريد لتلك النتائج أن تكون تحت سقوف تطلعات الشعب الفلسطيني ، رغم أنها تُدرك جيداً أن لا إمكانية لدفع فتح بنتائج مؤتمرها إلى التثوير ، خصوصاً أن هناك مبادرة قد تقدمت بها حركة الجهاد الإسلامي ، لم تتخذ فتح موقفاً رسمياً منها ، بل رحبت بها بعض من قياداتها ، وهذا الترحيب كان مشروطاً ب" لكن " . والقلة القليلة جداً تتمنى لنتائج مؤتمر فتح أن تعود بنا للزمن الجميل مع بدايات الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965 ، وهذا لن يتحقق على الإطلاق ، فالمشروع السياسي المُقدم للمؤتمر من أجل مناقشته وإدخال التعديلات عليه ، من دون أن تكون التعديلات جوهرية تمس ثوابت العملية السياسية ، يؤكد هذا المشروع السقوف المرسومة وعدم السماح في الخروج عنها .
أما نحن أبناء الشعب الفلسطيني بفصائله ونخبه ، ما نريده من نتائج للمؤتمر السابع لحركة فتح الكثير ، وهو أن تعود فتح لمبادئها ومنطلقاتها والأهداف التي انطلقت من أجل في واحد كانون الثاني عام 1965 ، ولكن بموضوعية هل هذا متاح ، وإن كان الكثيرين من أبناء الحركة يريدون ذلك ، ولكن الأماني شيء والحقيقة شيء آخر ، وهو ما يؤلمنا كثيراً ، لسبب بسيط أننا ندرك بالوعي أن لفتح دور محوري في السياق النضالي لشعبنا الفلسطيني ، كيف لا ، وأية خطوات سياسية خطتها الحركة كان لها وقعها الإستراتيجي على القضية الفلسطينية ، بالمعنيين الإيجابي أو السلبي . فعندما قررت حركة فتح تبني خيار التسوية القائمة زوراً على قرارات الشرعية الدولية ، ووصلت إلى ما وصلت إليه من منزلق سياسي خطير جداً ، أوصلها إلى اتفاق " أوسلو " المذل والمهين في العام 1993 .
وإذا كان ما سلف ما تريده جميع الأطراف المنشغلة بالمؤتمر العام لحركة فتح ، والذي ينعقد مع ذكرى تقسيم فلسطين في أل 29 من تشرين الثاني عام 1947 ، فماذا تريد حركة فتح والأعضاء الذين تجاوز عددهم أل 1400 عضواً مشاركاً ، مع حضور غير مسبوق لوفود أجنبية وعربية ولربما إسلامية ، من دون التهكن بمشاركة ما يسمون أنفسهم ناشطين " إسرائيليين " يدعون مناهضتهم لسياسات حكومة نتنياهو . وهنا وليس من باب التقليل من شأن الكثيرين من مناضلي حركة فتح وصدق توجهاتهم الوطنية في أن تعود فتح كحركة جامعة للنضال الوطني الفلسطيني ، ولكن أستطيع هنا وليس من باب التهكن ، أن هؤلاء لن يستطيعوا التأثير الواقعي على مسار الحركة السياسي بما ينتج عنه من سياق مغاير للسياق السياسي الذي أُريد لحركة فتح أن تنتهجه على مدار ما يزيد عن الثلاثة عقود . وهنا المعادلة واضحة ، وهي أن " أوسلو " قد أنتج جيش من المستفيدين من خلال الوظائف في السلطة ، وبالتالي تمكنت حكومة سلام فياض في تحويل هؤلاء إلى رهائن لدى البنوك التي منحتهم قروضاً ميسرة ، وفي هذا المعنى لم يعد في مقدور هؤلاء اتخاذ أية مواقف تتعارض ونهج السلطة وسلوكها السياسي . وحتى أكون منسجماً مع نفسي في التحلي بالموضوعية ، فهؤلاء ليسوا فقط من حركة فتح وحدها ، بل من جميع فصائل منظمة التحرير . لذلك لن يكون بمقدور أحد أن يُغير في قواعد اللعبة السياسية التي أرستها أو كبلت حركة فتح نفسها بها ، ولم يعد بمقدورها التأثير في تغييرها ، لأن جيش الموظفين في السلطة ووزاراتها ودوائرها الحكومية بالمرصاد وهم من سيتصدون لأية توجهات تُنهي السلطة وتقلب الطاولة في وجه الاحتلال الغاصب ، لأنهم ومن وجهة نظرهم يدافعون عن مصالحهم . هذا على مستوى الأعضاء العاديين ، ومن ينتظرهم خارج قاعة انعقاد المؤتمر ، فكيف هي حال الطبقة التي انتجتها اتفاقات " أوسلو " من حيتان رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال ، الذين ربطوا مصالحهم في مكان آخر ، وهنا علينا الاعتراف أن تأثيرهم على المشهد السياسي الفلسطيني يتضخم يوماً بعد يوم .
وهنا لم يأتي ما سلف وكأنه استباق لنتائج هي رهن أعضاء المؤتمر العام السابع ، ولكن من حقنا أن نبني على القاعدة التي تُقر بأن النتائج مرهونة بمقدماتها ، والمقدمات هنا واضحة وضوح الشمس ولا يختلف عليها إثنان بما فيهم المشاركين في المؤتمر . وإذا تحدثنا بهذا الوضوح ، فهو لأن حركة فتح ليست ملك نفسها فقط ، بل هي ملك جموع الشعب الفلسطيني . أوليست حركة فتح هي من تستحوذ على دفة القرار السياسي الفلسطيني ؟ ، أوليست فتح هي من تستحوذ على مفاصل السلطة بجناحيها الأمنية والاقتصادية ، ناهينا عن توجهاتها السياسية ؟ ، أوليست حركة فتح هي من يقرر سياسات منظمة التحرير ويُطبق على قراراتها ؟ .
وأخيراً نحن لسنا سوداويون وشامتون ، بل نحن ممن يخشى على حركة فتح ، وهي التي تعقد مؤتمرها السابع بعد مخاض عسير ، ومطبات وعراقيل كثيرة ، على المستوى الداخلي والخارجي ، من دون الخوص كثيراً في تعقيدات المشهد الفتحاوي ، الذي نتمنى له التعافي على أساس الانتصار للمشروع الوطني الفلسطيني ، وإعادة الاعتبار للمقاومة وبكل أشكالها والكفاح المسلح في نصها الواضح من دون أي لبس أو تأويل .

رامز مصطفى