تتكثف أغلب احتفالات الفصائل بين شهري كانون أول وشباط من كل عام ( الجبهة الشعبية،فتح،حماس،حزب الشعب والجبهة الديمقراطية)،ومع اقتراب الذكرى السنوية لإنطلاقة هذه الأحزاب والفصائل تجد قياداتها تنشط في التحضير لمثل هذه المناسبات،حيث البوسترات واليافطات والمؤتمرات والمهرجانات والمسيرات والبيانات تعد وتحضر لمثل هذه المناسبات،ويستحضر فيها التاريخ والتراث القديم،وما حققه كل فصيل من إنجازات والتغني بإلارث والتراث والتاريخ النضالي،والعيش على تاريخ قادتها،نضالاتهم وتضحياتهم وسمعتهم،والتأكيد على الثوابت والوحدة الوطنية وإنهاء الإنقسام ومواصلة النضال والكفاح حتى عودة آخر لاجيء،والتلاحم مع الجماهير والتعبير عن همومها وطموحاتها......؟؟؟والتفافها حول برامجها وصحة رؤيتها ومواقفها ...؟؟
وأصدقكم القول أشعر احياناً بأن قيادات الفصائل،وهي تخطب بحماس لإلهاب مشاعر وعواطف الجماهير،تؤبن نفسها وفصائلها،التي أصبحت بالكاد موجودة على الخارطة السياسية والحزبية،ودون ان تجهد نفسها تلك القيادات عناء البحث لماذا رغم كل التضحيات والثمن الباهظ الذي دفعته ودفعه شعبنا،لم تتقدم خطوة واحدة نحو زيادة حجمها ودورها ونفوذها وتأثيرها بين الجماهير...؟؟،بل هذا الدور والتأثير والحضور يتراجع بشكل مقلق،حيث نشهد حالة من الإنفضاض عند الجماهير عن الفصائل والأحزاب،وحتى العزوف عن العمل الوطني،هذا العمل والإنتماء للحزب أو الفصيل،كان يعبر عنه بالدم والنضال والتضحيات،وكانت الجماهير تتسابق لنيل شرف العضوية في الفصائل والأحزاب،ولكن اليوم رغم أن التخوم والفواصل ضاعت ما بين العضو الحزبي والإنسان العادي،والإستحقاقات المطلوبة وحتى شروط العضوية،ليست كما كانت عليه في زمن الثورة والثوار، لا نشهد تدفقاً واقبالاً جماهيرياً على الإنتماء للفصائل،فهل وقفت الفصائل أمام ذاتها في وقفة مراجعة جريئة وصدق مع الذات،لكي تقف على أسباب ذلك وأين يكمن الخلل..؟؟
لم تعد طرائق وأساليب العمل القديمة تلائم المرحلة،ولم تعد الجماهير والأعضاء تتقبل ما يطرح او ما يقال كمسلمات،أو ان هذه المواقف والرؤى والبرامج من شأنها ان تنتشل واقعنا الفلسطيني وتنهض به نحو التغيير الإيجابي او التقدم نحو الحرية والإستقلال وتحقيق الأهداف الوطنية،فهي وجدت ان الكثير ممن شكلوا قادة للعمل الوطني والحزبي،في فترات المد الثوري والإنتفاضتين الأولى والثانية وبالذات الأولى – إنتفاضة الحجر- عام 1987،هم الان يبحثون عن مصالحهم الذاتية ومواقعهم الإجتماعية والوظيفية والحزبية والتنظيمية،اكثر عن بحثهم وانتمائهم لهموم الحزب والوطن،وبالتالي لم يعد هؤلاء مصدر قناعة وثقة وقوة مثل لأقرب المقربين منهم،فكيف بالجماهير التي باتت على قناعة بان هؤلاء يستثمرون نضالاتهم وتضحياتهم لخدمة مصالحهم واهدافهم وتعزيز دورهم ونفوذهم،ناهيك عن أن الجماهير أصبح لديها اكثر من طريقة او وسيلة للحصول على المعلومة او الخبر،وهذا ما يمكنها من كشف "القمح من الزوان"،وأضف الى ذلك بأن العضو عندما ينتمي الى حزب يتوخى ان يكتسب ويتشرب قيم ومفاهيم جديدة،ناهيك عن تنمية قدراته الفكرية والسياسية والثقافية والتنظيمية والجماهيرية،وصقل تجاربه وتوسيع مداركه والإستفادة من قدراته وطاقاته وتوظيفها في موقعها ومكانها اللائق،وبما يجعله يشعر ويحس بوجوده وقيمته ومكانته،ولكن يجد أن كل ما كان يتصوره او يطمح إليه لا يتوفر بحدوده الدنيا،ولذلك يستشعر بأن عضويته هنا شكلية أو لا تميزه بشيء عن الإنسان العادي.
التنظيمات والقوى والأحزاب في ذكرى إنطلاقاتها يجب ان تقف وقفة نقدية حقيقية وجريئة امام اوضاعها،ليس بإجترار ما حققته من إنجازات وما قدمته من تضحيات شهداء وأسرى وجرحى فقط،بل ما عانته من إخفاقات وتراجعات،ولماذا لم تستطع ان تشكل حاضنة حقيقة للجماهير،بحيث تصبح عامل ثقة وإستقطاب لها،بدلاً من تحولها لأحزاب طاردة،وهل ما تعانيه،هو نتاج لظروف موضوعية او ذاتية..؟؟،فلا يكفي القول بان الظروف مجافية،ففي كل المراحل التي مر بها شعبنا وثورتنا كانت الظروف مجافية،فكيف نفسر انتصار حزب الله وصموده في الحرب العدوانية التي شنتها اسرائيل على الحزب والمقاومة اللبنانية في تموز/2006 ..؟؟ ألم تكن الظروف في قمة الجفاء وأستطاع الحزب ان يصمد وينتصر..؟؟،وهنا المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على الهيئات القيادية الأولى للأحزاب والفصائل،تلك القيادات المسؤولة عن رسم استراتيجية الحزب وصوغ اهدافه وبرامجه،وتحديد مواقفه السياسية من مجمل القضايا وطنية وعربية وإقليمية ودولية،بالإضافة الى تحديد الهوية الفكرية للحزب،وكذلك الطرائق وآليات العمل التي من خلالها سيعمل الحزب او التنظيم على تحقيق رؤيته وبرامجه واهدافه.
للأسف اليوم ضاعت التخوم والفواصل بين الأحزاب والتنظيمات بين يمينها ويسارها،ولم تعد أغلب قيادات الفصائل تشكل عامل ثقة واطمئنان وقوة مثل للجماهير ولأعضائها،وتشعر الجماهير وحتى الأعضاء بانه رغم كل التغيرات والتطورات العاصفة التي تحدث في العالم والمحيط وفي المجتمع الصهيوني،فإن اللغة والشعارات المستخدمة والمرفوعة،هي أقرب الى مرحلة ما قبل عشرين او ثلاثين عاماً،ناهيك عن التنمط والتكلس القيادي،وغياب المبادرة والإبداع بأشكاله المختلفة،والكف عن الإنتاج فكرياً وثقافياً والقدرة على مواكبة الحدث.
نحن نقدر لكل احزابنا وفصائلنا بمختلف اتجاهاتها وألوان طيفها السياسي والفكري،دورها الوطني والسياسي في حمل وحماية المشروع الوطني ،والدفاع عن حقوق شعبنا الوطنية،وما قدمته وتقدمه من نضالات وتضحيات،ونتمنى بأن تكون رائدة وسائدة قيمها وأفكارها ومفاهيمها راسخة في المجتمع وأذهان الجماهير،ولكن في ذكرى إنطلاقاتها يجب عليها أن تراجع كل منطلقاتها وبرامجها ومواقفها ورؤيتها وطرائق عملها،لكي تتمكن من وضع يدها بشكل حقيقي على ما تعانيه من نزف في عضويتها،وفي انفضاض للجماهير عنها،ولماذا يتراجع حضورها بين الجماهير بشكل كبير،ولماذا البعض منها قارب على التلاشي الإختفاء من الخريطتين الحزبية والسياسية؟؟؟؟.
بقلم/ راسم عبيدات