بعد الجمهرة في مقاطعة عباس، أسئلة لا بدّ منها

بقلم: محمد أبو مهادي

يعقد محمود عباس جمهرة في مقر المقاطعة، أطلق عليها إسم المؤتمر السابع لحركة فتح، وأطلق عليها آخرين وصف الحفلة أو مؤتمر المقاطعة.

بغض النظر عن الوصف الذي يعكس حقيقة هذه الجمهرة، والتوقعات التي ستنتج عنها، والأهداف الأصلية وراء تنظيمها، وآليات إختيار الحاضرين والظرف الموضوعي الذي تنعقد فيه هذه الجمهرة، فهي لا تعدو كونها محاولة يائسة لمنح شرعية لعباس، التي تآكلت بحكم الوقت والفشل السياسي والتنظيمي في سياق طبيعي ناتج عن فشل مشروع إتفاق اوسلو.

هناك أزمة كبيرة تضرب النظام السياسي الفلسطيني في السياسة والإقتصاد والمشروعية، لا يوجد آفاق للخروج منها، فرنسا سحبت مبادراتها السياسية، اسرائيل لن تقدم شيء للشعب الفلسطيني، وعباس لم يعد بجعبته اجابات لكل الاسئلة وعاجز عن تقديم حلول لكل ما يجري، لهذا يشغل كل الفلسطينيين بتفاصيل الإنكفاءة إلى داخل فتح والنظام السياسي.

نظريا، المفروض أن يكون عباس قد قدم إستقالته من رئاسة السلطة ومنظمة التحرير وفتح منذ زمن، وأسس لمرحلة جديدة تراعي كل المتغيرات الداخلية وما وصلت إليه حالة الصراع مع الإحتلال الإسرائيلي كذلك ما يجري في الإقليم والعالم، لكنه يدفن رأسه في التراب ويحاول القفز عن الأزمة بإفتعال أزمة أكبر، يجر معه الجميع.

مرة يحاول عقد إجتماع للمجلس الوطني ويفشل، وأخرى يستخدم ورقة المصالحة في قطر ويفشل، ومرة ثالثة يعود لحركة فتح ويحاول ان يستمد منه شرعيتها وسيفشل.

في الوضع الفلسطيني يوجد عدة مصادر للشرعية، أهمها صندوق الإقتراع، وثانيها شرعية مقاومة الإحتلال، وثالثها شرعية البرنامج السياسي الذي يستجيب لتحديات الواقع ولا يتنصل من الحقوق والثوابت التاريخية للشعب الفلسطيني، وهذه الثلاث مصادر غير متوفرة في حالة الديكتاتور محمود عباس، إضافة لدعم دول الإقليم والعالم الذين يهمهم كل ما يجري في الأراضي المحتلة.

جمهرة فتح في المقاطعة لن تعدو كونها إجتماع كسائر الإجتماعات، سيصدم كلّ من يعلق عليه الآمال، فهو ببساطة لن يقدم علاج لمجمل أزمات النظام السياسي الفلسطيني بكافة تفاصيلها السياسية والإقتصادية والإجتماعية.

مشكلة محمود عباس الكبيرة ليست داخل حركة فتح ومع التيار الإصلاحي فيها، بل أوسع بكثير، حيث سيواجه جيشاً كبيراً من المتعطلين عن العمل سيصل عددهم نصف مليون فلسطيني مع حلول عام 2020، مشكلته مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الذي يغص في عتمة طال أمدها تتزامن مع مستويات عالية وخطرة من الفقر والبطالة هي الأعلى في العالم، ومع عوائل آلاف المعتقلين في السجون الإسرائيلية الذين يبحثون عن نافذة أمل يمارسوا حريتهم عبرها ولا يشعرون بجدية عباس في طرح هذا الملف على أجندة العمل الجاد، مشكلته مع أكثر من 700 حاجز عسكري إسرائيل حوّلت حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى جحيم لا يطاق، وجدار للفصل العنصري جعل من الأراضي الفلسطينية جزر ومعازل مترامية الأطراف وعرضة لجرائم المستوطنين وجيش الإحتلال، والمشكلة الأبرز هي إنعدام أفق التسوية السياسية على أساس حل الدولتين والأرض مقابل السلام.

لا يعتقد أحد أن الإساءة التي قام بها محمود عباس للعرب وخذلانهم ورفض وساطتهم واسنادهم سوف تمر مرور الكرام بمجرد حفلة أقامها في المقاطعة يعلن فيها عن تجديد الشرعية، ولن تمر كافة أشكال الإهانة والتعدي على حرمة المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، إذا ما تجاوزنا مسألة الخصومة داخل فتح والتيار الإصلاحي.

طريق عباس صعبة ومزروعة بالألغام التي ستنفجر في أي لحظة، ولن تنفع بعدها كافة المبادرات الآمنة التي حاول العرب والفلسطينيين تقديمها لعلاج أزمة السياسة والحكم في فلسطين.

محمود عباس يراهن على وفاء وإخلاص إسرائيل معه بعد تعهدات التنسيق الأمني المقدس، ولكن إسرائيل لا تقدم هدايا وجوائز بدون ثمن سياسي لن يقوى عباس وغيره على تقديمه، هي عجزت في حماية روابط القرى التي أنشأتها، وعجزت عن لجم الشعب الفلسطيني وتغيير ثقافته وأهدافه المتمثلة في الحرية والإستقلال الناجزين، دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين إلى ديارهم.

الجمهرة السريعة التي قام بها عباس تشبه حالة ضباب عابرة لن تغطي الشمس ولن تحجب حقيقة الأزمة وضرورات التغيير الشامل.

بقلم: محمد أبو مهادي

[email protected]