أعترف بأنني أسأت التقدير حين اقتربت من الجزم باستحالة عقد مؤتمر فتح، بعد الكم الهائل من المعارضات والمخاوف المبررة منطقيًا من عدم نجاح المؤتمر في استعادة جميع أفخاذ العشيرة إلى بيت الطاعة التاريخي، الذي هو الشرعية.
وقلت مرات كثيرة إنني لا أصدق أن المؤتمر انعقد إلا في اليوم الثاني، وها أنا ذا أكتب مقالتي هذه في اليوم الثاني.
في فتح، حسب التجربة، كل مؤتمر تعقده فتح لا بد أن ينجح، وكل انشقاق يسبق مؤتمر فتح لا بد أن يفشل، قد يترك ندوبًا على وجهها، وآلاما في قلبها، إلا أنه في نهاية الأمر يتلاشى، بل ويصبح نسيًا منسيًا.
لقد استقبلت رام الله مئات الفلسطينيين الذين قدموا من القارات الخمس، وكان وصول الوفد القادم من أميركا أكثر سهولة من وصول الوفد القادم من غزة، ناهيك ببعض التعثرات التي نأمل أن تكون مؤقتة على صعيد الوصول من البلاد العربية.
واستقبلت رام الله كذلك ستين وفدًا عربيًا وأجنبيًا، وأثبتت بقدرتها على الاستقبال والاستضافة والرعاية أنها جديرة بلقب العاصمة المؤقتة بعد القدس.
ولقد أصغيت مليًا لكلمات عدد من الوفود، وخرجت بانطباع إيجابي عميق، ولكنه محرج بعض الشيء، فقد جدد المتحدثون رهانهم على فتح التي عرفوها قائدًا ذكيًا وبراغماتيًا للحالة الفلسطينية التي عبرت فتح بها مضايق ومنعرجات كان الواحد منها كفيلاً بإنهائها، لو لم تحسن استخدام عقلها في المواقف الصعبة، المحرج أن رهان العالم على فتح أكبر وأعمق من رهانات فتح على نفسها. وبعد الانقسام غير المسبوق في التاريخ الفلسطيني، تراجع رهان الفلسطينيين ليس على فتح وحدها، وإنما على الطبقة السياسية الفلسطينية بإجمالها الوطني والإسلامي، الثوري والمحافظ... إلخ.
كان مشهدًا مؤثرًا ومئات الفلسطينيين من المغتربين عن أرض الوطن يعانقون مئات مثلهم من القابضين على الجمر داخل الوطن. وحين تحدث ممثل حركة حماس، وتلا رسالة الأخ خالد مشعل (أبو الوليد)، صفق أعضاء المؤتمر عدة مرات للإعلانات الإيجابية عن استعدادات حماس لإنهاء الانقسام، والمضي قدمًا في مشاركة حقيقية مع فتح، ومن يتمعن في وضع الحركتين الكبيرتين، يجد أن التفاهم بينهما صار ضرورة ملحة، بعد قسوة الحلفاء عليهما، وصارا في جزيرة معزولة بين بحر مغلق ويابسة أكثر إغلاقًا.
وحل على مؤتمر فتح ممثل لقطعة من القلب الفلسطيني، هو أيمن عودة الذي قال كلمات أبكت الحاضرين وأسعدتهم، ومعادلة ما يبكي ويسعد في الحالة الفلسطينية هي الأكثر حضورًا وهيمنة على الروح.
ويبدو لي أن الوقت مبكر لاستنتاجات ما سيفرزه المؤتمر من نصوص سياسية وتنظيمية، ومن قادة جدد، فهذا ما سنعرفه يوم السبت المقبل.
نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني