مؤتمر فتح وخطاب الرئيس… هروب إلى الأمام

بقلم: علي الصالح

ثمة ملاحظات على مؤتمر فتح، لن أدخل في تفاصيل مجرياته ولكن لا بد من الإشارة أولا إلى ان الحركة سخرت كل امكانيات السلطة الإعلامية لخدمته من أجهزة أمنية وتلفزيون وجرائد الخ… وهو ما لا تسمح به لغيرها من الفصائل.
أدرك ان الرئيس أبو مازن هو رئيس السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولكنه في هذه المناسبة كان يفترض ان يكون رئيسا للحركة وليس رئيسا للدولة، وألا تستغل طاقات السلطة لخدمة هذا المؤتمر. وهذا ليس موقفا شخصيا فحسب، بل هو حديث من تواصلت معهم من سائقي سيارات الأجرة وحتى شخصيات كبيرة غير فتحاوية.
ثانيا المصادقة على أبو مازن رئيسا للحركة وقائدا عاما لها في الدقائق الأولى من الجلسة الأولى للمؤتمر كانت إجراء غير تنظيمي أو قانوني. فأبو مازن مع كل الاحترام هو رئيس اللجنة المركزية وكان يفترض ان يثبت رئيسا للحركة بعد الانتهاء من الانتخابات من أعضاء اللجنة المركزية. وهذا قد يؤخذ ضده من المتربصين به الذين يزعمون ان المؤتمر غير قانوني لانه استثنى العديد من القيادات "المتجنحة" ويهددون بعقد مؤتمر ثان دون توضيح المكان ولا الزمان ولا الطرف أو بالأحرى الدولة التي ستعمل على تمويله.
ثالثا الإطالة في كلمات الوفود رغم أهميتها ما أدى إلى موقف محرج للمتحدثة باسم حزب الشين فين الايرلندي النائبة في البرلمان الأوروبي مارتينا آندرسون، إذ انفجرت القاعة بالضحك عندما تركزت الكاميرا على أحد الجالسين في الصف الأمامي وقد استغرق في النوم، قبل ان تنهي كلمتها التعاطفية جدا مع الشعب الفلسطيني، مما دفعها إلى التساؤل عن سبب الضحك وما إذا كان في ما قالته نكتة؟ ولم يفسر لها السبب إلا بعد نزولها عن المنصة.
رابعا عدم احترام الحاضرين للمؤتمر عبر تحركاتهم التي لم تنقطع والأحاديث الجانبية التي طغت في بعض الأحيان على صوت المتحدثين. أضف إلى ذلك عدد القبلات التي جرى تبادلها قبل وأثناء وبعد المؤتمر، فمنها ما كان مصلحيا خاصة ممن يعتزمون الترشح ومنها ما كان على سبيل المحبة الزائدة. صحيح ان الرئيس الراحل ياسر عرفات كان يؤخذ عليه المبالغة في التقبيل، لكن ما شوهد خلال المؤتمر تجاوز كل الحدود.
أما بالنسبة لخطاب أبو مازن، فقد أجمع الكثيرون على انه كان طويلا جدا وأكثر من اللازم. وهناك من اعتبر هذه الإطالة أن أبو مازن أثبت بما لا يدع مجالا للشك انه يتمتع بصحة جيدة رغم تقدمه في العمر ولا يعاني من أمراض كالسكر مثلا لانه وعلى مدى الساعات الثلاث ونيف لم يتحرك من مقعده ولاحتى لتدخين سيجارة وهو المعروف بولعه بالتدخين. هذا أولا وثانيا: ان الخطاب الذي غطى أكثر من50 صفحة لم يأت بجديد على الاطلاق فمعظمه ان لم يكن كله كلاما معادا ومكررا.
ثالثا: لم يكن الخطاب يصلح برنامجا لحركة تحرر وطني كحركة فتح بل كان خطابا يصلح للسلطة أو لمنظمة التحرير الفلسطينية.
رابعا: كانت هناك مبالغة في الخروج عن النص الذي لم يشمله كتيب الخطاب، الذي كان يحمل رسائل واضحة ضد شخصيات معينة وتلميحات بدعم أشخاص.
خامسا: عدد المرات التي جرى فيها التصفيق كان مبالغا فيه أيضا إذ تجاوز بضع مئات.
سادسا: الانجازات التي سردها أبو مازن لم تكن انجازات حركة فتح بل يفترض ان تكون انجازات منظمة التحرير والسلطة بما فيها الانضمام إلى المنظمات الدولية (44 من أصل 522). والحوار مع الحكومة البريطانية أيضا ليس من مهام فتح بل السلطة ومنظمة التحرير. وكذلك استقبال أبو مازن في أوروبا كرئيس دولة فلسطين كما قال، وليس كرئيس حركة فتح. كما ان عضوية المجلس الوطني الفلسطيني في الاتحاد البرلماني الدولي وغيره، مرة أخرى هو إنجاز للمنظمة.
سابعا: في مجال بناء "المؤسسات والحكم الرشيد" تحدث الرئيس عن تطوير الهياكل الحكومية وهي أيضا يفترض ان تكون حكومة توافق وليس حكومة فتح. وكذلك إدارة شؤون الوظيفة العمومية وديوان المراقبة ومكافحة الفساد وتطوير قطاع الإنتاج والصناعة وتوفير الأمن والأمان وفي مجال القضاء والإعلام إلى آخره، هذه كلها من "انجازات السلطة".
ثامنا: في الصفحات 41 ونصف الصفحة الأولى، كان أبو مازن في خطابه يتحدث عن انجازاته كرئيس للسلطة وليس كرئيس لفتح ورغم ذلك فان ما وصفه بأسس البرنامج الوطني للحركة لم يفصل بين برنامج فتح وفلسطين كدولة. فعلى سبيل المثال لا الحصر ما قاله حول "العمل باتجاه مراجعة الاتفاقات الموقعة كافة مع الجانب الإسرائيلي نتيجة انتهاء مهمتها وتغيير الظروف وعدم التكافؤ وعدم التزام الجانب الإسرائيلي". فهذه مهمة السلطة ومنظمة التحرير(ص 44). كما ليس من مهام فتح محاربة الإرهاب والتعاون إقليميا ودوليا في هذا المجال (بند 11ص 45) وأيضا بناء علاقة ايجابية وبناءة مع إطار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، وبناء المزيد من المناطق الصناعية والحدائق التكنولوجية وتطويرها ونشرها في مختلف محافظات فلسطين (ص 49) أضافة إلى الاهتمام بالاكتشافات الغازية والبترولية وباقي الثروات الطبيعية في فلسطين وتطوير قطاع المياه وفقا للحاجات البشرية والزراعية الخ.
تاسعا: لم يتطرق أبو مازن إلى موضوع التحقيق في اغتيال ياسر عرفات رغم قوله في اجتماع المجلس الثوري الأخير للحركة انه يعرف الفاعل ولكنه لن يذكر اسمه وسيترك الأمر للجهات المختصة. ولم يكن أفضل من مؤتمر فتح للكشف عن ملابسات اغتيال مؤسسها الرئيس عرفات. وكان معظم المعنيين يتوقعون منه ان يكشف التفاصيل.
عاشرا: لم يتعامل الخطاب مع مشاكل وهموم الناس والدوائر الانتخابية للحركة وكيفية كسبها إلى صف الحركة الخ.
وباختصار لم يكن في خطاب الرئيس أبو مازن فصل بين ما هو مهام حركية ومهام السلطة ومنظمة التحرير… بل تكريس لما يقوله الكثيرون بان فتح هي السلطة والسلطة هي فتح.
ولم يتعامل الخطاب لا من قريب ولا من بعيد، مع الوضع الداخلي والتنظيمي داخل الحركة في مؤتمرها، ولم يقدم الرئيس أي حلول للمشاكل التي تعيشها فتح ومنها التنظيمية والمالية خاصة وان هذا المؤتمر هو مؤتمر الحركة ومخصص لبحث علاتها ومشاكلها وهي ليست قليلة. وستبقى الأوضاع الداخلية في الحركة على ما كانت عليه قبل المؤتمر، حتى المؤتمر التاسع المقبل، وهذا قد يزيد من المشاكل والتعقيدات، وقد يدفع البعض نحو الطرف الآخر الذي يقف متربصا للانقضاض، لا بسبب اختلاف على برنامج سياسي بل من باب "الانتقام وتكسير الروس". وأخيرا لم يكن هناك داع لان تكون جلسات المؤتمر مفتوحة وتنقل على الهواء مباشرة.

علي الصالح
كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"