رحل العظيم فيدل كاسترو حيث كان متشوقاً إلي لقاء رفيقه وزميل دربه العظيم تشي غيفارا الذي سبقه إلي دار الخلود مغدوراً من أعدائه الإمبرياليين قبل خمسين عاماً.
من هنا يغادرنا المناضل والقائد والثائر كاسترو بعد ان سارت الثورة التي نذر روحه لها، في بوليفيا وسائر أميركا اللاتينية، بهدف إنهاء الهيمنة الأمريكية على كوبا وإسقاط نظام باتيستا الديكتاتوري، حيث قام بتأسيس حركة 26 يوليو الثورية التي كانت سبباً في لقائه المناضل الأرجنتيني أرنيستو تشي غيفارا، ونشأت بمرور الوقت بينهما علاقة صداقة قوية ساهمت في وضع خطة لتفجير الثورة في أمريكا اللاتينة، واليوم انتصرت كوبا رغم الحصار الأمريكي للجزيرة، وقامت بواجبها الأممي تجاه حركات التحرر الوطني في العالمي، ووقفت في هذا السياق إلى جانب شعوبنا العربية، و الشعوب المظلومة التي واجهت الإمبريالية العالمية، وخاصة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
وامام كل ذلك دافع كاسترو بكل قوة عن قضية العرب المركزية قضية فلسطين وكان مناهضاً للعنصرية والصهيونية والإرهاب وكل أشكال الظلم والاستبداد.
لاشك أن روح فيديل ستجوب جهات الأرض الأربع بعد نثر رمادها في المحيطات وهواء الأرض وستلتقي المناضلين الذين عايشوه في أجداثهم الباردة وهي ترى هزائمهم وأحلامهم تتحطم على وقع المؤامرات الكبري وتفكك عروة وثاق الاشتراكية في الأماكن التي حلموا أن تكون سنداً لهم في سعيهم للوصول إلي عالم يغيب عنه القهر وتخرج فيه الاحتكارات خارج دائرة الفعل الاستعماري ويعيش الفقراء مشاركين في صنع مستقبل بلدانهم، وهي تتحدث لغة واحدة، هي لغة الاشتراكية.
سيكون اللقاء صعباً رغم حميمية العناق، فكاسترو لم يتخل عن مبادئه ولَم يتراجع عن مواقفه وظل صامداً في وجه الإمبريالية العالمية ومتحدياً للولايات المتحدة الأميركية في جزيرته الصغيرة المسترخية على تخوم الإمبراطورية الأميركية بكل شرورها، وهو إن كان حزيناً لسقوط حلمه الكبير إلا أن أحلاماً حية ما زالت تبشر المؤمنين بانتصار الحلم الثوري المأزوم ذاتياً وموضوعياً على السواء.
وفي هذه اللحظات الذي يغادرنا الثائر فيدل كاسترو ما زالت كوبا ومعها الدول الصديقة تدعم وتساند نضال وقضية الشعب الفلسطيني وأحرار العالم المتضامنين مع الشعب الفلسطيني، وحركات مقاطعة الكيان، والذين لم يغادروا الميادين والشوارع تضامناً مع الفلسطينيين، لذلك نقول ان فلسطين فقدت بل فقد العالم والإنسانية جمعاء مناضل كبير من طراز خاص لا يتكرر نقش اسمه في سجل المجد، فغدى أحد أهم الشخصيات المؤثرة في التاريخ الحديث، فهو القائد الأممي نصير الشعب الفلسطيني والشعوب المقهورة، عدو الامبريالية الأول، إنه زعيم الثورة الكوبية بعد أن ظل على مدار حياته وقيادته للثورة الاشتراكية في أمريكا الجنوبية رمز للثوار في العالم أجمع وفي مقدمتها قضيتنا الفلسطينية.
من هنا نرى أن التجربة الغنية للزعيم كاسترو وانتصاره على الامبريالية وتحرير كوبا من دنسها وأذنابها، وامتداد ثورته على غالبية دول أمريكا الجنوبية شكّلت إلهاماً للعديد من الدول التي سارت على دربه والتي خرجّت من بين صفوفها قيادات ثورية سارت على ذات الدرب وشكّلت رأس حربة في مواجهة الامبريالية، وعلى رأسهم القائد الملهم الراحل تشافيز وغيره من القادة الذين تربوا على فكر كاسترو.
ان الوفاء والعرفان لقائد عظيم لطالما ناصر ودعم وساند قضيتنا الفلسطينية، مذكراً بالدعم المتواصل الذي تبناه كاسترو ودولة كوبا الشقيقة ووقوفهما الكامل والمبدأي مع قضيتنا وحقوقنا في كل الميادين من على منابر الأمم المتحدة، ودول عدم الانحياز وفي جميع المناسبات العالمية، نؤكد له أن قضية فلسطين ونضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والعودة والاستقلال سيبقى حاضرا دائماً في عقل ووجدان كوبا وقيادتها الثورية.
نعم لقد ساوى دائماً القائد فيديل كاسترو الصهيونية العالمية بالفاشية والنازية، وبأنها ربيبة الامبريالية والتي تدمر وتقتل وترتكب أبشع المجازر من أجل أن تبقى الامبريالية مهيمنة ومسيطرة على الشرق الأوسط، فهو القائد الذي وعي ذلك جيداً، معتبراً أن نضال شعبنا الفلسطيني ضد الصهيونية هو مكمل وجزء من نضال الأمم والشعوب المقهورة ضد الامبريالية المتوحشة وأذنابها.
أن رحيل هذا المناضل الكبير خسارة كبيرة للشعب الفلسطيني ولأحرار العالم، فهو سيبقى من الأبطال الثوريين وان مبادئهم الثورية وتضحياتهم من أجل انقاذ البشرية من براثن الامبريالية والصهيونية ستظل الهاماً ودافع من أجل استمرار الثورة على الظلم والطغيان ومقاومة الاحتلال والاستعمار، وتحقيق مبادئ العدالة الاجتماعية، وان الشعب الفلسطيني سيظل يذكر بمزيد من العرفان والامتنان القائد الكبير مكانته ودوره في دعم القضية الفلسطينية، فهو القائل بأننا سنقاتل حتى آخر قطرة من الدماء دفاعاً عن الأفكار الثورية ومن أجل النصر على مستعبدي الشعوب ، لهذا نقول للقائد العظيم فيديل كاسترو، ان الشعب الفلسطيني والشعوب العربية ستفوز في معركة الحياة، ليس فقط من أجل حياتكم، ولكن أيضا من أجل حياة كل أطفال العالم.
ستبقى فيديل كاسترو في ذاكرة الشعوب.. أما رؤساء أمريكا الذين طوقوا جزيرتك.. فلن يذكرهم أحد.
بقلم/ عباس الجمعة