ان انعقاد المؤتمر السابع لحركة فتح له أهمية خاصة واستثنائية، و بصورة تختلف عما درجت عليه العادة في مؤتمرات الحركة السابقة، وخاصة ما آلت إليه أوضاع هذه الحركة الرائدة في النضال الوطني الفلسطيني ، ونحن عندما نتحدث عن ضرورة تفعيل واقعنا ، نستلهم العبر والدروس من الشهداء القادة وفي مقدمتهم الرئيس الشهيد ابو عمار ، هذا الرمز الذي لم يكن قائداً ورمزاً فلسطينيا فقط،بل كان قائداً ورمزاً فلسطينياً وعربياً وأممياً بامتياز،وكان بمثابة البوصلة التي يسير بهديها كل المناضلين والثوريين،هذا القائد كان بامتياز الى جانب الجماهير الفلسطينية ، حيث أحب فلسطين وعاصمتها القدس وعشقها كما أحبته وعشقته وودعته الوداع الذي يليق به يوم رحيله ، فكيف لا وهو رمز النضال والثورة وتاريخ النضال الوطني الفلسطيني مع رفاقه القادة العظام ،لهذا شكل المؤتمر السابع منعطف مهم من اجل رسم استراتيجية وطنية تستند لخيار الشعب خيار النضال والمقاومة بمواجهة العدو الصهيوني .
ان خطاب الرئيس محمود عباس الذي اكد ان حركة فتح تعلن نفسها مجدداً أنها الحزب القائد وحزب السلطة، وهذا واضح، من خلال عرض المشروع السياسي والخط السياسي للفلسطينيين ، اضافة الى المقاومة الذكية ، وهو أكد على الثوابت الفلسطينية، لكنه في قضية اللاجئين تحدث عن حل متفق عليه، والعمل وفق أساس المبادرة العربية، وهذا أمر جديد على الثوابت المقرة في منظمة التحرير الفلسطينية واعلان الاستقلال التي تنص على حق العودة للشعب الفلسطيني الى دياره التي شرد منها وفقا للقرار 194، لأن تشرد معظم الشعب الفلسطيني كان بفعل النكبة عام 1948.
ان الكلمة الختامية في انهاء اعمال المؤتمر للرئيس محمود عباس كانت مختلفة كليا عن الافتتاح ، ولكن مطلوب توضيح مفهوم المقاومة الذكية ، لأن شعب فلسطين، بكل هذا العمق العربي والحضاري، لابد إلا وأن يكون شعب المستقبل، لشعب الحياة، مهما بدت الأمور صعبة وقاسية في هذه الأيام، فالأمة العربية ليست مجرد قبائل متناحرة، كما يحاولوا ان يريدوها اصحاب المشاريع الامبريالية والصهيونية والرجعية الذين يزرعون الارهاب بكل مكان في المنطقة ، وإنما أمة كان لها مأثرة في قيادة العالم على مدار قرون متتالية، أمة عريقة ذات تراث ومنجزات إنسانية غطت كافة مجالات حقول العلم بلا استثناء، أمة عاشت قمة الازدهار ، وهي بما تختزنه من إمكانيات بشرية واقتصادية واستراتيجية إنما هي مجبرة على مواجهة المخططات التي تستهدف وجودها اتصالاً بتطلعاتها المستقبلية.
وامام كل ذلك اقول ان حركة فتح يجب ان تدرك ثقل وصعوبة المرحلة، وتوحيد جهودها في الساحة الفلسطينية من اجل الحفاظ على المشروع الوطني وحماية منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها على ارضية شراكة وطنية حقيقية باعتبارها الهوية والكيان السياسي والمعنوي والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
ومن موقع حرصنا على حركة فتح كنا نرى اهمية ان يعطي المؤتمر اهمية الى القضايا البارزة على الصعيد المحلي والدولي وفي مقدمتها نقل ملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة
للمطالبة بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية باعتبار ان دولة فلسطين هي دولة محتلة ، وما زالت المقاومة تسير بخطى ثابتة نحو أهدافها المنشودة متسلحة بعزيمة وإصرار وتضحيات شابات وشباب فلسطين،حيث تتصاعد وتيرة الفعل الإنتفاضي بكل الوسائل المشروعة.
أن المقاومة الشعبية بكافة اشكالها النضالية والانتفاضة بحاجة إلى حاضنة سياسية تقودها وتعمل على تنظيمها، وتحافظ على زخمها واستمراريتها، والعمل على انهاء حالة الانقسام الفلسطيني وتعزيز الوحدة الوطنية، والتصدي في الوقت ذاته لمحاولات من يعرقل ذلك، من جماعات المصالح في إدامة هذا الانقسام وإدارته، وازدياد معاناة شعبنا المتفاقمة بالضفة وقطاع غزة.
ان استمرار الترويج لاتفاق اوسلو وافرازته ، والتعويل على الادارة الامريكية، والعلاقات مع بعض الدول العربية التي تنسج علاقات وتحالفات معلنة وغير معلنة مع دولة العدو الصهيوني في إطار تبعية متزايدة لسياسات ومخططات معادية للأمة العربية ومصالحها، يستدعي موقف واضح ، وخاصة ان هناك خيبة أمل كبيرة لدى الشعب الفلسطيني والشعوب العربية من عقد الاتفاقيات مع دولة الاحتلال وحصيلتها المُدمّرة.
ان رؤية القيادة والكادر والقاعدة، وهو مفصل ميّز باستمرار برامج وسياسات حركة فتح ومواقفها، دون أن يعني ذلك عدم ظهور أو وجود أخطاء وتقصيرات عديدة رافقت هذه المسيرة في تجاربها ومحطاتها المختلفة، وهنا نحن نتطلع الى كلمة الرئيس حول العلاقة مع الفصائل والقوى الفلسطينية و الحوار والتنسيق حتى يكون تجسيد الوحدة الوطنية في اطار منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها فعلي على ارضية شراكة وطنية حقيقية.
ان البعد الدولي، يستدعي حشد أوسع إطار دولي لنصرة القضية الفلسطينية إلى جانب بعديها الفلسطيني والعربي، وذلك إدراكاً لحجم معسكر العدو وما يملكه من إمكانات، هذا الخط كان يعكس أيضاً رؤية حركة فتح لوحدة معسكر الثورة على المستوى العالمي، ونتيجة لهذا الخط كانت حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية على مدار السنوات السابقة في السبعينات والثمنيات والتسعينات عنواناً جاذباً حيث التحق بها المناضلون من مختلف الجنسيات والبلدان. لقد كانت مدرسة ثورية استطاعت إقامة شبكة علاقات تحالفية واسعة النطاق، تتبادل العون والمساعدة مع حركات التحرر والقوى التقدمية والديمقراطية على المستوى العالمي.
بطبيعة الحال، فإن تسوية اوضاع المناضلين في فصائل منظمة التحرير الفلسطينية يحتاج إلى معالجة ، وهذا يتطلب وضع حد لهذه الأزمة ،ونحن على ثقة بان البرنامج الوطني والسياسي لحركة فتح، سيضع استراتيجيات جديدة للنهوض بالحركة، من ضمنها كلمة الرئيس محمود عباس الذي اكد فيها على الإصرار على الاستقلال ، مما يجعل فتح تعيش حالة فريدة من نوعها وهي تدخل عامها 51 عاما من النضال .
إن حركة فتح أعطت الكثير وراكمت الكثير وهي تملك من الطاقات والإمكانات والعقول ونحن نهنئ اللجنة المركزية والمجلس الثوري لحركة فتح الفائزون في المؤتمر السابع ، ونحن نرى بعقد هذا المؤتمر ما يمكنها من تخطي الصعوبات التي تواجهها لتبقى تنظيماً مقداماً ومتقدماً ومبادراً بقياس برامجها وممارستها في سبيل إحقاق حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.
ان التصويت الكبير للمناضل الأسير مروان البرغوثي في حركة فتح يمثل استعادة للهوية الحقيقية للشعب الفلسطيني وللحركة ولأولوية مقاومة الاحتلال، بعيدا من كل اوهام التسويات مع عدو وجودي، التحية الى مروان البرغوثي الحر في أسره كما كل قادة الحركة الاسيرة التي نتطلع الى حريتهم، كما نقول للواء سلطان ابو العينين لا تهمك المناصب فيكفي ما تحملته من مصاعب فانت ستبقى قائد ثوري في حركة فتح ، لأنك آمنت بصواب ومبادئ الحركة ودورها الفاعل ، ومن حق مناضلي حركة فتح ان يعتزوا بهذا النجاح والجهد والنضال الذي قدمته على مدار سنوات طويلة من النضال وخاصة في لبنان او في مسيرات المقاومة الشعبية في الضفة، ولهذا اليوم سنبقى نذكر أن شعبنا الفلسطيني العربي بأن خيار المقاومة الوطنية بكافة اشكالها سيبقى عنوانا وفياً للدماء، للعذابات، للتضحيات التي قدمتها الجماهير الفلسطينية على مدار سنوات النضال من خلال الثورة الفلسطينية التي ما زالت قائمة على هذه الأرض ، بفضل الآلاف من الشهداء الذين قضوا دفاعاً عن الثورة وتحرير الارض والانسان.
ختاما : المطلوب اليوم ليس الغاء صوت العقل والرهان على التوافق السياسي الوطني، ولكن استعادة الرهان على ارادة الجماهير وقدرتها على الانتفاض والتغيير والمواجهة وتنظيم وقيادة ذاتها بالاستعانة بكل المخلصين من ابناء هذا الوطن، في سبيل استعادة مسيرة الكفاح لاجل الحرية والاستقلال والعودة .
بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي