شهدت "ستان" الضاحية الباريسية نهاية الأسبوع الماضي احتضان معرض للدمى السمراء، استجابة لطلب عدد من العوائل من أصول إفريقية التي لا تجد دمى تشبه بشرة أبنائها السود، والذين تعودوا على الدمى البيضاء والشقراء فقط.
وفي تصريح لوسيلة إعلام فرنسية محلية، قالت روزين ماندور منظمة المعرض، إن "هناك نقصا كبيرا في هذا النوع من الدمى السمراء، وغير متوفرة في كبرى المحلات التجارية. أو تكون بأسعار جد مرتفعة، بحيث أن حجم العرض لا يتلاءم مع حجم الطلب".
الكاتبة والصحافية من أصول إفريقية، دايرياتو كيبي، صاحبة كتاب "المرأة السوداء، غير مرئية" قالت لصحيفة "القدس العربي" اللندنية أن "هناك أمهات وآباء من أصول إفريقية يرغبون في اقتناء الدمى ذات البشرة السمراء لأبنائهم بدافع هوياتي، ولكسر الصور النمطية حول البشرة السوداء" وتضيف "هناك من لا يزال يعتبر أن هذا النوع من الدمى شيء غير عادي، وغير طبيعي، كما لو أن الدمى وألعاب الأطفال يجب أن تكون دائما ذات بشرة بيضاء، وهذا ترسيخ لفكرة ذات أبعاد عنصرية".
وأوضحت مديرة المعرض أن "الهدف من هذه الخطوة يبقى "تعليم الأطفال من كل الأجناس التسامح والانفتاح على الآخر. نريد أن تدخل الدمية السمراء عالم الأطفال وتصبح أمرا عاديا حتى بالنسبة للأطفال ذوي البشرة البيضاء. نرغب أيضا في أن يحس الأطفال من ذوي البشرة السوداء بأنهم لا يختلفون عن الآخرين، وأن يكونوا فخورين ببشرتهم".
وحول هذه النقطة بالذات، فإن باحثين أمريكيين أجروا دراسة على أطفال من ذوي البشرة البيضاء والسوداء ومنحوهم الاختيار بين دمى سوداء وبيضاء، وكانت النتيجة صادمة، حيث أن أغلب الأطفال اختاروا الدمى البيضاء، بل اعتبروا أن الدمى السوداء قبيحة، وشريرة، ومتسخة وغير مطيعة لوالديها.
في المقابل، اعتبر أغلب الأطفال أن الدمى البيضاء، جميلة، ولطيفة، وذات خلق حسن. ويرى المختصون أن هذا الأمر يعزز لدى الأطفال منذ الصغر الصور النمطية، وتولد الاحساس بالتمييز العرقي، بطريقة لاإرادية ولا شعورية.
وأوضحت دايرياتو كيبي أن "الأطفال عندما يلعبون بدمى تشبههم، وتشبه بشرتهم، فهذا يعطيهم قيمة وجودية، يحسون بوجودهم في المجتمع منذ نعومة أظفارهم. وهذا الأمر يقوي الثقة في النفس والاعتزاز بها". وتضيف " هذا النوع من الدمى سيسمح للفتيات ذوات البشرة السمراء، بقبول بشرتهن الداكنة، وكذلك قبول شعرهن المجعد، الخشن الملمس وبالتالي عدم الإحساس بعقد النقص مقارنة مع معايير الجمال التي يفرضها الغرب مثل البشرة البيضاء، والجسم النحيف، والأنف الصغير والشعر الأشقر الحريري الناعم".
ويرى القائمون على المعرض أن الأمر لا يقتصر على الدمى السمراء فقط بل يتعداه إلى باقي الألعاب الأخرى، بحيث أن قصص الأطفال مثلا "لا تحتوي على أبطال ذكور من ذوي البشرة السوداء، وأن البطل أو الأمير يكون دائما أبيض وأشقر" حسب تصريحات مديرة المعرض.
وختمت الكاتبة دايرياتو كيبي حديثها معبرة عن صدمتها من ردود الأفعال السلبية والمتهجمة الرافضة لفكرة المعرض "لقد قرأت بعض التعليقات على الانترنت، حول المعرض وكانت كلها عنيفة جدا وعنصرية. وهذا يدل على أن بلادنا تعيش أزمة أخلاقية كبيرة وهناك أطراف سياسية تغذي هذا الخطاب العنصري، مثل اليمين المحافظ واليمين المتطرف. إنه خطاب مرعب، وكأم إفريقية أنا خائفة على مستقبل أبنائي".