مع بدء شهر تشرين الأول من كل عام، تتوافد طيور السنونو المحلقة بأعداد كبيرة جداً إلى فلسطين، وخاصة قطاع غزة، وتبدأ بالتحليق بشكل بهلواني في الأجواء، وتتزحلق قرب الأرض، تبحث عن فرائسها من الحشرات الطائرة.
وتشاهد هذه الطيور في الشوارع العامة، والبساتين، وقرب البنايات الكبيرة، وتتخذ من المحال التجارية المغلقة أماكن للمبيت خلال ساعات الليل، تدخلها من خلال فتحات المناور.
وكثيراً ما يلفت هذا التحليق، الذي يتزامن أحياناً مع تغريد وغناء عذب يصدر عن الذكور منها، المهتمين والمراقبين البيئيين، فيخصصون وقتاً لمشاهدتها، وأحيانا تلفت انتباه المواطنين العاديين، فيراقبونها أيضا.
ونظراً لأن السنونو لا يتم اصطياده من قبل الصيادين أو الهواة، فإن أعداده تتكاثر عاماً بعد عام.
والسنونو منه المستوطن، الذي يعيش ويتكاثر في فلسطين، ومنه المهاجر.
طيور جميلة
ويقول الشاب حنفي أبو عبيد، ويعمل في محل بقالة جنوب مدينة رفح، إنه في أوقات الفراغ، يجلب كرسياً ويجلس في الخارج لمراقبة هذه الطيور الجميلة، ويعجب من قدرتها الفائقة على الطيران المستمر لساعات طويلة، دون أخذ قسط من الراحة.
ونوه إلى أنه يراقب تصرفات وسلوك تلك الطيور، التي تتعمد ذكورها تقديم رقصات بهلوانية في الهواء للفت انتباه الإناث، ثم يطير الذكر بعيداً عن السرب، فتلحقه الأنثى، ويحلقان معا على ارتفاع أعلى من أقرانهما.
وأكد أنه أجمل ما في تلك الطيور بقاؤها بعيدة عن اهتمام الصيادين، وكثيراً ما يراها وهي داخل المحل للمبيت، ويحاول عدم إزعاجها مطلقا.
أما الشاب فادي الطهراوي، فأكد أن السنونو من أجمل الطيور الشتوية الزائرة لفلسطين، وأعذبها صوتاً، وما يميزه اقترابه من المناطق السكنية والمعمورة، بخلاف باقي الطيور التي تفضل البساتين والمناطق الخالية من الناس.
وأشار إلى أن أعداده الكبيرة تجعل الناس يرونه أينما تواجدوا، ويتميز بروعة شكله الانسيابي، وجمال ألوانه، وذيله الذي يشبه ذيل السمكة، لكنه يستغرب من عدم وقوفه على الأرض، ونادراً ما يشاهد واقفاً على أسلاك الكهرباء، وتكون هذه من الفرص النادرة لرؤيته عن قرب والتمتع بجماله.
وأشار إلى أنه يستيقظ في الصباح على غناء وزقزقة طائر السنونو، الذي يتواجد بكثرة في الحي الذي يعيش فيه.
ويعتقد الطهراوي أن لهذا الطائر فوائد جمة، من بينها التقاط الحشرات الطائرة، خاصة الذباب وغيرها من الأنواع الضارة.
بعيدة عن الصيادين
ولا تقع طيور السنونو في شباك الصيادين أو فخاخهم، نظراً لعدم نزولها إلى الأرض.
ويؤكد أحد صيادي الطيور، أن السنونو لا يقع ضمن دائرة اهتمام الصيادين مطلقاً، ولا أحد منهم يفكر بصيدها، نظراً لعدم وقوفها على الأرض مطلقاً، ولصعوبة عيشها في القفص، كونها تتغذى على الحشرات الطائرة، خاصة الذباب.
وأوضح الصياد الهاوي محمود عرفات، أن هذه الطيور الجميلة بقاؤها في الهواء أفضل من صيدها، لأن الطائر إذا وقع في الأسر لا يمكن أن يعيش، كون طعامه غير متوفر، وأرجله القصيرة، لا تمكنه من الوقوف في القفص، كما أنه من الطيور الحرة، التي لا تحتمل الأسر مطلقا، فهو يقضي نهاره محلقاً في الهواء.
ونوه إلى أن بعض دول أوروبا تتخذ من صورة السنونو رمزاً وطنياً، وذكر في أغنيات وأشعار كثيرة، وهذا الطائر يستحق الرعاية والاهتمام.
معلومات عن الطائر
ووفق خبراء البيئة، فإن الطيور المذكورة، تعتبر من فصيلة طيور تنتمي إلى رتبة "العصفوريات"، "Passeriformes"، وتتميز بأجنحتها الطويلة، والتي تسمح لها بمناورة كبيرة والتحمل الشديد، لديها مناقير قصيرة، ولكن الفك قوي وبه فجوة واسعة، يتراوح طول الجسم من 10 - 24 سم، ووزن الواحد حوالى 10 - 60 غراما، الذيل فيه حوالى 12 ريشة طويلة، يزيد القدرة على المناورة.
وقال الباحث في التنوع الحيوي والبيئي أيمن دردونة، إن السنونو طائر شائع الوجود حول المسطحات المائية والمناطق الزراعية.
وأكد دردونة في حديث مع صحيفة "الأيام" الفلسطينية، أن هذا الطائر يتواجد بشكل شائع في المناطق الزراعية، حيث يبني أعشاشه على المنشآت الزراعية، ويتواجد أيضا حول القرى الصغيرة، وهو طائر معروف حتى لغير العاملين في مجال مراقبة الطيور.
ونوه إلى أن السنونو يتغذى بشكل أساسي على الحشرات التي يصطادها خلال الطيران فوق الأراضي المفتوحة والمسطحات المائية، حيث يشاهد وهو ينزلق قرب سطح الأرض، ويقضي السنونو معظم وقته في الجو سواء لاصطياد فرائسه من الحشرات، أو التمتع المحض بالطيران والاستعراض، ويشاهد بأعداد كبيرة أثناء فترة الهجرة جاثما على أسلاك الكهرباء والتلفونات وأسلاك السياج.
والسنونو من الطيور الشائعة في فلسطين، وخاصة في منطقة وادي الأردن، أعداد كبيرة منه تعبر فلسطين خلال مواسم الهجرة.
يبدأ في بناء أعشاشه في شهر آذار من كل عام، والعش عبارة عن كأس من الطين مدعم بمواد نباتية، ممزوج بلعابها، وهذا الشكل من البناء تنفرد به عن بقية الطيور، ويكون شكل العش فريداً وغريباً.
ووفق دردونة تتواجد أعشاشه أحيانا في المباني والحظائر وتحت الجسور وبالقرب من الحقول والأراضي المفتوحة، أما أنثى السنونو فتضع أربع بيضات في المتوسط، وتكون منقطة عادة، وكباقي أنواع الطيور، يهتم الزوجان بالفراخ حتى تكبر.
وأكد دردونة أن هناك بعض المخاطر التي تواجه طائر السنونو، منها الإفراط في استخدام المبيدات الحشرية، التي تقضي على الفرائس الأساسية له من الحشرات، كما أنه يتعرض للتسمم الثانوي، وكذلك تدهور الحقول الزراعية.
وأكد أن السنونو يهاجر من أوروبا بداية شتاء كل عام، يفر من البرد القارس إلى دول عدة من بينها سوريا وليبيا وفلسطين ومصر وغيرها، وتكون هجرته على شكل أسراب مكونة من 60 إلى 80 طائر للسرب الواحد، ومع بداية الربيع تعود الأسراب إلى أوروبا مجددا للتزاوج والتفريخ.
وذكر هذا الطائر الجميل في التراث الفلسطيني كثيراً، وارتبط ببعض الحكايات والقصص الخيالية، التي رددها الآباء والأجداد، أبرزها أنه في خصام مستمر مع الأرض، ولا يقف عليها مطلقاً.