بعد خمسة أيام أسدل الستار على أعمال المؤتمر العام السابع لحركة فتح ، المؤتمر الذي أثيرت حوله الكثير من التساؤلات والتكهنات والتحليلات والتأويلات ، وهو المؤتمر الذي استحوذ على اهتمام أوساط واسعة رسمية وسياسية وإعلامية وشعبية ، وعلى جدل وصل حد الهرج والمرج . ولكن اللافت ما استخدمه البعض قبيل وخلال انعقاد المؤتمر من أسلحة الإساءة والتشهير في البعض الآخر ، ما استلزم تدخل رئيس السلطة وحركة فتح السيد أبو مازن بهدف وقف ما أسماه المهزلة ، وهي كذلك .
إذاً انتهت أعمال المؤتمر وهو ما أُطلق عليه ب" جهادهم الأصغر ، ليبدأ " جهادهم الأكبر " ، بمعنى البدء بالترجمات العملية لقرارات وتوصيات المؤتمر ، من قبل اللجنة المركزية للحركة التي هبط على مدرجها عدد من الوجوه الجديدة ، لتغادرها بالمقابل وجوه ، ليس من المعلوم أن يعود إليها البعض من خلال ما منحه النظام الداخلي للحركة لرئيسها في تعيين أربعة أعضاء يسميهم هو ، وحتى الآن المؤشرات تذهب باتجاه التعيين من خارج هؤلاء الراسبين ديمقراطياً من عضوية اللجنة المركزية ، وهذا انطبق على المجلس الثوري – " على الدوام الكولسات والتحالفات تفعل فعلها ، وبالمناسبة حالة متفشية عند الجميع " - . هنا ما يعنينا من نتائج المؤتمر هو ما يتعلق بالقيمة المضافة بالمعنى السياسي والوطني على برنامج الحركة ، وما هي الخلاصات والاستخلاصات التي خرج بها المؤتمر من خلال النقاش المعمق الذي خاضه المؤتمرون لمرحلة ما بين المؤتمرين السادس والسابع ، وهي تمتد لسبعة أعوام كانت حافلة بالتطورات والأحداث الكبرى ، حيث لم تكن المنطقة ودولها قد أُدخلت في دائرة العنف والدم والنار والقتل تحت مظلة مخترعة أسمها " الربيع العربي " الأحلك ظلمة وسوداوية منذ أكثر من مئة عام . هذه الإضافة التي اتنظرناها من قبل المؤتمر ، من الواضح أنها لا تأتي عند محط الكثيرين ، وهذا منطقي وموضوعي جداً ، من خلفية أن للنتائج مقدماتها ، وهذه المقدمات لم تتغير بين مرحلة انعقاد المؤتمرين السادس والسابع ، بل ذهبت الرؤية السياسية لرئيس السلطة إلى أبعد الحدود في الرهان على التسوية والمفاوضات ، رغم انسداد أفقها تماماً بسبب السياسات " الإسرائيلية " . لذلك الرسالة السياسية في الأساس هي قد وصلت قبل أن يُنهي المؤتمر أعماله ، فالخطاب الذي ألقاه السيد رئيس السلطة على مساحة زمنية امتدت لثلاث ساعات لم يُغير في رؤيته ومواقفه أي شيء ، بل أكد عليها بالكامل . ليُشكل خطاب أبو مازن العناوين التي حملها البيان الختامي .
وفي استعراض لما تضمنه البيان من نقاط كان اللافت أن بعضاً منها خليط من مغالطات ومتناقضات ومبهمات :-
• صحيح أنه أكد على حق الشعب الفلسطيني في المقاومة ، ولكن عطف عليها وصف المشروعة . وكأنما هناك مقاومة فلسطينية مشروعة ، ومقاومة مشكوك في مشروعيتها ، التي تستقيها من مشروعية حقنا التاريخي ، وإرادة وتصميم شعبنا وتضحيات أبنائه .
• التأكيد على ضرورة التصدي للانقسام البغيض وإنهائه ، لإنجاز المصالحة الوطنية . كيف يكون التصدي والحركة هي أحد مكونات هذا الانقسام البغيض . ومن ثم كيف السبيل إلى إنجاز المصالحة ولم تلمس لا الفصائل والنخب ولا الشعب الفلسطيني أية جدية في هذا السياق ، وإذا ما حصل التحرك نحو حوارات بهدف إنهاء الانقسام ، فإن ما يملي هذا التحرك هو ضرورات وحسابات خاصة من خارج الحسابات الوطنية ، والأمثلة كثيرة .
• وإن حيا البيان صمود شعبنا في الداخل الفلسطيني ، ولكنه تعمد التغافل عن ذكر الانتفاضة وتضحيات شهدائها وأسراها وجرحاها . مما يعنيه من تبرأ من تلك الانتفاضة ، وكأنها رسالة للاحتلال سيستغلها في إظهار من البطش والإجرام بحق أبناء شعبنا .
• إن تأكيد البيان في اعتماد " فتح " ومنظمة التحرير الفلسطينية على إستراتيجية توسيع قنوات الحوار والتواصل مع مختلف مكونات المجتمع " الإسرائيلي " ، يطرح سؤالاً ، هل الانفتاح على هذه المكونات قد حدّ أو أوقف الممارسات الإجرامية بكل عناوينها وأشكالها ؟ ، وما هي الجدوى من هذا الانفتاح طالما أن هذا الكيان يجنح نحو المزيد من التطرف والعنصرية التي يمارسها بكافة الأشكال ، والاستيطان والتهويد وقانون منع الآذان وغيره من القوانين تمثل نموذج ورؤية يفرضها الاحتلال يومياً .
• التأكيد على وجوب عقد المجلس الوطني الفلسطيني خلال فترة ثلاثة أشهر ، إنما يأتي في سياق الاستحواذ والتفرد الذي تمارسه حركة فتح في فرض هيمنتها ومشيئتها على منظمة التحرير ومؤسساتها الوطنية من خارج الاتفاق والتوافق مع الفصائل الفلسطينية .
• وأكد المؤتمر الوقوف إلى جانب المملكة العربية السعودية في مواجهة الإرهاب ، وضد قانون " جاستا " الأمريكي ، الذي لا يُسهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة . أن البيان على مواجهة الإرهاب أمر غاية في الأهمية ، أما وإن كان الأمر يتعلق بالسعودية ، فمؤسف الخلط لأن من يتضامن معها هي التي ترعى الإرهاب في العديد من الدول العربية ، وتسهم في تقويض دول وأنظمة سيقود بنتائجه حتماً لصالح دولة الكيان " الإسرائيلي " ، التي تهرول السعودية لتطبيع علاقاتها معها على حساب قضيتنا وقضايا العرب والمسلمين ، في محاولة بائسة لاستبدال أولويات الصراع ، ليتحول مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية . كما ندد البيان بشدة بمحاولة استهداف مكة المكرمة بالقصف الصاروخي الذي يفتقر إلى الأدلة على ذلك ، بينما المجزرة المهولة التي ارتكبها طيران التحالف السعودي في اليمن مدموغة بدماء المئات من الأبرياء . لذلك ومن روحية البيان الداعي إلى عدم التدخل في الشؤون العربية ، إذاً الأجدر هو الوقوف على مسافة واحدة من الجميع .
• وكما أكد المؤتمر وقوفه إلى جانب جمهورية مصر العربية في مواجهة الإرهاب ، ونحن كذلك نؤكد وقوفنا إلى جانب الأشقاء في مصر ، ولكن هناك أيضاً من يتعرض لأشرس حرب إرهابية ، في سورية والعراق واليمن وليبيا . الكيان " الإسرائيلي " منخرط في تلك الحرب إلى جانب المجموعات الإرهابية بكل مسمياتها .
إنّ البيان الختامي ، ومن قبله خطاب رئيس السلطة وحركة فتح ، لم يأتيا بجديد ، بل هما في سياق تأكيد المؤكد على المسار السياسي الطويل الذي تنتهجه حركة فتح منذ " أوسلو " . وهذا ما رأى فيه المتفائلون أنه جاء مخيباً لآمالهم في أن يُحدث بنتائجه نقلة نوعية على صعيد الحياة السياسية الفلسطينية وتحصينها في ظل تعاظم التحديات ، وسط منطقة متفجرة ستطال شرارات نيرانها وحرائقها الكثير من دول الإقليم والعالم .
بقلم/ رامز مصطفى