الانتفاضات الفلسطينية في مسار النضال الوطني الفلسطيني

بقلم: عباس الجمعة

أثبت الشعب الفلسطيني كما كان دائما انه يمتشق من انتفاضاته سلاح الارادة والحجر ، وعندما نتحدث عن ذلك نقف امام الذكرى السنوية للانتفاضة الفلسطينية الكبرى الاولى التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه ولا أقصد هنا تاريخ الشعب الفلسطيني أو المنطقة العربية فحسب، بل أشير إلى التاريخ العالمي، وشكلت نموذجا طليعيا في مسيرة النضال الوطني، لتشكل بعد مؤتمر مدريد واتفاق اوسلو بوصلة انتفاضة الاقصى عام 2000 ، ولتحتل هذه الانتفاضة التي اتت ردا على كامب ديفد 2 وتدنيس المسجد الاقصى من قبل الارهابي شارون نقطة تحول في الموقع والمكانة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وها هي تفاعلاتها على مختلف الصعد والساحات تتواصل حاملة شتى الاحتمالات.

واليوم توالت بوادر ما قد تصح تسميتها بانتفاضة القدس، حيث تقدم شابات وشباب فلسطين في الضفة والقدس وغزة إلى صدارة المشهد، وفي سلسلة عمليات بطولية بأساليب مبتكرة، ردا على الوحشية الصهيونية ،

وبدلا من انتظار تعاطف ما يسمى بالمجتمع الدولي، أو التعويل على خرافة استئناف المفاوضات من أجل المفاوضات، وهي تؤكد على وحدة الدم بين القدس والضفة مع غزة ، ولتعيد تشكيل موازين القوى، من خلال وحدة الشعب الفلسطيني ، وجعل قضية التحرير الوطنى عنوانا رئيسا لكافة قوى وفصائل العمل الوطني الفلسطيني .

من هنا نرى ان تكامل الانتفاضات الفلسطينية يجب ان يستمر ويتصاعد ويتجدد في مسيرة النضال الوطني ، ونحن على ثقة بأن الشعب الفلسطيني يمتلك الارادة والاستمرار بمواصلة مسيرة الكفاح الوطني حتى الظفر بالحرية والاستقلال.

ونحن ننظر الى ما صدر عن مؤتمر حركة فتح السابع ، ونتطلع الى بلورة موقف فلسطيني موحد ، لأن ما ابتدعته انتفاضة القدس والمقاومة الشعبية ولجان المقاطعة ، يستدعي ضرورة إيلاء المزيد من الجهد والاهتمام في هذه العملية الكفاحية الطويلة، وليصار إلى إيجاد الصيغ المناسبة لضمان مشاركة جميع القوى والفصائل ،هذه مهمة ينبغي أن تبقى ماثلة أمام أعيننا جميع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية .

وفي ظل هذه الظروف نؤكد بأن انتفاضة القدس اخذت الكثير من العبر والدروس من الانتفاضة الاولى بالمعنى الديمغرافي حيث شملت الانتفاضة الرجال والنساء والشباب والشيوخ والأطفال، ، فكان الشعب الفلسطيني طوال عام الانتفاضة ، يصنع ملحمته الوطنية كل في ميدانه ووفق طاقاته واختصاصاته، وكرست لدى أبناء شعبنا منظومة من القيم والمفاهيم والعلاقات الأخلاقية والاجتماعية الجديدة، التي تنسجم مع خصائص مرحلة الانتفاضة، ولا نبالغ في شيء إذا قلنا أن سمات الوضع الثوري الذي تعيشه أرضنا المحتلة قد بدأت تنعكس على كل بيت وأسرة ومواطن في فلسطين المحتلة، وان صمود الشعب الفلسطيني أقوى من كل هذه الإجراءات الفاشية للاحتلال ، وليس عنده اي استعداد لاية مشاريع مشبوهة للقبول بها، مهما غلت وتعاظمت التضحيات. ولقد بات يحدونا كبير الأمل في أن نتيجة هذا الفصل الجديد من فصول الصراع الفلسطيني- الصهيوني والعربي- الصهيوني، سوف تحسم لصالح شعبنا ، لذلك على جميع القوى والفصائل التمسك بما جاء في إعلان الاستقلال وسلسلة الاعترافات الدولية المتتالية بالدولة الفلسطينية، والنفوذ الهام الذي بدأت تحتله القضية الفلسطينية على الساحة الدولية، ، هذا بالإضافة إلى عشرات القرارات الدولية والإقليمية، فضلاً عن أجواء العزلة الخانقة التي باتت تحيط بكيان الاحتلال على الساحة الدولية.

أن الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال قد تلمس بتجربته الحسية المباشرة خياره الوحيد خيار الاستمرار في انتفاضاته ومقاومته ، وباتت القضية الفلسطينية هي القضية التي تستأثر بالبحث والاهتمام، رغم إدراكنا العميق للعقبات والعراقيل العديدة التي مازالت تعترض سبيل هذا الحل، ورغم إيماننا التام بأن المسافة بين قيام الدولة فعلياً على الأرض مسافة طويلة ومريرة معبدة بالشهداء والتضحيات والعذابات.

لقد انهمكت الساحة الفلسطينية بالبحث في الأسئلة والاستحقاقات ذات الطابع السياسي المباشر والتكتيكي المتصل بالحركة السياسية ونضال الشعب الفلسطيني، من نوع المؤتمر الدولي، وليس من شك في أن هذا أمر طبيعي وضروري، فالاستحقاقات التي داهمت العمل الوطني الفلسطيني ، وهذا يتوجب الوقوف بتأن أمام كل ذلك، وخاصة اننا ما نزال من المؤمنين بأن قيمة أي تكتيك أو شعار مرحلي، إنما تكمن في قدرته على اختصار المسافة نحو تحقيق الاستراتيجية ، وباعتبار ان انتفاضة القدس والمقاومة الشعبية محطة نوعية في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني يمكنها أن تؤسس كمحطة نوعية جديدة في مسيرة النضال الوطني التحرري العربي.

إن العامل الفلسطيني بات عصياً على القسمة والاحتواء والوصاية والهيمنة من أي طرف كان، فالحضور الفلسطيني في ميادين المواجهة على أرض الوطن أو في المعارك الدبلوماسية أكبر من أن يجري الالتفاف عليه أو أن يوضع في أدراج هذا النظام أو ذاك وبات لاستقلالية القرار الوطني الفلسطيني تجسيداتها وتجلياتها التي لم يعد بمقدور أحد أن يقفز فوقها.

إن القضية الفلسطينية باتت تطرح وبكل القوة على الساحة الدولية بوصفها قضية تقرير مصير لشعب حرم من هذا الحق طوال أكثر من تسعة وثمانون عاما ، حيث هناك بارقة الأمل التي تحفز نضاله الجبار، وبات من الحقائق الثابتة أن هذه المسيرة المخضبة بدماء الشهداء ،ولسنا نبالغ في شيء إذا قلنا ان انتفاضات فلسطين التي يسطرها جيل الشابات والشباب ستدق حجارتها ناقوس الخطر ، لدخول مرحلة نوعية في وجه أطماع الاحتلال ومشاريعه ، ولن تتوقف مسيرة النضال حتى تحقيق راية العودة والحرية والاستقلال.

امام كل ذلك نرى إن سلاح النقد، والمراجعة، وتقييم المسيرة، وتسليط الضوء على كل ما رافق التجربة الوطنية والنضالية من أزمات ومشكلات هو نقطة البدء في هذه المسيرة الكفاحية الطويلة ، ورسم استراتيجية وطنية تستند لكافة اشكال النضال من خلال منظمة التحرير الفلسطينية بمختلف اتجاهاتها الوطنية ، والعمل على تحويل المقاومة والانتفاضة إلى محطة نوعية جديدة في مسيرتنا الكفاحية، من اجل الوصول الى شواطئ الحرية والاستقلال والعودة متظافرة مع جهود ونضالات شعبنا على ارض فلسطين والشتات ومع دعم وإسناد الأشقاء والحلفاء على المستويين القومي والأممي.

ختاما : لقد آن الأوان لكي نكف عن ترديد عبارات الأزمة أو "المصاعب" التي نواجهها ، وآن الأوان للشروع عملياً في رسم مسار الخروج من هذه الأزمة، ولست أتجنى على أحد إذا قلت أن الذين يقرون بهذه الأزمة ويتحدثون عنها هم المطالبون قبل غيرهم بالقيام بهذا الدور وبقرع ناقوس الخطر، ونحن بالطبع من ضمن هؤلاء، فنحن بحاجة الى الحفاظ على مسيرة الشهداء والاسرى حتى نيل شعبنا حقوقه الوطنية المشروعة .

بقلم/ عباس الجمعة