نشر صندوق الأمم المتحدة للسكان الأسبوع الماضي دراسة بالغة الاهمية بعنوان "فلسطين 2030- التغير الديموغرافي : فرص التنمية".
وتظهر هذه الدراسة ،التي آمل أن يطلع عليها كل من له علاقة بصنع السياسات أو التنمية أو الحكم في فلسطين، التحولات الديموغرافية الجارية في فلسطين مع توقعات لما سيكون عليه حال السكان عام 2030 وكذلك في عام 2050.
وتتوقع الدراسة أن يرتفع عدد سكان الضفة الغربية بما فيها القدس من 4.7 مليون في سنة 2015 الى 6.9 مليون سنة 2030 ، والى 9.5 مليون وربما أكثر في عام 2050.
المفاجأة أن عدد سكان قطاع غزة عام 2050 سيكون أكبر من عدد سكان الضفة الغربية ( 4.8 مليون لغزة مقابل 4.7 مليون للضفة).
إذا إفترضنا أن نسبة نمو عدد الفلسطينيين داخل أراضي 1948 ستكون مماثلة أو أقل قليلا فأن عدد الفلسطينيين فوق أرض فلسطين التاريخية عام 2030 لن يقل عن 9 ملايين نسمة.
وفي ذلك مغزى مهم للإسرائيليين الذين يعملون ليل نهار على القضاء على فكرة الدولة الفلسطينية ، التي لن يكون لها بديل مهما فعلوا إلا دولة ديمقراطية واحدة .
غير ان الكم وحده لا يكفي فنوعية الاقتصاد والتنمية وتوظيف القوى البشرية عامل حاسم.
اذ تشير الدراسة الى أن التنمية لن تنطلق الا بإزالة الاحتلال وازالة الاستيطان وتحقيق الاستقلال الحقيقي والسيادة .
ويحدد النمو السكاني الاحتياجات الفلسطينية للتنمية في ثلاثة مجالات لا غنى عن أي منها، الصحة والتعليم وإيجاد فرص عمل للقوة العاملة الفتية.
وهذا يعني أن جل تنمية الصمود يجب أن يركز على مشاريع الصحة والتعليم وخلق فرص العمل.
ولعل أهم مؤشرات الدراسة أنها تشير الى أن القوة العاملة ستنمو بسرعة أكبر من سرعة نمو عدد السكان ، وخاصة بسبب ارتفاع نسبة النساء المتعلمات اللواتي سيصبحن جزءا من القوة العاملة. وهذا النمو في القوة العاملة، الذي سيقلل من مستوى نسبة الاعالة والاعتمادية، هو ما تتمناه كل دولة في العالم، ويعود سببه الى فتوة المجتمع الفلسطيني، لأنه يعنى أن نسبة الناس القادرة على الانتاج سترتفع بوتيرة أعلى من نسبة المعتمدين عليهم.
غير أن هذا الكنز والمنجم البشري، الذي يمكن أن يشكل رافعة هائلة للتطور الاقتصادي والإنساني، يمكن ان يتحول الى كارثة إن لم يتم فورا وضع سياسات تضمن تخفيض نسبة البطالة، وخلق فرص عمل للشباب المتعلم في الضفة والقدس والقطاع.
وهذا يعني تغيير كل السياسات والموازنات القائمة على تشجيع الإستهلاك والقطاعات غير المنتجة كالبناء والإستهلاك الخدماتي والأجهزة الحكومية، إلى قطاعات تعزز الصمود وتخلق فرص العمل المنتجة والقادرة على التوسع للأجيال الجديدة.
سيكون لدينا عام 2030 اربعمائة الف طالب جامعي ولا يمكن تخيل أن تستطيع الجامعات استيعابهم إو أن يستطيع أهلهم توفير نفقات تعليمهم دون إقرار " قانون الصندوق الوطني للتعليم العالي" الذي ينتظر التنفيذ منذ عشر سنوات.
وسيصل عدد طلاب المدارس الى مليوني طالب وطالبة. ولكم أن تتخيلوا عدد المدارس التي سيحتاجونها علما بأننا سنحتاج الى 32 ألف معلم اضافي منهم 23 الف في قطاع غزة .
حسب الدراسة، لدينا اليوم 767 مركزا صحيا للرعاية الأولية وسنحتاج الى 1114 مركزا عام 2030 اي 350 مركزا إضافيا ،وهذا ما يجب أن يدركه بعض المسؤولين الذين لا يعبأون بأهمية الحفاظ على المراكز الصحية القائمة والعمل على تطويرها.
ولن يمكن تلبية الاحتياجات التعليمية والصحية، وحتى الحفاظ على مستواها الحالي بدون تعاون فعال بين المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني .
أخطر مؤشرات الدراسة تعاظم نسب الفقر في القدس، بسبب التضييقات الإسرائيلية ، وانعدام سياسات تركز على دعم صمود المقدسيين وتطوير وسائل حياتهم.
بإختصار مؤشرات الدراسة تشير الى أربعة أمور:
1- أن اسرائيل فشلت وستفشل في وأد الوجود الفلسطيني البشري على أرض فلسطين.
2- إن التنمية الحقيقية مستحيلة بدون كسر العقبات السياسية التي سببتها اسرائيل ولذلك فإن مهمة النضال لازالة الاحتلال والإضطهاد العنصري هي عنصر استراتيجي لتحقيق التنمية.
3- إن السياسات العامة يجب أن تتغير بسرعة لتركز على دعم الصحة والتعليم وخلق فرص العمل.
4 – إن لدى فلسطين منجم ذهب واعد من القوة البشرية ولكن هذا المنجم يمكن أن يتحول الى كارثة إن لم يتم التركيز فورا على حل مشاكل البطالة بين الشباب المتعلم في الضفة والقدس والقطاع.
بقلم/ د. مصطفى البرغوثي