هل يرتقي المسؤول إلى مستوى تضحيات شعبه

بقلم: عباس الجمعة

يبدو ان مفهوم المجتمع المدني عند معظم الكتاب مفهوما بسيطا , وموصوعا سهلا للدراسه, لانه الشعار الوحيد المطروح حاليا , في الخطاب المطلبي لكافة القوى والاطياف السياسيه ، سهلا للدراسه, لانه الشعار الوحيد المطروح حاليا , في الخطاب المطلبي لكافة القوى والاطياف السياسيه , على حد سواء مشاركة او غير مشاركة في الحكومات , وتتفق جميع القوى السياسبه على هذا العنوان في جميع الاحتفالات التي تقيمها , بحيث يمكن القول ان عبارة شعبنا اصبحت العنوان الرئيسي في الخطاب النخبوي, على حساب مفاهيم وعبارات كانت اقرب الى الواقع وما زالت , واكثر قدره على مخاطبة العقل النخبوي , واكثر تفاعل مع الجماهير , وأقصد بذلك مفاهيم التحرر والتنمية والعدالة الاجتماعية والتقدم والوحدة والاشتراكية والعداء للإمبريالية رغم حدة الصراع مع العدو الصهيوني ومشروعه التوسعي الاحلالي الاستيطاني الكولونيالي.

استطاع الشعب العربي الفلسطيني أن يبلور شخصيته الوطنية والقومية من خلال انخراطه في ميادين المواجهة البطولية مع المشروع الإمبريالي-الصهيوني منذ أن بدأت عواصفه تهب على الوطن العربي.

الشعب العربي الفلسطيني في كل مناطق تواجده وانتشاره، داخل فلسطين المنكوبة باحتلالي 1948 و1967، واحدٌ مُوَحد في نضاله ضد المشروع الصهيوني وكيانه الاستعماري الفاشي ومستعمراته، بالكفاح المسلح والجماهيري، وكل أشكال النضال التي يبتدعها شعبنا في مسيرته على طريق تحقيق أهدافه في التحرير وعودة اللاجئين لمدنهم وقراهم وبيوتهم وممتلكاتهم. اقتلاع وطرد الشعب العربي الفلسطيني بالمجازر والمذابح من أرضه، أدت لتواجد مؤقت لجزء منه في العديد من الأقطار العربية، يعمل من أجل عودته لوطنه، رافضاً كل أشكال التوطين، لهذا، فإن الحكومات والجماهير العربية مطالبة بتوفير أفضل الظروف لإقامته، ليعيش بكرامة، داخل المخيمات وخارجها، لأن بعض الجهات المشبوهة، تعمل بشكل منهجي على "شيطنة" الفلسطيني ومعاداته ونبذه.

الخطاب لم يعد يفيد امام معاناة الشعب الفلسطيني ، عندما تنظر الى شعب يعيش في قطاع غزة في مأساة ضمن بيوت زينكو بنيت له بعد الحرب الاخيرة تتأثر بشكل كبير وعندما تجد حالة البؤس في مخيمات الضفة تقف وتفكر ، وعندما ترى مأساة النازحين من مخيمات سوريا تسأل ماذا يفعل الخطاب السياسي والتصفيق ، وعندما نرى طفل او انسان مريض يقف عاجز في بعض الاحيان عن العلاج نتيجة مماطلة الاونروا في اعطائه تحويل تسأل ، بينما منظمة التحرير تغطي له عشرون بالمائة فتتأثر ، كما عندما تجد طالب يريد استكمال تعليمه الجامعي ويمد يد العون لم يراها من احد ، واذا اعطي من صندوق الرئيس لم يعطى المنحة الجامعية كاملة الا اذا حصل الطالب على علامات كبيرة ، وعندما ترى مناضل قضى حياته من اجل فلسطين ولم يحصل عن حقوقه باعتباره ليس محسوبا وينتظر الوعود تحزن ، وهنا يبقى السؤال الاهم الذي يحتاج إلى حكمة في الرؤية.

الخطابات والتصريحات والوعود لم تعد تفي بالغرض... ثمة طقس يخيم على المشهد الذي ينقلب بشدة نحو الهاوية، فالشعب الفلسطيني يستحق من الجميع وقفة جادة ومسؤولة وخاصة الذين يعيشون المأساة في قطاع غزة مع قدوم فصل الشتاء لانها لم تعد تنفعهم الخطابات والتصريحات المستمرة والإطلالات الإعلامية، بوعود ، فهم يتطلعون اليوم الى اعمار ما تهدم من منازلهم ،كما ابناء مخيم نهر البارد .

من موقعنا نقول ان على كافة القوى ان تتحمل مسؤوليتها لان الشعب الفلسطيني قدم تضحيات جسام ، والشباب الفلسطيني يقدم اليوم من خلال انتفاضته الباسلة دمائه الذي لا تعرف حدوداً.

امام كل ذلك نرى ان مرحلة النضال تتطلب أفكاراً ومبادئ سياسية جديدة وتحويل النظري إلى واقع ملموس، وبالتالي النهوض بالمجتمع الذي يقدم التضحيات وايجاد الحلول لمشاكله واوضاعه.

وفي ظل الظروف الراهنة لا يجوز ان تبقى شعاراتنا برّاقة ، بل مطلوب تُرجمتها إلى لغة واقعية حتى تنهض بمستقبل المجتمع بكل شرائحه وأطيافه المتنوعة والمتعددة، لأن شعاراتنا لم تعد تناسب الواقع ، إضافة إلى عوامل عديدة أخرى، منها غياب الحياة السياسية بشكل عام، والاتجاه نحو تكريس النمط الاستهلاكي وتهميش الفئات الواعية والنَّشِطة في المجتمع، والتضييق المتواصل على حرية الرأي ، واستشراء الفكر الديني الذي سلب العقول والألباب نتيجة عدم القدرة على معالجة المشاكل سواء الاقتصادية أو الاجتماعية وغيرها، لهذا فأن المجتمع بحاجة الى تقديم الحلول المنطقية والمقنعة لمن يحملون عقولاً مفكّرة، بدلا من الوضع الذي يسوده حالة اقتصادية متردية باتت تتطلب من كل إنسان أن يلهث وراء لقمة عيشه خائفاً من هدر أيّة لحظة ممكن أن يستفيد منها في أمور لم يعد يرى بها جدوى أمام معاناة اسرته وأبنائه، فصار شغل الناس الشاغل السعي الحثيث وراء لقمة العيش.

ان إدارة دفة التطور للمجتمع بالاتجاه الصحيح، ومعالجة الامور المزمنة، من خلال مؤسسات منظمة التحرير رغم تقديماتها سواء ما يخص اسهامات الضمان الصحي في دعم المرضى او صندوق الطالب فيما يخص الاسهام الجزئي في اقساط الطلبة الجامعيين او مشروع التكافل الاجتماعي للاسر الفقيرة او مضاعفة رواتب اسر الشهداء ومشروع القروض الميسرة بقيت دون الاحتياجات المطلوبة للاجئين، الأمر الذي يتطلب مضاعفتها لرفع نسبة المساهمة في التقديمات الصحية والتعليمية والاجتماعية بما فيها توفير الضمان الصحي والاجتماعي لاسر الشهداء ، اضافة لتحسين خدمات الهلال الاحمر الفلسطيني ورفع جودة الخدمة وتوفير التجهيزات الحديثة وتأمين الكفاءات الطبية في كافة الاختصاصات وتأمين الدواء خاصة لاصحاب الامراض المستعصية.

ان استعراض حال اللاجئين تبرز مستوى المعاناة الصعبة نتيجة تراجع خدمات الاونروا ومحدودية تقديمات م.ت. ف ما يستدعي منا جميعا العمل لوضع رؤية موحدة تستجيب لمصالح ابناء شعبنا ، وعليه فاننا ومن موقع المسؤولية اتجاه الشعب الفلسطيني نتطلع الى الجميع من اجل وضع رؤية وبرنامج عمل موحد لواقع اللاجئين الفلسطينيين بما يصون حقوقهم الوطنية والاجتماعية ويوفر لهم الحياة الانسانية التي تليق بهم .

ورغم كل الظروف استطاع اللاجئون الفلسطينيون من خلال إصرارهم على النضال لاستعادة حقهم بالعودة، أما الأجيال التي ولدت على أرض الوطن في ظل الاحتلال فقد عايشت قسوة القمع من المحتل، ومهانة ومذلة الاحتلال، فزادهم ذلك تحديا وأكسبهم عزيمة لا تقوى عليها كل آلاته العسكرية وترسانته الحربية، لهذا نحن ندرك أن هذه المسيرة مليئة بالالغام والمطبات، والشعب الفلسطيني قادر على تجاوزها بسلام إذا عملنا على تجميع قوانا، فالشعب الفلسطيني يمتلك جيل من الشباب أثبت استعداده الكبير للتضحية بإرادة وعزيمة كبيرة.

لذلك فعلى الجميع أن يعطي الشباب الاهتمام الكافي باعتبارهم شريحة هامة في المجتمع فهم يعانون من مشكلاته العامة ويواجهون أيضاً مشكلات خاصة به على كافة الصعد الوطنية، و السياسية، والاجتماعية، و الديمقراطية، لدرجة أصبح معها من الصعب تخيل التغيير المنشود دون تحرير وإطلاق طاقات الشباب المكبلة بقيود سياسية واقتصادية واجتماعية .

ان الشعب الفلسطيني رغم معاناته ما زال يواصل مسيرته النضالية متمسكا بهويته وبممثله الشرعي الوحيد منظمة التحرير الفلسطينية ويتطلع الى توفير مقومات صموده ودعم نضاله من اجل انتزاع حق العودة الى دياره وممتلكاته التي شرد وهجر منها عام 1948، إن ضرورة وحدة الموقف الفلسطيني وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية على أسس اتخاذ القرار، واحترام المؤسسات، وفي الاعتماد على الشعب، لأن انتصار نهج المقاومة في فلسطين، مرتبط عضوياً بعمقه العربي، والإسلامي التحرري والأممي الإنساني المناهض للصهيونية والإمبريالية والعنصرية.

ختاما : اذا أردت أن تصنع أسرة فقيرة ومجتمعا فقيرا فما عليك إلا أن تحضر أسرة غنية ومجتمعا غنيا ورجال دين أغنياء ودعاية سياسية مناهظة للحرية والإستثمارات الحرة ، وعليك أن تحضر أيضا مفسرون للأحلام يصلون بالفقراء إلى السماء السابعة ويصلون بالأغنياء إلى أعلى مرتبة دنيوية ، وحتى يبقى الفقراء والكادحون في مقدمة مَن يدفع الثمن ، بل هم الوحيدون الذين يدفعونه ، مع أنّ الحرب لايصنعها الفقير ، ولايريدها ، وليست له فيها مصلحة كالتي لدى مَن يشعل نارها، لهذا في الحياة ، على هذا الكوكب الملتهب البائس ، هناك دائماً ، شخص يزرع ، وآخر يحصد.. فاذا كان المتنفذون ( يزرعون ) الالغام ، فأنّ الفقراء هم الذين يسيرون عليها مجبرين، واذا كان الفقراء يزرعون الشجر ، فأنّ المتحكمين هم الذين يتفيئُون تحت ظلالها.

بقلم/ عباس الجمعة