أعراس هذه أم مآتم؟

بقلم: طلال عوكل

أنهى المؤتمر السابع لحركة فتح أعماله دون أن تنتهي تداعياته السلبية والإيجابية، لكن الصخب لا يزال مستمراً وردود الفعل على هذا المؤتمر التاريخي لم تظهر بعد، لا على المستوى السياسي ولا على مستوى العلاقات الداخلية الوطنية.
إسرائيل تواصل سياساتها وتشريعاتها العنصرية والاحتلالية، غير آبهة بأي ردود فعل أو شكاوى من أي طرف فلسطيني أو عربي أو دولي، بينما لا يزال الفلسطينيون والعرب يتلكؤون دون أسباب مقنعة.
آخر استطلاعات الرأي التي أجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أظهر أن المجتمع الفلسطيني بنسبة 65% لم يعد واثقاً من إمكانية تحقيق حل الدولتين، وتتراجع ثقته بالقيادات الفلسطينية، سواء الفتحاوية أو الحمساوية.
الزيارة التي قام بها الوفد الفلسطيني برئاسة الدكتور صائب عريقات إلى واشنطن ولقاءاته مع وزير الخارجية المغادر جون كيري، هذه الزيارة أسفرت عن نتيجة سلبية، لم تنجح كل التصريحات الإيجابية في إخفاء هذه النتيجة.
بعد زيارة الوفد لواشنطن كانت وزارة الخارجية الفرنسية قد أبلغت السفير الفلسطيني في باريس سليمان الهرفي بتأجيل عقد المؤتمر الدولي الذي كان مقرراً في الحادي والعشرين من هذا الشهر، وكان سيحضره مندوبون عن نحو سبعين دولة.
في الواقع فإن الأمر لا يندرج في سياق التأجيل والأرجح أن هذا التأجيل يؤشر إلى إعلان وفاة المبادرة الفرنسية التي كانت الفرصة الأخيرة الجدية لتحريك عملية السلام. السبب الدائم لإفشال هذه المبادرة وكل المبادرات السابقة يعود إلى عناد وصلابة الموقف الإسرائيلي الرافض لكل شكل من أشكال التدخل، وإلى الدعم الذي يحظى به نتنياهو وحكومته من قبل الولايات المتحدة.
مراراً، كرّر نتنياهو الموقف الإسرائيلي من مثل هذه المبادرات وجوهره "أن أي محاولة خارجية لفرض حل في الشرق الأوسط ستبوء بالفشل وأن السلام يتحقق فقط من خلال المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ودون شروط مسبقة".
ومع أن نتنياهو وغيره يعرفون أن المبادرة الفرنسية لم تكن في وارد فرض حلول على الطرفين وإنما لمنح فرصة مدعومة دولياً أمام إمكانية ترميم عملية السلام، إلاّ أن إسرائيل لا تقبل كما فعلت من قبل أي جهد حقيقي خارجي لدفع عملية السلام ومساعدة الطرفين على التوصل لحلول.
إذا كانت المبادرة الفرنسية مدعومة من قبل العرب بما في ذلك الفلسطينيون، ومن قبل عشرات الدول قد فشلت في تحريك عملية السلام وإذا كانت الشهادات التي قدمها جون كيري أمام منتدى معهد بروكينغز قبل أيام لم تنفع في شيء، فإن من العبث الخالص المراهنة على الإدارة الأميركية الجديدة.
مع الإدارة التي يتزعمها ترامب وما تتميز به شخصيته من إشكاليات وإرباك، فإن المراهنة على هذه الإدارة مجرد إهدار للوقت، فهو مثل سابقيه لا يعرف سوى أولوية المصالح الأميركية - الإسرائيلية ولا يتغير إلا تحت ضغط القوة، وبصراحة فإن القوة إما غائبة واقعياً وإما أنها أو ما يتوفر منها محبوسة في سجن المراهنات العبثية.
بحسب تصريحات السفير الفلسطيني في القاهرة ومندوب فلسطين الدائم في الجامعة العربية جمال الشوبكي، فإن الرباعية العربية بصدد عقد لقاء وزاري الأسبوع المقبل لبحث موضوعي إنهاء الاحتلال وإدانة الاستيطان من خلال الأمم المتحدة.
هذه ليست المرة الأولى التي تجتمع فيها الرباعية العربية والجامعة العربية لتتخذ القرارات ذاتها دونما أي تحرك عملي فعلي، يبدو أن سياسة التهديد التي تلازم الخطاب الفلسطيني والعربي فيما يخص إسرائيل والأمم المتحدة والمحاكم الدولية، هذه السياسة يفترض أن تكون انتهت قبل وقت ليس بقليل لجهة الانتقال إلى مربع الممارسة العملية.
هذه التهديدات لا تختلف عن التهديدات المتجددة والمتكررة بين الحين والآخر، التي تتخذها هيئات وقيادات فلسطينية بشأن وقف التنسيق الأمني وإعادة النظر في العلاقة مع إسرائيل، فهي أيضاً حبيسة الحسابات والرهانات الخاسرة.
في الواقع فإن إسرائيل أكثر من غيرها تدرك مدى جدية هذه التهديدات، ولذلك فإنها لا تعيرها الحد الأدنى من الاهتمام، ذلك أن لا شيء يتحرك على المستوى الفلسطيني الداخلي أو العربي يمكن أن يضفي قدرا من الجدية والمصداقية على كل هذه التهديدات.
يعرف الإسرائيليون أن جدية ومصداقية الانتقال بهذه التهديدات مرهونة بتحسين وتطوير وتقوية الأوضاع الداخلية الفلسطينية، وترميم العلاقات الفلسطينية - العربية، وطالما لم يحصل هذا فإن إسرائيل لا تخشى شيئاً.
في الواقع الفلسطيني، كل يقرر انتصاراته ويتمسك بخياراته، لكنهم بحاجة إلى الإدراك بأن الانتصارات التي يتحدثون عنها هي انتصارات على بعضهم البعض وهي ذاتها هزيمة لفلسطين وقضيتها ومشروعها الوطني.
أين أصبحت قضية المصالحة التي يتغنى بها الجميع، ومن هو راعيها من الدول العربية والإقليمية، وهل غيّر المؤتمر السابع لـ"فتح" أو قيادة "حماس" مواقفهما من المصالحة، بحيث نتوقع إمكانية نقلها من حيّز الاتفاقات النظرية إلى حيّز الممارسة العملية؟
بعد تبادل المجاملات والتصريحات الإيجابية بين الحركتين إثر مشاركة "حماس" في المؤتمر السابع وكلمة رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل، تراجع الشعور بالتفاؤل لدى حركة حماس التي عبّر العديد من قيادييها عن خيبة أملهم في إمكانية تحقيق المصالحة.
أما ما قيل عن لقاء بين عزام الأحمد وموسى أبو مرزوق في جنيف لبحث المصالحة، فإن ذلك يندرج في سياق الشكليات التي لا تنقذ غريقاً، والسؤال هو: لماذا في جنيف لو أن الطرفين يمتلكان الإرادة والرغبة في تحقيق المصالحة؟.
وبموازاة ذلك ينهض الخلاف مجدداً على نحو واسع حول القانون والشرعيات، إثر ممارسة الرئيس للصلاحية التي منحته له المحكمة الدستورية المختلف عليها بشأن رفع الحصانة عن عدد من نواب "فتح" في المجلس التشريعي المُعطّل.
الكل يجتهد في تسويغ القرارات وتفسير القوانين حسب هواه، لكن القانون والقضاء برمته ونظام فصل السلطات هو ضحية الحسابات المتضاربة، حين يفقد القضاء استقلاليته ويفقد القانون صلاحيته فإن المواطن لن يجد من يتوجه إليه طالباً النصفة، وسيجد نفسه مباشرةً تحت سطوة الأجهزة الأمنية هنا وهناك.
هل يمكن تفسير ما تعانيه الساحة الفلسطينية إلاّ على أنه عملية تدمير ذاتي تتم بوعي أو دون وعي؟ لقد فقد الفلسطينيون البوصلة وفقد المواطن أحلامه الكبيرة والصغيرة، حيث يسود الخذلان والإحباط وعدم الثقة والضياع، فكيف يمكن مع كل هذا التفاؤل تحقيق إنجازات؟

طلال عوكل
2016-12-15