الحصانة البرلمانية والانهيار المعنوي

بقلم: أسامه الفرا


بقدر ما لنا من مآخذ على المجلس التشريعي لعل أهمها ذلك الخطأ الفادح الذي وقعت فيه الكتل البرلمانية حين اعتقدت أنها تمثل فصيلها دون غيره، مما دفعها للانجراف خلف الانقسام وافرازاته حتى باتت أداة من أدوات ترسيخه، وكان الأجدر بأعضاء المجلس التشريعي أن يكبحوا جماح الانقسام وأن يحافظوا على السلطة التشريعية كحصن وملجأ للكل الفلسطيني، والغريب أيضاً أن المجلس التشريعي لم يحاول أن يستعيد دوره ويتحمل مسؤولياته في الرقابة والمساءلة، بل على العكس ارتضى اقصاءه باستثناء الحضور الشكلي كلما تطلب الأمر في شقي الوطن، رغم كل ذلك وبغض النظر عن ولاية المجلس التشريعي إن كانت قد لفظت أنفاسها قانونياً أم بفعل الغياب أو التغييب، فالمؤكد أننا بحاجة لأن نحفظ للسلطة التشريعية مكانتها بعيداً عن تغول السلطة التنفيذية عليها.
أثار قرار الرئيس رفع الحصانة البرلمانية عن مجموعة من النواب حفيظة الكثير، سواء من داخل المجلس التشريعي أو من خارجه كما جاء في البيان الصادر عن منظمات حقوق الانسان، ورغم أن المحكمة الدستورية أعطت الصلاحية للرئيس برفع الحصانة البرلمانية عن عضو المجلس التشريعي إلا أن تلك الصلاحية تحمل الطابع السياسي أكثر منه القانوني، وبات من الواضح أن تشكيل المحكمة الدستورية لم يكن من باب استكمال مؤسسات السلطة القضائية بقدر ما يتعلق بمنح تفويض قانوني لتغول السلطة التنفيذية.
عندما بدأ المشرع منذ عقود عدة في بريطانيا ومن بعدها فرنسا والتحقت بهما غالبية دول العالم بتضمين مادة الحصانة البرلمانية للنائب في دساتيرها، كان يهدف من وراء ذلك توفير الحماية للنائب كي يتمكن من القيام بعمله، والحصانة تكفل للنائب عدم المسؤولية البرلمانية عما يبديه من أفكار وأراء اثناء عملة سواء كان ذلك تحت قبة البرلمان أو في عمل اللجان أو خارجها، وكذلك حمايته من الاجراءات الجنائية التي تتطلب رفع الحصانة عنه قبل الشروع في حيثياتها، والقانون الاساس للسلطة الفلسطينية أعطى بشكل لا لبس فيه صلاحية رفع الحصانة البرلمانية عن النائب للمجلس التشريعي دون سواه.
لسنا بحاجة للتمحيص كثيراً في قرار الرئيس برفع الحصانة البرلمانية عن مجموعة من أعضاء المجلس التشريعي كي نكتشف أن القرار يحمل طابع ملاحقة وإقصاء من يحمل فكراً مغايراً، وأن هذا التغول من قبل السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية ينسف مبدأ الفصل بين السلطات الذي يعتبر عمود البناء المؤسساتي لأي سلطة متحضرة، يخطئ من يعتقد أن رفع الحصانة البرلمانية بهذا الشكل يقتصر على أصحاب العلاقة دون سواهم، بل أنه يؤسس لفكر يجهض من خلاله مضمون عمل السلطة التشريعية، فالحصانة البرلمانية التي يتمتع بها النائب لا يجوز له التخلي عنها، فهي امتيازاً للشعب أكثر منها امتيازا شخصياً، فإذا فقد النائب ايمانه بالحصانة البرلمانية التي يكفلها له القانون كيف يمكن له أن يمارس مهامه بحرية، وكيف يمكن له أن يسائل السلطة التنفيذية دون خوف أو وجل؟.
إن قرار رفع الحصانة البرلمانية عن أعضاء المجلس التشريعي يتعدى بكثير الجانب الشخصي في ماهيته، كونه يمس منظومة السلطة التشريعية التي يجب أن نحافظ جميعاً على استقلالها وأن نحصنها من تغول السلطة التنفيذية، وعدم السماح بالزج بها في أتون اختلاف الرؤى، سيما وأنه بات من الواضح أن السلطة القضائية تتماهى مع السلطة التنفيذية والتي كان من المفترض أن تحافظ هي الأخرى على هويتها المستقلة، إن دفاعنا عن الفصل بين السلطات ليس ترفاً فكرياً بل لترميم التصدع الذي اصاب مكونات السلطة وبات يهدد بانهيارها المعنوي.
د. أسامه الفرا