اليوم وبعد قدرة وعزم كلا من دمشق وموسكو فى تحرير حلب، وتمكنهم من الفصل بين المعارضة المعتدلة والارهابيين بحلب، يوجه كلا من الرئيس السوري بشار الاسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسالة للرأي العام العالمي، ودرس لما يسمى بالمعارضة السورية المعتدلة، وعدة صفعات لكافة خصومهم بالملف السوري.
بداية بالرسالة، فالرسالة كانت توضيح ومكاشفة للرأي العام العالمي الذى تقوده وسائل الاعلام الامريكية والبريطانية، بأن كل ما يبث لكم ما هو الا تضليل على غرار ما حدث بغزو العراق 2003م وصولا للتضليل الذى تم أثناء التنافس فى الانتخابات الامريكية الاخيرة بين كلينتون وترامب، وأن كان هناك من يستوجب الاستدعاء والمساءلة عن ما يحدث فى حلب فالطرف الذى أتى بالارهابيين من كافة أنحاء العالم وقام بتزويدهم بالمال والسلاح هو الاجدر بالمساءلة والمحاسبة. وأن ما يتم بحلب الان كان دور ما يسمى بالتحالف الدولى لمحاربة الارهابة أو بالأحرى التحالف الدولى لدعم الارهاب.
أما الدرس فكان لما يسمى بالمعارضة المعتدلة التى لم تشعر الندم الا اليوم فقط وبعد أن خلعت ثوب المعارضة الوطنية فى بداية الحرب وأرتدت ثوب معارضة فنادق الخليج، حتى باتت الاموال هى من تحركهم لا أجندة تغيير خاصة بهم.
أما الصفعات فجائت بالتوالي على وجه كافة خصوم دمشق وموسكو بالحرب السورية، بداية بممالك النفط التى وقفت مشلولة الحركة والتفكير، وهى تشاهد ظابط الاستخبارات السعودي التكفيري عبد الله المحيسني وهو يستغيث بهم فى الوقت الذى يتشرذم فيه صبيانه بين الجحور، مرورا بتركيا التى يسير فيها الطفل اللقيط التائه بين القوميات وهو مجبر لا مخير بالانصياع لكلام موسكو، بعد أدى دوره تجاه حلب مؤخرا كما ذكر بوتين.
وكثيرا من يتعجبو مهادنه بوتين لاردوغان، وتعجبو أكثر بعد أن وقفت موسكو فى صف أردوغان ضد الانقلاب، بل وأن روسيا هى أول من حذر اردوغان من ما سيحدث، برغم أن الجميع يعلم أن اردوغان هو ارهابي الشرق الاوسط الاول وعن جدارة، ولكن يبدو أن الكثير منا لم يتأمل مشهد محاولة الانقلاب الفاشلة فى تركيا بمنتصف تموز الماضي جيدا، فأي بديل كان سيأتى لاردوغان كان سيكون أمريكيا بأمتياز، ولن يكون الا ترس فى الالة الناتو الضخمة التى تعمل الان بكل قوتها ضد روسيا، وهنا سيتعقد أكثر الملف السوري أمام بوتين، كما أن تأثير ونفوذ رجال الاعمال التركوة على الاقتصاد الروسي، وأهمية الصناعات الثقيلة التركية لدى روسيا، أجبرت موسكو للتحرك لأنقاذ أردوغان قبل أن تتلقى موسكو صفعة أقتصادية جديدة بجانب عقوبات أوروبا وامريكا وكندا الاقتصادية عليها، ولذلك تحرك القيصر لالتقاط أردوغان قبل أن يسحقه العم سام تحت حذائه تماما،
اما الصفعة الاقوى فكانت لادارة باراك اوباما، الذى عزم بوتين على الا يفوته أرسال هدية الوداع لباراك أوباما قبل أن يترك البيت الابيض، والذى قد يتلقى صفعة جديدة قبل أن يرحل ولكن فى تلك المرة لن تكون بسوريا بل بطرابلس الليبية، فلعل الايام القادمة تشهد برق خاطف جديد، ولكن فى تلك المرة لن يكون فى الهلال النفطي بل فى طرابلس التى بث فيها المجرمون وعملاء الغرب كل سمومهم.
وأن كانت واشنطن عزمت على أفساد فرحة تحرير حلب بأستيلاء داعش على تدمر، سواء كان بسبب عدم قراءة الاستخبارات العسكرية السورية لتحركات داعش المستقبلية جيدا كما زعم البعض، أو كما ذكر بوتين بأن التحالف الدولى تخازل فى حماية تدمر من داعش مجددا، ففى كل الحالات المشهد السوري مهما طال الأمد أصبح مسألة وقت، وأن كان داعش خرج من حلب لتدمر او أدلب، فهو خرج من مصيدة الى مصيدة أخرى.
بكل تأكيد الحرب فى سوريا لم تنتهي بعد، ولكن حلب عدلت من توقيت ومسار الحرب معا، فمع طي صفحة تحرير كامل حلب سنبدأ الشوط الثانى من المبارة على الارض السورية، والكورة بين أرجل الاسد وبوتين، وستكون الكلمة العليا لهم خلال الوقت المتبقى من المبارة مهما تعقدت الامور، فأي عين لاتخطئ النظر ترى جيدا ونحن بنهاية العام الحالي تحضير النعش للمشروع التركي السعودي القطري بسوريا، وقد نرى تشييع الاجنازة الرسمية له فى العام الجديد.
فكافة الاشارات الصادرة من الغرب تجاه الحرب السورية تعترف بالهزيمة أمام موسكو ودمشق، حتى وأن كانت الحرب فى سوريا لم تنتهى تماما، وهو الامر الذى صرح به الرئيس الأسبق لهيئة الدفاع البريطانية الجنرال ديفيد ريتشاردز لأذاعة بى بى سي البريطانية الجمعة الماضية قائلا "أن على الدول الغربية الاعتراف بهزيمتها في الحرب في سوريا، فالدول الغربية تفتقر لاستراتيجية واضحة فيما هي موجودة لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري بشار الأسد اللذين تفوقا في مكرهما على القادة الغربيين"
قبل أن يهل خاسرون الامس مجددا كالمرشحة هيلاري كلينتون والتى رجحت فى حديثها لصحيفة نيويورك تايمز سبب فشلها فى انتخابات الرئاسة الامريكية لهجوم الرئيس الروسي عليها، ويبدو أن المدفع الثقيل الروسي بعد أن نال من كلينتون صوب أتجاه نحو الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، فبعد أنتقادات باريس الحادة لموسكو بسبب حلب، وبعد أن تقدم وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت عقب اختتام اجتماع مجلس الأمن الدولي حول سوريا داعيا إلى عقد اجتماع جديد طارئ لمناقشة نفس الموضوع، خرجت المتحدثة بأسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا تعلق بسخرية على حسابها الخاص بموقع فيسبوك قائلة "أن باريس تتصنع النشاط المحموم في محاولة لتحويل الانتباه عن فضائح تتعلق بالرئيس الفرنسي، فقصر الإليزيه يحاول تحويل الانتباه عن فضيحة حلّاق السيد هولاند"
جدير بالذكر أن وسائل الإعلام الفرنسية فجرت في يوليو 2016 أخبار تفيد بأن حلاق هولاند الشخصي يتقاضى 9895 يورو شهريا، أي أن فرنسا أنفقت نحو 600 ألف يوري على حلق شعر رئيس الجمهورية في الأعوام الخمسة الماضية.
كما أن من يتابع تحركات سيرغي لافروف وتصريحات الكرملين يرى بوضوح رغبة بوتين فى أنهاء الازمة السورية بين موسكو والمعنيين بالملف السوري فقط، دون أعطاء أي أعتبار أو أهتمام لمجلس الامن وقراراته، رغبة منه فى تهميش تلك المؤسسات كمجلس الامن والامم المتحدة وكافة المؤسسات التى تديرها الولايات المتحدة من خلف الستار، وجاء أنسحاب روسيا من محكمة العدل الدولية كخطوة فى ذلك الطريق، قبل أن تجدد موسكو عدم أهتمامها بتلك المؤسسات بعد أن صرح مندورب روسيا لدى هيئات الامم المتحدة بجنيف أليكسي بورودافكين قائلا "في حال عدم عقد جولة جديدة في أقرب وقت، بغض النظر عن مشاركة مجموعة الرياض أم لا، فإن المعارضة المعتدلة السورية والسلطات السورية يمكن أن تبدأ المفاوضات بدون الأمم المتحدة، ولدينا معلومات حول أن هذه هي الميول لعدد كبير من المعارضين السوريين الذين يسعون بالفعل إلى تسوية النزاع في سوريا، وإعادة السلام إلى الأرض السورية التي تعاني كثيرا، وتوحيد الجهود مع الحكومة السورية الشرعية في محاربة
"وباء الإرهاب"
فلولا قدرة موسكو على فرض كلمتها بالملف السوري وتثبيت أقدامها بشرق البحر المتوسط، ما جاء من البداية الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب بلهجة وخطاب مختلف عما سبقه، فبعد عملية فصل المعارضة بحلب جدد ترامب تأكيده على أن نهج السياسة الخارجية الأمريكية سيتغير بعد قدوم إدارته إلى السلطة.
بقلم/ فادى عيد