في ظل الظروف الراهنة وما نشهده اليوم من متغيرات على المستوى العربي نرى ان آفاقاً جديدة على المستقبل، في المرحلة القادمة سنكون أمام تحديات تتطلب من جميع القوى في الساحة الفلسطينية العمل لمواجهة اي سيناريو جديد من قبل القوى المعادية ، وعلى الرغم من كل المؤامرات التي تحيكها الإدارة الأميركية في ما اصطلح على تسميته بـ"الشرق الاوسط الجديد" القائم على الحروب الطائفية وتفتيت المنطقة، يتم التصدي لها من خلال الوعي القومي العربي الذي أصبح الحصانة الأولى للتصدّي لهذه المشاريع الاستعمارية الجديدة.
ونحن اليوم نرى ما ترسمه المقاومة الشعبية وانتفاضة القدس من صراع مفتوح مع الاحتلال الصهيوني ، يستدعي العمل للخروج من نفق الانقسام الكارثي وتعزيز الوحدة الوطنية والعمل على ضرورة عقد المجلس الوطني الفلسطيني باسرع وقت ، ليس في قولنا هذا أي قدر من المبالغة، فها هي انتفاضة القدس على مختلف الصعد ترسم خارطة فلسطين ، وها هي تفاعلاتها على مختلف الصعد والساحات تتواصل على شتى الاحتمالات، وما كان لها أن تستمر وتتصاعد من خلال امتلاكها لآلية الاستمرار والتصاعد والتجدد، واستنادها لجملة من الخصائص والسمات التي تفسر هذا الاستمرار وتبعث على الثقة بأننا أمام نمط حياة جديد لجماهيرنا تحت الاحتلال يبشر بأن الانتفاضة والمقاومة الوطنية ستتواصل حتى الظفر بالحرية والاستقلال.
وغني عن القول أن طريق بلورة "العامل الذاتي" الفلسطيني ، يستدعي ضرورة إيلاء المزيد من الجهد والاهتمام لسد الثغرات القائمة وأية ثغرات قد تنشأ هنا أو هناك، في هذه العملية الكفاحية الطويلة، وليصار إلى إيجاد الصيغ المناسبة لضمان مشاركة جميع الفصائل والقوى والشخصيات في المجلس الوطني ، هذه مهمة ينبغي أن تبقى ماثلة أمام أعيننا ، وفي مقابل ذلك، يظهر شعبنا وبشكل لا يقبل الشك أو التأويل، أن إرادته الوطنية ، أقوى من كل هذه إجراءات الاحتلال الفاشية، وأنه لم يعد بمقدوره الاستمرار في الخضوع لشروط الاحتلال المذلة، وليس بمقدوره العودة للقبول بها، مهما غلت وتعاظمت التضحيات. أن الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال قد تلمس بتجربته الحسية المباشرة خياره الوحيد خيار الاستمرار في المقاومة الشعبية والانتفاضة ، ولهذا علينا استيعاب المرحلة على المستويات الإقليمية والدولية، وباتت القضية الفلسطينية وليس الصراع العربي الصهيوني وحده، هي القضية التي تستأثر بالبحث والاهتمام، رغم إدراكنا العميق للعقبات والعراقيل العديدة التي مازالت تعترض الحقوق الوطنية، ورغم إيماننا التام بأن المسافة بين الإعلان عن الدولة وإقامتها فعلياً على الأرض مسافة طويلة ومريرة معبدة بالشهداء والتضحيات والعذابات.
إن عزلة الاحتلال نتيجة تحرك لجان المقاطعة ، يؤكد ان قطار الانفراج الدولي يتحرك للأمام بخطى ثابتة وبضغط عالمي قل نظيره، حيث تلعب روسيا في ظل التفكير السياسي الجديد دور المحرك والرافعة لمسيرة الانفراج والشرق الأوسط لا يمكن أن يشكل على المدى البعيد استثناءاً لهذه القاعدة رغم إيماننا العميق بالصعوبات والتعقيدات الناجمة ، الا ان مواصلة مسيرة نضالنا الوطني ، وما نشهده من مكاسب وانتصارات تحققها قضيتنا الوطنية، هي العامل الرئيسي الذي بمقدورنا الاعتماد عليه والتي سوف تنتهي لصالح شعبنا وقضيتنا فهي المحرك للتعاطف العالمي
وهي التي أيقظت ضمير العالم وهي التي ستوصلنا إلى شواطئ الحرية والاستقلال متظافرة مع جهود ونضالات شعبنا في الخارج ومع دعم وإسناد الأشقاء والحلفاء على المستويين القومي والأممي.
وليس من شك ان انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني يشكل فرصة امام الجميع لانه يتوجب الوقوف بتأن أمامه ، ومن خلاله يجب طرح الأسئلة الاستراتيجية التي تطرحها جموع الشعب الفلسطيني ، ويتحرك بهديه وربط السياسة بين التكتيك والاستراتيجية، بين ما هو آني ومرحلي وما هو استراتيجي بين السياسة والنظرية، وعلى المجلس الوطني ان يجيب على هذه الأسئلة والتساؤلات والشروع في رسم استراتيجية وطنية كفاحية بوصفها محطة نوعية جديدة في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني يمكنها أن تؤسس كمحطة نوعية جديدة في مسيرة النضال الوطني.
من هنا نحن امام محطة نوعية جديدة في مسار كفاحنا، لأنه بهذه الطريقة، وبهذه الطريقة فقط، نضمن أفضل وأمثل دعم وإسناد لصمود ومقاومة الشعب الفلسطيني على مختلف الصعد في مسيرة النضال الوطني.
لهذا لا بد من الرفع الصوت عاليا بوجه حالة الانقسام ، فكفى ميول الانحراف لدى البعض على الساحة الفلسطينية ،وعلى كافة الفصائل والقوى أن تتذكر دائماً قوة الصمود الشعبي الفلسطيني، وهذا بحاجة الى تعزيز الوحدة الوطنية وضرورة العمل الدائم لتعميقها على أسس وطنية ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية .
ختاما نقول ان الشعب الفلسطيني يرفض أي انتقاص من حقوقه الوطنية وتمسكه بالمقاومة الوطنية بكافة اشكالها ،وبحقوقه الوطنية وفي المقدمة منها حقه في العودة إلى بيوته وأراضيه ومدنه وقراه التي هُجر منها، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.
بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي