الشباب والبطالة

بقلم: سلامه ابو زعيتر

يعتبر الشباب في أي مجتمع حاضره ومستقبله، وقد أثبتت الدراسات والتجارب عبر التاريخ بأنه لا يمكن إحداث تنمية بعيداً عنهم ، فهم مصدر الطاقة والقوة المتجددة التي تساهم في التقدم باعتبارهم صلب رأسمال المجتمع البشري، ولإحداث تنمية حقيقية يجب أن نعتمد ونستند إلى أن الشباب، فهم هدفها ووسيلتها وأصحاب المصلحة الحقيقية في كل عمليات التنمية، والبناء والتطوير للوصول للأفضل، فالشباب تقع عليهم مسئولية كاملة فيما يتعلق بتعزيز تجاربهم وتطوير ذاتهم وخبراتهم بما ينسجم مع السياسات العامة لأي دولة، كما على الدولة أن تنظر للشباب بنظرة شاملة في إطار عملية التكامل والترابط بينها وبين الشباب ليكونوا قادرين ومؤهلين للإسهام في بناء الوطن وحماية مستقبل مجتمعهم .

تعد مشاكل الشباب اليوم من أهم القضايا التي لا يمكن القفز عنها أو السماح بإهمالها أو التباطؤ في إيجاد الحلول الحاسمة لها، وخاصة في نطاق توليد فرص العمل والتشغيل لهم، فإرتفاع نسب ومعدلات البطالة ومشاكلها الهيكلية طويلة الأجل، يعتبر أحد أهم مشاكل الشباب والمجتمع بشكل عام، لصعوبة القضاء عليها، وعدم مقدرة أي دولة أن تحقق إمكانية العمالة المتكاملة المنتجة، وإنما يجتهد الجميع لخفض معدلاتها لأقل نسبة ممكنة، وذلك استجابة لحق كل مواطن في الحصول على فرصة عمل لائقة ومناسبة، ودخل ملائم لمتطلبات الحياة؛ فالبطالة في أي مجتمع تعني مشكلة اقتصادية واجتماعية، وهي بمثابة خلل اقتصادي، وتعتبر ثغرة في مدى صحة وسلامه السياسات العامة للدولة، وعبئاً اجتماعياً ثقيلاً، وظاهرة سلبية تهدد السلم والاستقرار الاجتماعي، فعمل الفرد هو عنصر الأمان له ولمجتمعه، والبطالة والحرمان يولدان حالة الاغتراب والاستبعاد والتهميش الاجتماعي، ويلحقها العديد من المشاكل الأسرية والاجتماعية الأخرى.

وتعتبر إمكانية وضع حلول مناسبة للقضاء على البطالة من الأمور الصعبة والمستعصية على كثير من المجتمعات في العالم الثالث، وخاصة في الوقت الحالي؛ فمشاكلها باتت أكثر صعوبة وتعقيداً في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية و التطورات والمستجدات على الساحة، وفي مجالات الإنتاج وتطوره التي يتطلب النوعية في تكوين القوي العاملة، في ظل غياب سياسات تأهيل نوعية ومناسبة تواكب تطورات الإنتاج وسوق العمل.

لذا فإن أفضل رسالة لمواجهة البطالة بشكل عام وخاصة وسط الشباب هي العمل الجماعي بين كل مكونات المجتمع الرسمية وغير الرسمية لإيجاد توازن بين جوانب العرض في سوق العمل، وزيادة الطلب على العمل، من خلال فهم حقيقي لمعطيات سوق العمل، ومعدلات الأداء الاقتصادي والاستثمار، ومدي تأثير الزيادة السكانية وارتفاع نسب الملتحقين للعمل والساعين له من الشباب والخريجين بالإضافة لتنامي إقبال المرأة على العمل؛ فهذه الحالة تدعو لتضافر الجهود لمكافحة البطالة وأمراضها بين الشباب، وتحسين وضعية تشغيلهم كماً ونوعاً، وينبغي أن تكون خطط مواجهتها جزء من سياسات عمالية أكثر شمولاً، وتندرج ضمن السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة والمجتمع.

المعوقات والتحديات لمواجهة البطالة :

لمواجهة ظاهرة البطالة بين الشباب يجب تحليل العوامل والأسباب للبطالة وخاصة لدي فئات الشباب، فهي متداخلة ومتشابكة، فبعضها موروث ومتجذر نتيجة لعوامل خارجية وبعضها متعلق بسياسات الدولة والواقع الهيكلي، ولعل فهم الأسباب يساعدنا في استنباط السبل والوسائل التي تساهم في تخفيف معدلات البطالة وتساعد في التغلب على معوقات التشغيل بين صفوف الشباب، ومنها الأسباب التالية :

- غياب سياسات التشغيل والبرامج التي تستهدف الشباب لدمجهم في العمل، وتأهيلهم مهنياً بما يناسب احتياجات سوق العمل، وبما يواكب التطورات والتحديث التقني والمهني.

- ضعف سياسات التعليم والتدريب والتوجيه، وعدم مقدرتها على مواكبة متطلبات واحتياجات سوق العمل، فمؤهلات الخريجين ومهاراتهم لا تتوافق وتوائم فرص العمل المتوفرة؛ أن وجدت ، فالمخرجات التعليمية والتدريبية لا تناسب تطورات العمل التقنية والتكنولوجية وحاجته للعمالة الماهرة .

- غياب السياسات التشجيعية للصناعات، والأنشطة الاقتصادية التي تساهم في استحداث فرص العمل الجديدة.

- ضعف القوانين والتشريعات التي تساهم في استقطاب رؤوس الأموال، وعدم المقدرة لتوفير البيئة المناسبة والمستقرة لتحفيزها على الاستثمار، وتوسيع أنشطتها الصناعية والاستثمارية وحماية منتجاتها.

- غياب التخطيط السليم في القطاع الخاص لتوليد فرص العمل الجديدة من خلال توسيع المشاريع الإنتاجية القادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من الباحثين عن فرص العمل من الشباب الخريجين.

- تراجع دور الدولة كأكبر مشغل يساهم في استيعاب وتوفير فرص عمل ضمن مؤسساتها، بالإضافة لعدم مقدرتها على المساهمة في الإنتاج وتقديم الخدمات، مما ترتب عليها التشبع الوظيفي وغير الإنتاجي، وهذا ساهم في تقليص حجم فرص العمل لدرجة كبيرة في ظل تزايد الأعداد من الشباب الخريجين والمؤهلين علمياً ومهنياً.

- غياب الشراكة الحقيقية بين أطراف الإنتاج، ومؤسسات المجتمع المدني، والتي يفترض أن تلعب دوراً فعالاً في رسم السياسات التشغيلية التي تساهم في خلق فرص العمل، وتخفف حدة البطالة، بالإضافة لوضع السبل الوقائية لها، وتنشيط سبل استحداث فرص العمل وفتح أسواق عمل جديدة والعمل على تأمين قوانين وتشريعات للحماية الاجتماعية وتحديد الأجور وتوفير العمل اللائق ...الخ .

- ضعف وعجز وسائل الإعلام عن لعب دوراً مؤثراً في كشف الأبعاد الحقيقية لمشكلة البطالة بين الشباب والخريجين بطريقة علمية مؤثرة، وتسليط الضوء عليها لتأثر والضغط على صناع القرار وواضعي السياسات، لإعطائها اهتمام أكبر يناسب حجم خطورتها على الشباب ومستقبلهم المهني والنفسي والاجتماعي ....

رؤية للمواجهة المعوقات والتحديات لمشكلة البطالة لدي الشباب:

لوضع رؤية صحيحة لمواجهة مشكلة البطالة لدي الشباب، يجب تصحيح المفاهيم المتعلقة بأن الشباب جزء من أسباب المشكلة، فهذا يُفاقمها ويعتبر تهرب من المسئولية، فالواجب النظر للشباب كشريك في مواجهة أزمة البطالة، وكطرف معني بالدرجة الأولي في معالجتها، ومساهم أصيل في وضع الحلول لها؛ لذا يجب تشجيع الشباب على المشاركة الفعالة في كل مناحي الحياة، وعدم تهميشهم أو تحجيم دورهم، ومكانتهم، مما يعطيهم دفعة لإبراز كل ما لديهم من قدرات، ومهارات، وقوة مؤثرة، وفعالة للعمل؛ فإشراكهم في وضع الخطط والسياسات الخاصة بهم يساعد في القيامهم بدور كبير أثناء وضعها حيز التنفيذ، مما يحقق أهداف التنمية، ويخفف عن الشباب الذين ينظرون للمستقبل من خلال مرآة العمل، وحصولهم على الفرصة المناسبة لإثبات الذات في العملية الإنتاجية وبناء الوطن، مما يمنحهم الشعور بالمكانة والمركز الاجتماعي المستقر الذي يوافق طموحاتهم، وتطلعاتهم؛ كقوة وطاقة لديها الإمكانيات للعطاء؛ وهناك العديد من الخطوات التي لها تأثير كبير في مواجهة مشكلة البطالة وتفعيل دور الشباب في مواجهتها منها :

- يجب إدراج مشاكل الشباب وهمومهم ضمن خطط التنمية الوطنية بحيث تتضمن الخطط، تطلعات الشباب وأمالهم واحتياجاتهم، وهذا يحتاج مشاركتهم في علمية التخطيط لتقرير مصيرهم ومستقبلهم، وبهدف أن تكون الخطة علمية ومهنية وقابلة للتنفيذ وتحقيق أهدافها.

- الحرص على دمج الشباب في كافة البرامج الاجتماعية، ومكونات المجتمع كشريك فعال، بهدف تجنب أي ممارسات سلبيه قد تشعرهم بحالة الاغتراب؛ وتفرض عليهم الوصاية، مما يساهم في وضعهم بحالة من التهميش والاستبعاد الاجتماعي، فالواجب العمل على تعزيز المبادرة لديهم والعمل التطوعي، من أجل مشاركتهم إجتماعياً لتعزيز الانتماء وتطوير قيم الولاء للوطن والمجتمع.

- يجب إعادة النظر في السياسات التعليمية والتدريبية ومراقبة الجامعات والمؤسسات التعليمية والتدريبية، بحيث يتم توجيه سياستها التعليمية لتناسب سوق العمل، ومتطلبات الحياة المهنية؛ لا أن تكون مؤسسات ربحية لجني الإرباح والأموال على حساب الخريجين، وتكون بعيدة عن احتياجات السوق، مما يساهم في تفاقم مشكلة البطالة، ويضعف إمكانية مواجهتها وعلاجها، فاليوم حجم الخريجين كبير، لكنه لا يلبي احتياجات سوق العمل المحلى أو الخارجي لغياب التخطيط الاستراتيجي للتعليم ، مما وضع الخريجين أمام مشكلة جديدة؛ إما العمل بعيداً عن التخصص، وهذه بطالة مقنعة، أو الإحتياج للتدريب والتأهيل من جديد، وهذا إهدار للطاقات والوقت، مما يدعو لضرورة مراعاة المؤسسات التعليمية للمتطلبات المتجددة لسوق العمل والمتغيرات الاقتصادية، ومعالجة برامجها التعليمية وفق ذلك، مما يساهم في مواكبة الواقع في تعليم الشباب أو في إعادة تأهيلهم وتدريبهم المهني، بشكل يوازي حالة التطورات الحديثة والجديدة في العمل، وفي العلوم المعلوماتية والتكنولوجيا والحداثة.

- يجب أن يتم التخطيط للتشغيل من خلال دراسة واقعية ومنهجية لسوق العمل، وحصر قدراته وإمكانياته لاستيعاب العمال، بهدف وضع سياسات تتناسب واحتياجات سوق العمل ضمن الخطة الإستراتيجية في التعليم والتدريب والتشغيل.

- تعد الأقطار العربية مجتمعات فتيه بتكوينها، ونسبة الشباب فيها عالية، وتعتبر مقدرة أي منها منفردة لتوفر فرصة عمل في سوق عملها المحلي صعب للغاية، وهذا يدعو لضرورة فتح أسواق عمل جديدة، وخاصة في الدول العربية التي لديها فرصة عمل كثيرة وتحتاج لأيدي عاملة، ويأتي ذلك من خلال عمل تعاقدات طويلة المدى للتشغيل، وفق معايير لتوفير عمل لائق مقابل أيدي عاملة ماهرة، وهذا يحتاج لتأهيل الشباب، لإكسابهم قدرات تناسب احتياجات العمل، مع ضرورة وجود ضمانات للتشغيل والحماية القانونية للعمال في الأجر والعمل المناسب، والمكفول وفق الأصول والتشريعات العمالية الدولية والمحلية، بحيث لا يتم استغلال حاجتهم للعمل، وبالإمكان أن يتم إقامة مؤسسة متخصصة لتسهيل تنقل العمالة في الأقطار العربية، برعاية منظمة العمل العربية، لها بُعد تشغيلي تراعي فيه خصوصية وحاجة كل قطر عربي، وتنظم تنقل العمالة بينها.

- ضرورة تشجيع المبادرات الشبابية الإنتاجية، وخاصة فيما يتعلق بالمشاريع الصغيرة، وتوفير كل السبل لإنجاحها، وتوفير مصادر للتمويل عبر نظام الإقراض الميسر، فهذا يساهم في تعزيز أفكارهم الإبداعية ويمنحهم الفرصة للمشاركة في العملية التنموية، وخلق فرص عمل بمبادرات ذاتية، فمهما كانت بسيطة، فهي محاولات تتكلل بالنجاح؛ إذا ما توفر لها المناخ المناسب، وتعتبر من أهم الوسائل لمواجهة البطالة بين صفوف الشباب بوجه خاص، لاعتمادها على مساهماتهم في إيجاد كيان عمل لهم.

- ضرورة تشكيل إطار شبابي رسمي يعمل على تمثيل الشباب في كل مكونات المجتمع، بحيث يتم من خلاله ضمان مشاركة الشباب الاجتماعية والسياسية، ويساعد في إيصال صوتهم لصناع القرار ورعاية الدولة والمجتمع لهم ولبرامجهم.

أخيراً يعد مشاركة الشباب في تحليل مشاكلهم الخطوة الأهم وخاصة مكافحة البطالة، فالاستماع لأطروحتهم في مواجهتها، يساهم في التقرب منهم، وفهم رؤيتهم نحو علاج المشكلة، ويعطيهم الفرصة لفهم الواقع جيداً من خلال المشاركة، مما يمنحهم فرصة للتفكير السليم لإيجاد أفضل السبل التي تساعدهم في تقرير مصيرهم، ومواجهة التحديات في التشغيل، وخلق فرص العمل، مما يخفف من حدة الشعور بالاغتراب والتهميش الذي يعانيه الشباب اليوم في حياتهم وبين أفراد مجتمعاتهم .

بقلم/ د. سلامه ابو زعيتر