مجتمع النصف بالمائة في قطاع غزةَ !

بقلم: حسن عطا الرضيع

قطاع غزة : مجتمع النصف بالمائة
تشير بعض التقديرات الفلسطينية غير الرسمية عن وجود 22 ألف مليونير في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة , موزعين بواقع 13 ألف مليونير في الضفة الغربية و 9 الأف مليونير في قطاع غزة, حيث تشير تلك التقديرات إلى أن عدد الأثرياء الجدد و القدامى في قطاع غزة يبلغ 9000 مليونير وهم يمتلكون مليون دولار ويفوق على شكل ثروة منقولة وغير منقولة في حين أن نفس البقعة الجغرافية التي تبلغ مساحتها 365 كيلو متر مربع تعتبر الأكثر فقراً في المنطقة العربية حيث يعاني سكانها من أدنى مقومات العيش الكريم إذ تعتبر المنطقة الوحيدة بالعالم التي تعاني من أزمة انقطاع للتيار الكهربائي منذ عقد كامل , وعليه ورغم عدم وجود مصدر رسمي حتى الآن فإن الاتجاه العام لتوزيع الدخل والثروة مع افتراض عدم وجود دخل حقيقي يتولد بالأنشطة النشطة بالمفهوم الاقتصادي يعني وجود ظاهرة جديدة قديمة للأغنياء الجدد كنتاج طبيعي لوجود مجتمع الفقراء الجدد الذي نشط في السنوات السابقة وخصوصا في سنوات العقد الأخير الأكثر رغداً للأقلية المركزة , وباتت تشكل طبقة محدودة العدد وذات تأثيرات ملموسة في الواقع السياسي والاقتصادي بحيث بات نفوذهم وهيمنتهم تصيب الحياة المعيشية بمقتل فبسبب ذلك أصبح البحث عن مجتمع يميل مع الوقت للعدالة _ وبالمفهوم ربما الضيق أي البحث عن فرص عمل دائمة وسلة غذاء صحية وتعليم للجميع ومستوى صحي لائق ومستوى أمني غذائي واكتفاء ذاتي من الزراعة رغم عدم استغلال للأراضي الشاسعة على الحدود الشرقية لغزة عدة _ كالبحث عن قطة سوداء وفي غرفة مظلمة وما أكثر ليالي غزة من الظلام, لا تخلو ليلة لأسرة فلسطينية في غزة من ظلام الكهرباء فعدد مرات قطع الكهرباء يومياً
لا تقل عن4-3 مرات, فحتى لو تمتعت تلك الأسر بمساء ليس ظالم فسيكون ظالماً مع الفجر, واذا كانت الليلة ظالمة فستصبح بنور مع أخر المساء وبدء الفجر وفي كلتا الحالتين لا يتم الاستفادة من تلك الطاقة خصوصاً في الشتاء القاتم وعند بدء الاختبارات الجامعية والمدرسية .
شهدت آلية توزيع الدخل في قطاع غزة مرحلة من اللا عدالة تحديداً في السنوات الراغدة لتجارة التهريب عبر جمهورية مصر والتي تُعرف اصطلاحاً بالتجارة عبر المعابر الأرضية.
لقد كان توجه الغزيين لتجارة الأنفاق في بداية الأمر أمراً ضرورياً وملحاً وهو كذلك عندما بدأت بإدخال السلع الضرورية والأساسية والتي شهدت حصار ومنع للإدخال من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي حيث استوعب سوق غزة الراكد مئات السلع المهربة من جمهورية مصر العربية وأهمها المواد الغذائية وغاز الطهي وبدائل الكهرباء والاسمنت ومستلزمات البناء وغيرها , وابتعدت تلقائياً عن السلع الضرورية كالأدوية وآلات الإنتاج والتصنيع ليحل محلها تجارة البزنس لتحقيق أقصى عائد ممكن فراجت تجارة السيارات الفخمة فأصبح المواطن يركب سيارة تبلغ قيمتها ما يزيد عن 25 ألف دولار مقابل دفعه لخدمة التوصيل, تم توسعت تلك الأنشطة وتم افتتاح عشرات معارض السيارات وخصوصا في شارع صلاح الدين الرئيسي والجلاء وسط مدينة غزة, ومع إغلاق الأنفاق (مايو 2013) أي بعد قرابة عمل للأنفاق استمرت 6 سنوات , بدأت الأمور تتضح أكثر وهي أن ما تم جمعه من تجارة الأنفاق وقدر آنذاك ب 2.7 مليار دولار لم يتم استثمارهم في اقتصاد حقيقي وإنما ذهبت لمجالات المضاربة في الأراضي والعقارات وتجارة الصرافة المالية والسياحة الداخلية رغم عدم وجود سياحة, أي توجهت تلك الأموال للاستثمار في أنشطة تدر دخلاً مرتفعاً لأصحابها دون أي أثر إيجابي على شرائح واسعة في مجتمع غزة, وانعكست تلك الاستثمارات ( التوظيفات بالمفهوم الاقتصادي الأدق) سلباً على الواقع الاقتصادي والمعيشي خصوصاً في موجة الغلاء التي شهده قطاع العقارات وتجارة الأراضي , ارتفعت بمستويات قياسية لا تعكس القيمة الحقيقية لتلك الثروات غير المنقولة, وهذا ما تسبب لاحقا بوجود طبقة جديدة من الأثرياء الجدد , أي الأغنياء الذين كدسوا ثروات بملايين الدولارات واغتنوا على حساب الفقراء , الذين دفعوا فاتورة الغلاء من خلال الاستئجار للشقق ودفع قيمة للأراضي والشقق أعلى بكثير من قيمتها الحقيقية , حيث ذهبت تلك الفروقات إلى تلك الطبقة الجديدة " الأثرياء الجدد في زمن الحصار " , سابقا وجدت طبقة شبيهة لها وقت توقيع منظمة التحرير الفلسطينية لاتفاق أوسلو, يطلق البعض على تلك الطبقة " مليونيرات السلام", لا تختلف الأمور كثيراً فكلا الطبقتين هم ضمن الأثرياء سواء قدامى أو جدد , فكليهما قد عزز ووضع قواعد لبناء مجتمع غير صحي يعاني من اللا عدالة في توزيع الدخل , وبهذا المفهوم فإن المجالات والأنشطة التي يمارسها الأثرياء الجدد والقدامى لا زالت تقع في خانة الاستثمارات الطفيلية غير المنتجة , فبيع قطعة أرض وتحقيق ربح بقيمة 10 آلاف دولار مثلاً لا يعد استثماراً حيث أن تكلفة فرصة العمل في غزة تتراوح ما بين 8-12 ألف دولار , وعليه فإن تكدس 10 آلاف دولار في خزينة تاجر الأراضي لم تنعكس في توفير فرصة عمل مثلاً وإنما زادت من ثروته دون أي جهد أو نشاط اقتصادي يذكر, في حين أن ما دفع فعلياً أل 10 آلاف دولار هم الفقراء كونهم بأمس الحاجة إلى مسكن سواء بالشراء أو بالإيجار, هذه صورة مصغرة لقضية أكبر قليلاً وهي أن بناء برج سكني يستغرق بضعة شهور في حين يجني مالك البرج 10 آلاف دولار كربح صافي لبيعه لكل شقة, وتلك الدولارات ما هي إلا عبارة عن عملية نقل ملكية عقار من شخص لأخر دون عكس قيمتها الحقيقية من منظور الاقتصاد التنموي.
نفوذ السياسة وزواجهم برؤوس الأموال :
بعد إنشاء السلطة الفلسطينية تم احتكار أهم 30 سلعة ضرورية وحققت الفترة الأولى((2005-1994 من إنشاء السلطة في غزة طبقة جديدة ثرية ليس بسبب جهدها الكبير أو حظوظها وذكاءها وإنما بسبب تحالفها بشكل أو بأخر مع السلطة السياسية تلك المرحلة كونت بضع مئات من المليونيرات الجدد " مليونيرات عملية التسوية والسلام" , أما في الفترة (2013-2007) وهي الفترة التي راجت فيها تجارة التهريب عبر جمهورية مصر العربية فقد أوجدت قرابة 1200 مليونير امتلكوا في السنوات 2008-2013 حوالي 2.7 مليار دولار ( حيث تم افتراض أن كل صاحب ومالك نفق يعتبر مالكاً للمليون دولار في المتوسط ), وتعتبر تلك الفترة الأكثر تشوهاَ في اقتصاد غزة الفقير.
وعليه فإن نشوء اقتصاد الأنفاق غير الرسمي مع بعض مهربي حدود جمهورية مصر العربية, وعودة السلطة الفلسطينية منذ عام 1994 ومحاباتها لرؤوس الأموال واحتكار البعض لأهم السلع الضرورية وعددها لا يتجاوز أل 30 سلعة , رافق تلك الأخطاء الاقتصادية الفلسطينية وجود مصادر نمو طبيعية لمجتمع يميل مع الوقت ليس للا عدالة في التوزيع والثروة وإنما إلى مزيداً من اللا إنسانية والتوحش في تمادي الأنشطة الطفيلية والتي تدعمها نفوذ السياسي المتحالف طوعياً مع رأس المال في زواج متعة محرم شرعاً يعرف بالزواج الكاثوليكي ,وعلى افتراض وجود 9000 مليونير في غزة يمتلك الواحد منهم بالمتوسط مليون دولار فالحديث هنا عن وجود ثروة لا تقل عن 9 مليار دولار وهي تساوي 4 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لقطاع غزة, وبهذا المعنى فإن 0.5 % ( نصف بالمائة ) يسيطرون على نسبة كبيرة من مدخولات الاقتصاد الغزي, يمكن القول أن وجود مجتمع النصف بالمائة يعني وجود مجتمع غني جداً بالفقراء الجدد.
مجتمع النصف بالمائة يعني وجود مجتمع الفقراء الجدد , وبالتالي فباتت تلك التسمية ملازمة لمجتمع الأزمة " غزة".
إن أحد أبرز التأثيرات السلبية لوجود 9 ألاف مليونير في غزة مع وجود اضعافهم من الفقراء هو أن ما يمتلكوه من ثروة هي على شكل ثروات عينية غير منقولة ( اراضي/ عقارات), أي لا يتم استثمارها في الاقتصاد الحقيقي الذي يوفر فرصاً للعمل ويحد من آفتي الفقر والبطالة, اضافة إلى أن تلك الثروات قد لا تعكس قيمتها الحقيقية دوما خصوصا فيما يتعلق بتقييم قيمة العقار والأرض السكنية والتي ارتفعت كثيراً في ظل تراجع آفاق المشروعات والاستثمار واعتبارها ضمن الأنشطة الأكثر آماناً مستقبلاً, إن بقاء تلك الثروة غير المنقولة في غزة اقتصادياًُ دون اجراء اصلاحات تقع ضمن " شر لا بد منه " هي صمام أمان ولكن بعد اعادة تنظيم, يوجد في الخارج استثمارات للفلسطينيين تقدر ب 80 مليار دولار هي كذلك لم يتم توظيفها في استثمارات قد تكبح إمكانية ذوبانها في حال أي صدمة اقتصادية.
يقول توماس بيكتي مؤلف كتاب رأس المال في القرن الواحد والعشرين : أن أحد الحلول الاقتصادية لتقليل التفاوت المذهل في الثروات في الاقتصاد العالمي يتم عبر فرض ضرائب تصاعدية ليس على الدخل وانما على الدخل والثروة بكافة أشكالها.
إيجابيات وسلبيات اقتصاد التهريب عبر الأنفاق :
على الرغم من أن اقتصاد الأنفاق يمثل الاقتصاد غير المنتج والمشوه إلا أنه ساهم في تخفيف جزئي للمشكلة الإنسانية التي يعانيها قطاع غزة وخصوصا فيما يتعلق بتوفير السلع الأساسية والضرورية وبأسعار منخفضة نسبياُ رغم تدني جودتها وأسعارها المضاعفة عن جمهورية مصر العربية , أم أهم السلبيات فتتمثل في حصادها الاقتصادي والاجتماعي المر والتي تمثل في أحد جوانبه صعود المرض الهولندي ( الفقر المجتمعي والثراء الفردي الفاحش والذي ظهر في بروز الأثرياء الجدد ), حيث تكمن خطورة الأنفاق في وقوعها ضمن الاقتصاد الطفيلي غير المنتج والقائم على قيم اللصوصية والثراء غير المشروع وأحد مصادره الرئيسة ارتفاع الأسعار بعيداً عن ميكانيكية الطلب والعرض , كما أن أهم مظاهر تشوه اقتصاد غزة بسبب التهريب هي تعميم ثقافة الاستهلاك وعادات وتقاليد الاعتماد على الغير, إضافة لظهور طبقة من الأثرياء الجدد طفيلية وبعيدة عن الإنتاج الحقيقي وهذا يعكس عدم العدالة في توزيع الدخل في قطاع غزة واتساع الفجوة الاجتماعية ويزيد من عمليات الاحتكار والاستغلال , حيث حولت قطاع غزة إلى سوق استهلاكي فقط حيث لا يتم تصدير أي مادة أو سلعة عبر الأنفاق و تزايد مظاهر الانحراف الاجتماعي بكل أنواعها ( المخدرات والحبوب المخدرة أو حبوب السعادة والسرقة والقتل والتفكك الأسري), و تطورت الأنفاق وتوسعت وتعددت غاياتها بحيث تحولت الى غطاء اقتصادي طفيلي ريعي غير منتج، ولم تساهم في تخفيف الأعباء عن محدودي الدخل والفقراء من المواطنين، رغم انها قدمت حلولاً مجزوءة من خلال توفير بعض السلع الضرورية, كما أدت الأنفاق إلى عمليات نصب واحتيال حيث تم هدر ووفقا لبعض التقديرات غير الرسمية إلى نحو 600 مليون دولار من أهالي قطاع غزة، جمعها تجار وحافروا الأنفاق من المواطنين بحجة تشغيلها تحت وعدوات بأرباح تصل إلى 50% لكنها ذهبت في عمليات نصب واحتيال وتهريب وهروب الى الخارج.
لم يرافق تلك الثروات المالية تحقيق أهداف النمو المستدام في قطاع غزة وهي الإشكالية التي تواجه معظم اقتصادات العالم وهي كيف يمكن للنمو الاقتصادي أن يحقق التنمية المستدامة كما تحدث بذلك تقرير التنمية البشرية للعام 2015.
تقرير التنمية البشرية للعام 2015:
تناول تقرير التنمية البشرية عدة قضايا اقتصادية واجتماعية ولأجل ذلك فتحليل التقرير بعمق يعتبر حقلاً في غاية الأهمية وهدفاً إنسانياً نبيلاً, وخصوصا فيما يتعلق بمشروع الانتقال إلى العمل المستدام باعتبار أن العمل كنشاط إنساني هادف ومُهدف ومنتج ليس وظيفة أو مصدر للرزق وحسب بل إنه مفهوم اقتصادي واجتماعي وثقافي وحضاري وسياسي في آن واحد.
ورغم عدم الارتباط التلقائي والميكانيكي بين العمل والتنمية البشرية كما يؤكد التقرير إلا أن العلاقة بين الظاهرتين علاقة متشابكة ومعقدة, خاصة على ضوء تفاقم الأزمات الاقتصادية العالمية والتفاوت الكبير في مستويات الدخل والثروة بين الدول, وفي إطار الدولة نفسها, فمثلاً منذ عام 1990 ولغاية العام 2000 نمى الاقتصاد العالمي بنسبة 2,5% ومع ذلك زاد عديد الفقراء في حدود 100 مليون إنسان؛ ويؤكد المفكر المصري جلال أمين أن مصر نموذج للأزمة الرأسمالية فبضعة أفراد من عائلتي سايروس ومنصور يملكون ثروة تقدر ب 17.15 مليار دولار, في حين هناك ما يزيد عن 13.7 مليون إنسان تحت عتبة خط الفقر المدقع, ويمكن أن نضيف أن أكبر وأعظم اقتصاد في العالم _ اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية_ يبلغ عدد الفقراء فيها قرابة 46 مليون إنسان, كما أن عديد فقراء الفقر المدقع في العالم يناهز مليار فقير ولا يزيد الإنفاق اليومي للفرد منهم عن 1.9 دولار يومياً .
منذ مطلع القرن الحادي والعشرين استعرض الكثير من علماء الاقتصاد والاجتماع والسياسة بعمق تحليلي مفهومي التنمية المستديمة والعمل المستدام, ويمكن الاعتقاد هنا أن المفكر الفرنسي العالمي توماس بيكتي كان من أبرزهم في كتابه الموسوم برأس المال في القرن الحادي والعشرين, ومن خلال تحليله وتقييمه لبيانات ومعطيات عن 20 دولة متطورة لمدة 200 عام, توصل إلى نتائج في غاية الأهمية والخطورة في آن واحد, ولعل من أبرزها : أن معدل العائد على الثروة , أي التوظيفات المالية لرأس المال المالي أكبر بكثير من معدل العائد على الاستثمارات الانتاجية في الاقتصاد الحقيقي.
وعليه فإن الأولوية من وجهة نظر مالكي الثروة لا تكون لصالح رأس المال الإنتاجي والذي يضيف قيماً اقتصادية جديدة ومُدرة للدخل ومولدة لفرص العمل المستدام.
والنتيجة أن الثروة النقدية تتكدس وتتراكم وتتركز في أيدي فئة قليلة هي الاليغارشية المالية, وهذا الأمر يتيح لها الادخار والاستثمار على شكل توظيفات مالية مما يؤدي إلى الانفصال بين رأس المال المنتج _ أي الاقتصاد الحقيقي_ , ورأس المال المالي غير المنتج, وهذا يعمق من الأزمة البنيوية للرأسمالية المعولمة الراهنة.
حيث أن الأصل في التنمية هي استجابتها ومدى قدرتها على إشباع حاجات الناس المتنوعة والمتعددة والمتجددة, وكون الإنسان هو العنصر الأساسي في التنمية وهو محورها وجوهرها فإن هذا يتطلب سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية وحضارية كلية تتناسب على مضامين العدالة في توزيع وإعادة توزيع الخيرات المادية للمجتمعات سواء كان هذا يتعلق بالسلع الاستهلاكية أو الإنتاجية سواء بسواء, وبكلمة واحدة لا يجوز الحديث عن تنمية وعمل دائم ومستدام ما لم يكن مركزه وهدفه وغايته الإنسان وبالإنسان ولصالح الإنسان؛ ومثل هذا الأمر يعني ودون موارب التدخل النشط للدولة ومؤسساتها في كافة الميادين والحقول الاقتصادية والاجتماعية, ولنأخذ مثال دولة ماليزيا كدولة ناهضة سجلت تقدماً مشرفاً على المستويات العالمية وتشير قدماً نحول العدالة الاجتماعية, ومع ذلك فقد بلغت حصة العشر الأغنى من السكان 32% من الدخل القومي, أما العشر الأفقر فإن حصتهم لا تتجاوز أل 2% , وهذا يعني أن هناك الكثير والكثير مما يتوجب فعله في كافة دول المعمورة.
رغم أن أهداف الأمم المتحدة المعلنة تطالب بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمل المستدام وتحفيز الحلول الخلاقة والإبداعية لمفهوم العمل باعتباره قيمة إنسانية وحضارية عظيمة, إلا أن هذا الهدف لا زال بعيد المنال, وهذا ما تؤكده كافة المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية العالمية سواء ما يتعلق بحقوق العمال أو النساء أو الأطفال أو ذوي الاحتياجات الخاصة, حيث أن تقرير التنمية البشرية يؤكد هذا الواقع المرير وبلغة الأرقام وبنسب مئوية في كافة صفحاته الواردة في التقرير.
يمكن التأكيد على أن تحليلات واستنتاجات وتوصيات مكتب التنمية البشرية يمكن التعويل عليها , إلا أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي اعتبر التقرير منسوباً ونتاجاً لجهود التنمية البشرية وهذا يضعف إلى حد كبير من نفاذ مفعول توصياته , كما أن التقرير رغم مناداته للشراكة بين القطاعين العام والخاص وتقليل دور النقابات والتشغيل الكامل .....إلخ, إلا أنه لم يشر صراحة إلى دور المؤسسات الدولية الهدام والمعرقل الحقيقي لسريان مفعول استنتاجات وتوصيات تقرير التنمية البشرية/ كصندوق النقد والبنك الدوليين, ومنظمة التجارة العالمية, والشركات المتعددة الجنسية, وروشتات مدرسة النيو كلاسيكية الليبرالية.
مما سبق يتضح الأهمية الاستثنائية المميزة للتقرير مما يعني أن هناك ضرورة ملحة لتبني تقرير التنمية البشرية في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية في العالم العربي ومنه الدولة الفلسطينية المنشودة.
حول مفهوم التنمية الاقتصادية والاستدامة :
تعتبر التنمية الاقتصادية المستدامة أحد أهم الأهداف التي تسعى لتحقيقها كافة الاقتصادات رغم التفاوت والاختلاف في المفاهيم والتيارات والمدارس الاقتصادية , وأضحى هذا التعريف حقلاً خصباً للجدل الدائم بين الاقتصاديين خصوصا مع تفاقم الأزمات الاقتصادية وتباطؤ النمو الاقتصادي والتفاوت المذهل بين الشرائح المجتمعية في الدول المعنية من جهة والدول فيما بينها من جهة أخرى.
يلقى مفهوم التنمية الاقتصادية المستدامة اهتماماً بالغ الأهمية للمؤسسات الدولية وأهمها هيئة الأمم المتحدة ومنظمة العمل الدولي وغيرها, والتي وضعت خططاً ورؤىً للألفية الثالثة أحد عناوينها الرئيسة : التنمية المستدامة .
ومما يذكر فقد بدأت تلك البرامج الإنمائية في تسعينات القرن العشرين, ورغم ما حققه الاقتصاد العالمي من نمو سنوي بلغ 2,5% في السنوات 2000-1990 إلا أن عديد الفقراء قد زاد بحدود 100 مليون شخص (1) لنفس الفترة ورافقها سريان اللا عدالة في توزيع الدخل والثروة على الصعيد العالمي وهذا ما يؤكد عدم نجاعة السياسات الاقتصادية النيو ليبرالية السائدة والمتعلقة بالاقتصاد الحقيقي وكذا علاقات الإنتاج النافذة المفعول في المراكز الرأسمالية المتقدمة .
يشار إلى أن الكثير من علماء الاقتصاد قد درسوا بعمق وتحليل ناقد لمفهوم التنمية المستدامة وأبرزهم الاقتصادي الفرنسي توماس بيكتي مؤلف كتاب ( رأس المال في القرن الحادي والعشرين), والصادر في العام 2014 وهو الكتاب الأكثر مبيعاً وجدلاً في أوساط الاقتصاديين في الوقت الراهن , إذ بحث الكاتب وبعمق غير مسبق في الأسباب التي أدت إلى زيادة الثروة عالمياً مترافقة مع اتساع الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية وعلاقتها بالتنمية الاقتصادية المستدامة , وتركز وتكدس رؤوس الأموال في أيدي فئة قليلة, ومن خلال استخدامه لبيانات رسمية عن بعض الاقتصاديات لمدة تزيد عن 200 عام تغطي 20 دولة متقدمة .
ويؤكد توماس بيكتي على أن الثروة تتراكم لدى أصحاب رأس المال أكثر بكثير ممن يبيعون قوة عملهم مقابل أجر, ومع ذلك فإن الفترة التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الثانية ( حقبة كينز) والتي يُطلق عليها دولة الرفاه الكينزية أو الثلاثين عام المجيدة.
أن نسب التفاوت قد انخفضت نسبياً لجهة السياسات الضريبية الصارمة ولتدخل الدولة في النشاطات الاقتصادية.
وبانتهاء تلك المرحلة عاد رأس المال ليتركز في أيدي القلة, وتوصل بيكتي لنتيجة هامة مفادها أن مردود رأس المال في الأسواق والبنوك أعلى من معدل النمو الاقتصادي ( نمو الثروة النقدية أكبر من نمو الاقتصاد أي أن r ( معدل العائد على الثروة) أكبر من g( معدل النمو الاقتصادي) , وبالتالي فالأولوية لا تكون رأس المال المنتج الذي يشكل العمل مصدره وعليه يزيد الأغنياء غنى ويبقى الفقراء فقراء.
ويرى كذلك أنه حتى فى دول الرفاه الأوربية وصلت معدلات اللا مساواة في توزيع الدخل إلى سقفها الجنوني , وأن معدل العائد على الاستثمار ( المالي) أكبر من معدل العائد على رأس المال البشري ( الإنتاجية) مما يعني ازدياد التفاوت ؛ والسبب في ذلك يعود إلى أن أصحاب أعلى الدخول سيدخرون ويستثمرون على شكل توظيفات مالية مما يؤدي إلى توليد دخل رأسمالي يتيح لهم أن يتقدموا على هؤلاء الذين يعتمدون على الأجور والرواتب إلى حد الانفصال عنهم ولا يستغرق الأمر غير أجيال قليلة قبل أن تتحول هذه الثروة المتراكمة إلى عنصر مسيطر في الاقتصاد والبنيان الاجتماعي – الاقتصادي.
ويرى بيكيتي أن المحرك الخفي لعدم المساواة المتطرفة هو أن عوائد رأس المال تتجاوز معدلات النمو الاقتصادي بشكل مذهل , وهو ما يثير السخط الطبقي، ‬ويقوض القيم الديمقراطية في الغرب،‬ وهو ما يفسر انطلاق نوع جديد من الرأسمالية،‬أقل صناعية،‬ وأكثر مالية، ‬قائم أساسا على المضاربات والاقتصاد الورقي الرمزي غير المنتج.
‬إذ يشهد العالم في هذه المرحلة من العولمة النيو كلاسيكية الليبرالية مجابهة حادة بين السوق والدولة،‬ بين القطاع الخاص والخدمات العامة،‬بين الفرد والمجتمع،‬ بين الأنانية والتضامن الاجتماعي.
أن الأصل في التنمية هي مدى قدرتها على إشباع رغبات واحتياجات الناس المتعاقبة والمتعددة والمتجددة كون الإنسان هو العنصر الأساسي للتنمية, تلك القدرة على الإشباع ترتبط ارتباطاً وثيقاً بوجود دور نشط للدولة في شتى مناحي الاقتصاد وتحديداً في السياسات المالية العامة المحابية للفقراء والمساندة لبرامج الحماية والضمان الاجتماعي ذات الأبعاد التنموية .
وبكلمات أخرى فإن التنمية المستدامة يتوجب لها أن تتضمن سياسات اقتصادية كلية في ميادين السياسات المالية والنقدية والتجارية والتوظيف تنحو نحو العدالة في إعادة توزيع الخيرات المادية للمجتمع سواء كانت تتعلق بالسلع الاستهلاكية أو الإنتاجية على السواء, وعليه فلا يجوز القول أن هناك قيمة للاقتصاد ما لم يكن هناك تنمية حقيقية وعادلة يكن مركزها وجوهرها الإنسان وبالإنسان ولصالح الإنسان.
استنادا لما سبق فإن وجود دور نشط للدولة ومؤسساتها يُعتبر الكفيل الأساسي لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية المستدامة والتي أقرتها منظمة الأمم المتحددة وعددها 17 هدفاً, ويمكن إبرازها بإيجاز بالنقاط التالية:
القضاء على الفقر, الصحة الجيدة والرفاه, التعليم الجيد, المساواة بين الجنسين, المياه النظيفة والنظافة الصحية, طاقة نظيفة وبأسعار معقولة, العمل اللائق ونمو الاقتصاد, الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية, الحد من أوجه اللا مساواة , مدن ومجتمعات محلية مستدامة, الاستهلاك والإنتاج المسؤولان, العمل المناخي, الحياة تحت الماء, الحياة في البر, السلام والعدل والمؤسسات القوية, عقد شراكات لتحقيق الأهداف.
ورغم تعدد تعريفات التنمية الاقتصادية المستدامة إلا أن الباحث يميل إلى أن المقصود بها هو تلك السياسة الاقتصادية طويلة الأجل الهادفة لتحقيق النمو الاقتصادي بشكل مستدام, والتي يرافقها زيادة مستمرة في متوسط دخل الفرد خلال مدة طويلة من الزمن ( الجيل الحالي والأجيال المستقبلية), وإن معدل الزيادة في متوسط دخل الفرد هو المقياس الأساسي لقياس سرعة النمو التنمية ومدى الجهد المبذول في مجتمع معين بالنسبة لمجتمع أخر, تلك العملية معقدة ومتعددة الأبعاد حيث ينجم عنها تغييرات جذرية في الهياكل الاجتماعية والسلوكية والثقافية والنظم السياسية والإدارية جنباً إلى جنب مع زيادة معدلات النمو الاقتصادي , وتحقيق العدالة في توزيع الدخل القومي وإعادة توزيعه واستئصال جذور الفقر المطلق في مجتمع ما , والجوهر الرئيسي للتنمية وهدفها النهائي يكمن في تحقيق القيم الانسانية المتعارف عليها :
1- إشباع الحاجات الأساسية للأفراد.
2- تحقيق الذات وتأكيد الشعور بالإنسانية.
3- إتاحة الحرية والقدرة على الاختيار.
وتأسيساً على ما سبق يتوجب التفرقة بين النمو والتنمية, فالنمو قد يعني الزيادة في متوسط الدخل, حيث أن التضخم وهو سياسة نيو كلاسيكية متعمدة يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للنقود, أما التنمية المستديمة فإنها بجانب زيادة معدلات دخول الأفراد, فإنها تنسحب بالضرورة على تراكم الأصول الاقتصادية الإنتاجية المُدرة للدخل والمولدة لفرص العمل الدائمة, وبجانب هذا فإنها تعني إنهاء الفصل التعسفي بين رأسمال المال المنتج _ الاستثماري و التوظيفات المالية _ الثروة الورقية, وبالمحصلة وكما تم أسلاف القول فإنها علمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسلوكية وسياسية متشابكة سمتها الأساسية طابع الديمومة والتأثير المتبادل بين كافة المتغيرات المشار إليها.
نحو مراجعة فاعلة أو جادة لأهداف التنمية المستدامة : ماذا تعني للعمل ؟
لا زالت أهداف الأمم المتحدة الهادفة لانتقال الاقتصاد العالمي إلى العمل المستدام وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل مستديم وإنهاء معضلات الإنسانية المتفاقمة تقع في خانة الحلم الذي لم يتحقق.
والحلول الإبداعية لا زالت أمنية وهدفاً إنسانياً عظيماً وخلاقاً خصوصاً مع تنامي التعقيدات في الرأسمالية والتفاوت المذهل في الملكية والثروة وأشكال ونمط توزيعها بين العمل ورأس المال, والذي نجم عنه نظاماً يميل مع الوقت إلى حالة اللا إنسانية كمرحلة متطورة لما يمر به العالم الآن من اللا عدالة في توزيع الدخل والثروة.
ويتضح ذلك مع تمركز رؤوس الاموال في أيدي الأقلية ووجود طبقة حكم للأثرياء من جهة ومن جهة أخرى استدامة أسواق المال وتحقيقها لعوائد تفوق العائد الذي يحصل عليه عنصر العمل .
وبهذا المعنى فإن الأهداف المرجوة للتنمية المستدامة وبعد ربع قرن من لجوء العالم إلى تبني مفاهيمها ورغبته بتحقيقها جاءت بشكل مغاير للأهداف التي وضعتها الأمم المتحدة خصوصا في الأعوام التي تلت الأزمة الاقتصادية العالمية أكتوبر 2008.
تشير البيانات والمؤشرات الاقتصادية الكلية المنشورة عن معظم الدول إلى وجود قلق ومخاطر حقيقية وإخفاقات واسعة النطاق للتنمية المستدامة خصوصا فيما يتعلق بالهدف الجوهري وهو القضاء على الفقر والجوع والمساواة بين الجنسين, والعمل اللائق ونمو الاقتصاد, حيث أن القضاء على الفقر: يُعتبر الهدف الرئيسي للأمم المتحدة, كون الفقر يعتبر بمثابة مرض السرطان للجسم الرأسمالي والعالمي, حيث يقترب عدد فقراء الفقر المدقع في العالم إلى حوالي مليار فقير وهم دون 1,9 دولار أمريكي للإنفاق اليومي .
وتلك النسبة مرتفعة لا زالت تشكل معضلة لصانعي القرار الاقتصادي .
في كبرى اقتصاديات العالم, فقد بلغ عدد الفقراء في الولايات المتحدة الأمريكية _ أكبر وأضخم اقتصاد في المعمورة_ عام 2015 قرابة 46.5 مليون أمريكي, وهذا يعني أن النمو الاقتصادي الذي يتم تحقيقه لم يساهم في خفض معدلات الفقر ولم يساهم في كبح جماح الفقر, كذلك في إسرائيل وعلى سبيل المثال لا الحصر ووفقا للرئيس الإسرائيلي السابق شيمعون بيريز فإن النمو الاقتصادي في إسرائيل رافقه وجود رأسمالية خنزيرية وهي عبارة عن مجتمع إسرائيلي يتكون من 6000 ملياردير مقابل 6 مليون فقير.
أما بخصوص العمل باعتباره نشاطاً إنسانياً منتجاً وهادفاً ومُهدفاً, مبدعاً وخلاقاً فإن توصيات المؤسسات والمنظمات الدولية قد ساهم في تشوه أسواق العمل عوضاً عن تقويمه وتصحيحه خصوصا في الحرية التجارية والاتفاقيات التي تقرها وترعاها ربما أدى إلى إضعاف وتهميش قوة تأثير نقابات العمل, وهذا ساهم في خفض معدلات الأجور الحقيقية والضغط على مستويات المعيشة, كما وترتب عليه إجراء سياسات سُميت تصحيحية من قبل الشركات القومية وفوق القومية لإعادة توزيع الدخل والثروة من خلال التضخم ورفع الأسعار بشكل مستمر ولصالح الأقلية الأوليغاركية المالية وعلى حساب محدودي الدخل والفقراء والذين يشكلون الغالبية العظمى والساحقة في مجتمعاتهم .
يمكن التأكيد على أن تقرير التنمية البشرية والذي ساهم في إعداده فريق يتمتع بمكانة ومراكز مرموقة في العديد من الدول والمجتمعات؛ بينهم رؤساء دول ومفكرين وعلماء حائزين على جوائز عالمية كجائزة نوبل وغيرها, قد شكل خطوة هامة في إعادة الاعتبار والهيبة لمفهوم العمل ومضامينه الإنسانية العظيمة والنبيلة والخلاقة, خاصة ما يتعلق بحقوق الأطفال والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة, ويضاف لذلك تبني التقرير للعمل المستدام كقيمة لا يجوز تجاوزها كون العمل المستدام هو حجر الأساس للتنمية المستدامة.
فهو يتيح الفرص لأجيال الحاضر في حياة كريمة ومستقرة دون المساس بفرص أجيال المستقبل.
وفي مجال التقييم فإن اعتماد أهداف التنمية المستدامة من قبل قمة الأمم المتحدة تكتسب أهمية متنامية, خاصة الهدف (8) والذي يطالب بأن يكون النمو الاقتصادي المضطرد والكلي والشامل لجميع أبناء البشر وينسحب هذا على التوظيف الكامل والمنتج وتوفير فرص العمل المستقرة واللائقة والدائمة للجميع.
ورغم إمكانية التعويل على تحليل واستنتاجات وتوصيات مكتب التنمية البشرية إلا أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي اعتبر التقرير منسوباً له ونتاجاً وحسب لجهود مكتب التنمية البشرية هذا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى ومع أن تقرير المكتب يطالب ودون مواربة إلى اتباع سياسات مالية توسعية وتوظيف كامل والسوية بين الذكور والإناث وتحريم تشغيل الأطفال والتدخل النشط للدولة والشراكة بين القطاعين العام والخاص وتفعيل دور النقابات ...إلخ, إلا أنه لم يشر صراحة إلى الدور الهدام للمؤسسات الدولية المُعرقلة لنفاذ مفعول استنتاجات وتوصيات تقرير التنمية البشرية / صندوق النقد والبنك الدوليين , منظمة التجارة العالمية, الشركات متعددة الجنسية والتي تشكل مجلس إدارة اقتصاد العالم, تبني دول المركز الرأسمالي المتطور لمفاهيم النيو كلاسيكية الليبرالية المتوحشة القائمة على الخصخصة والتكيف الاقتصادي واقتصاد السوق, وتحويل مؤسسات الدولة إلى أداة تنفيذية لسياساتهم الاقتصادية والاجتماعية.
أن هناك أهمية فائقة لاشتقاق الدروس فلسطينياً من هذا التقرير, فترتيب فلسطين وفقا لتقرير التنمية البشرية لعام 2014 يأتي في المرتبة 113 , أما إسرائيل فقد جاءت في المرتبة 30.
وهذا الأمر يُملي على صانع القرار الفلسطيني إيلاء أهمية مميزة لمسألة التنمية البشرية, خاصة أن رأس المال الفلسطيني الأساسي هو الإنسان في ظل الندرة النسبية للموارد الاقتصادية الفلسطينية وصغر حجم السوق الفلسطيني.
وهذا يعني ضرورة المراجعة الشاملة لاتفاق باريس الاقتصادي والقائم على مضامين اتحاد اقتصادي وجمركي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي , وبشكل لا يتضمن ولا بحال ندية وتكافؤ العلاقات الاقتصادية بين الطرفين؛ حيث أن آليات نمو الاقتصاد الفلسطيني يتحكم فيها إلى حد بعيد بنك إسرائيل المركزي ووزارة المالية الإسرائيلية ووزارتي التجارة والدفاع_ أي أن السياسات النقدية والمالية والتجارية بل حتى الأمنية تعود إلى صناع القرار الإسرائيلي .
وبجانب هيمنة دولة المركز على الدولة الطرفية فإن السياسات الاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية تتبنى وتنفذ سياسياً اقتصاد السوق النيو ليبرالية المتوحشة من خلال تشريعات مستمدة من توجيهات وإملاءات البنك الدولي, والقائمة على أولوية القطاع الخاص المحاصر والهش والناشط ضمن اختلالات اقتصادية هيكلية في مواجهة القطاع العام والذي يعود له الفضل في كافة بلدان العالم بما فيها الدول الرأسمالية المتقدمة في بناء الدولة والنمو والتنمية الاقتصادية.
بناء على ما سبق ذكره أعلاه فإن استعراض وتحليل وتقييم تقرير التنمية البشرية بالإضافة لأهميته للإنسانية جمعاء, فإنه يحتل مكانة تتميز بالخصوصية والأهمية الاستثنائية فلسطينياً وعربياً.
قطاع غزة وتقرير التنمية البشرية :
إن وجود 9 آلاف مليونير في غزة مع وجود أزمات إنسانية بالغة السوء وأهمها تفاقم أزمة الكهرباء وانخفاض مستويات الصحة والتعليم , يعني أن هناك اتجاه عام لمعدلات تتزايد سوءاً في اللا عدالة في توزيع الدخل والثروة, وعليه فإن المقصود بحياة رغيدة والناس سعداء بها, هي أن هناك حياة فعلاً رغيدة والناس سعداء بها ل 9 آلاف مليونير مقابل 2 مليون فقير , أي أن الرأسمالية في غزة هي رأسمالية تخصيص المنافع وتعميم الخسائر, أي تخصيص مجتمع الرغد لنصف بالمائة وتعميم الفقراء الجدد ل 99.5 بالمائة.

بقلم / حسن عطا الرضيع
الباحث الاقتصادي.