يخيل للبعض أن الحب و العشق هما مصدر إلهام الشعراء و كتاب القصة و الروائيين فقط، في حين أن الحب هو النقطة التي يتركز فيها تفكير الإنسان، و تتوزع منها كل الأنواع الأخرى،من المشاعر التي تنحدر من ظهر الحب، فالحب وهو أساس الحياة وهو الذي يدفع بالحياة للإستمرار.
ان دنيا السياسة أيضاً موبوءة بشحنات الحب حيث تكون البداية من نقطة الحب من طراز آخر، فالنضال السياسي و الإستشهاد و حتى المواجهة تكون أساسها الحب، لكن أحياناً يكون نوع من الحب السلبي الذي يحاول إلغاء الآخر و تأسيس نفسه على حساب الآخر.
فالحب الخالي من كل أنواع المصالح هو الحب الإيجابي ، والدفاع عن اقدس قضية وهو قضية فلسطين الذي من اجلها مضى ووهب مئات الآلاف من المناضلين هي الحب ، لأن الشعب الفلسطيني ومعه كل المناضلين العرب والامميين يتطلعون الى الحرية و الديمقراطية وتحرير الارض والانسان.
وهنا السؤال أن السياسة التي تمارس الآن مشحونة بالحب أم بالمصالح، لماذا بدأت العلاقة بين السياسة والحب تسير نحو الزوال؟ لماذا لم تعد السياسة تلتقي بالحب في أي مكان، لماذا إنقسم الحب في أفضل حالاته إلى حب سلبي و حب إيجابي، في وقت كان فيه الحب لا يتحمل أي تسمية أو تقسيم..
التأريخ السياسي لا يوجد بدون شك في دفاتر الشعراء الذين مازالت علاقتهم بالحب بحال أفضل من علاقة السياسيين بالحب، وإن التأريخ السياسي في كتب التأريخ المليئة بالاحداث، رغم أن عمر الحب أطول من عمر الحروب و الإقتتال، إلا أن السياسة هي المنتصر الأخير لأنها تمكنت من التخلص من شوائب الحب و العشق،وان البعض يسعى ليحتفظ بالمناصب والكراسي والمصالح.
لذلك اقول هذا الكرم في الاوقات الخطيرة والصعبة ، فواقعنا الذي نعيشه يتطلب وقفة حقيقية بوجه الانقسام الكارثي وتعزيز مشاعر الحب فنحن نواجه هجمة عدوانية تستهدف الارض وتستهدف المقدسات الاسلامية والمسيحية وتستهدف الانسان وتستهدف الهوية هجمة صهيونية امبريالية ارهابية تستهدف فلسطين ودول المنطقة ، فهل نهتدى الى الحب الحقيقي .
و مع التقدم الهائل في التكنولوجيا نجد أن الحب ينسحب أو تتغير أشكاله، و في الكثير من الدول الأكثر تأزما سياسياً نجد أن أكثر ما يقوم به البشر من نشاطات سياسية حتى الإرهابية منها يكون الحب هو الشماعة التي يعلقون عليها حججهم، بعيداً عن المقولات الإيديولوجية الجاهزة.
من هذه الزاوية يمكن قراءة ما انكشف من تدهور مريع في المستوى الإنساني بعد احتلال العراق وتعميم ما يسمى الفوضى الخلاقة ومن ثم اتى ما يسمونه الربيع العربي التي ارادته الامبريالية والقوى الاستعمارية من خلال ضرب الدول وسيادتها لتفجر حرب قذرة في المنطقة
، والاستياء على مقدرات الدول ، حيث عاثوا فيها فساداً وتنكيلاً وإجراماً طيلة ستة سنوات، من قبل عصاباتهم المرتزقة والمجرمين والغزاة الذين استباحوا دول المنطقة، ولكن اليوم بعد معركة تحرير حلب واحدة والتي كانت من أهم المعارك التي عرفتها بلدان عديدة ، حيث شكل الحب بين رفاق السلاح بطولات نادرة يجب ان تحفظ لهؤلاء الرجال ، وخاصة بعد صوابية النهج المقاوم ، الذي أثبت فاعلية حقيقية في صدّ موجات العدوان الشرس على سورية، لأن في هذا التحالف مصلحة مشتركة لجميع أطرافه، وأهمها وضع حدّ للهيمنة الأمريكية على العالم.
امام كل ذلك يجب ان نرى ان الشعب الفلسطيني الذي يواجه العدو الصهيوني ، وجميع الشعوب التي تقاوم النهج الإمبريالي والمشروع الإرهابي الذي يفتك بسورية والعراق والاردن ومصر هو بكل تأكيد سيسقط الشرق الاوسط الجديد ، وهذا يستدعي شراكة الدم بين جميع الشعوب وقواها المقاومة حافزاً لمزيد من التعاون والتقارب.
نحن اذن علينا ان ننظر باوضاعنا حتى نعيش حالة حب مع طموحاتنا وأحلامنا وأفكارنا، سنجد أن نظرتنا إلى الحياة تغيّرت وباتت الألوان الزاهية عنوانها، وأننا بتنا نحب كل ما يحيط بنا، رغم ما يحيط بنا من السواد والتشاؤم واليأس، لكن اذا توسعنا بتفكيرنا بمفهومنا السياسي والنضالي، وعكسنا الحالة الشخصية على الحالة العامة لوجدنا أننا حينما نحب حباً عاماً ستكون الحياة أجمل وأبهى، وسيصبح العالم لا يتسع لأجنحتنا، فنسعى للعطاء أكثر ونصبح أقرب إلى الإنسانية التي خصّتنا بها الطبيعة ، لأننا ما ولنا نقود نضالنا الوطني مهما بلغت التحديات ولن تنكّس الراية التي حملها الشهداء من قادة ومناضلين .
ختاما يبقى الهدف واحداً ، وهو أن التضحية والفداء والوفاء والإخلاص ، ونكران الذات ينبع من الحب الصادق الذي نرنو إليه جميعاً فليس هناك شيء إسمه الحب بدون الصدق والوفاء والتضحية وإنصهار الذات الأولي في الذات الآخر.. وعندما يخيم مثل هذا الحب على الحياة والكون تكون هناك السعادة والطمأنينة والإرتياح الروحي والسلام النفسي واستعادة حرية الشعب الفلسطيني من خلال تحرير ارضه واستعادة حقوقه الوطنية المشروعة واستعادة الشعوب العربية حريتها بعد انتصارها على اعتى هجمة من خلال تحقيق اهدافها في الكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، من هنا يكون الحب معيارنا اليومي.
بقلم/ عباس الجمعة