القرار الأممي بين الحق والانحياز

بقلم: أحمد الشقاقي

يجمع كل من ينتصر إلى الحق والمظلومية الفلسطينية، أن قرار مجلس الأمن الذي طالب دولة الاحتلال بوقف الاستيطان، وتأكيده على عدم شرعية إنشاء المستوطنات على الأراضي المحتلة منذ العام 1967 بما فيها القدس المحتلة، هو استجابة في الحد الأدنى من المنظمة الدولية تجاه الحق الفلسطيني.

تفاصيل القرار الأممي سواء المتعلقة بالإعداد له، أو السياقات التي تضمنها، ترسم المشهد السياسي على الصعيد الإقليمي والدولي تجاه المنطقة، وهو ما يذهب بالجميع لإدراك معادلة الحق الفلسطيني الواضح، والذي تتجاهله القوة العظمى الأولى في العالم، والتي سمحت في نسختها الديمقراطية وعلى أعتاب مغادرتها للبيت الأبيض بتمرير القرار، وبالتالي فإن الولايات المتحدة تدرك انحيازها المستمر لصالح دولة الاحتلال وأرادت وفق ما تحدثت به الخارجية الأمريكية الحفاظ على أمن دولة الاحتلال المهدد بفعل النشاط الاستيطاني!!

إن رفع سقف التوقعات من السياسة الأمريكية تجاه المنطقة أصبح من دواعي الجنون، فلا يمكن أن ننتظر من ترمب والإدارة الأمريكية القادمة أن تغادر مربع الانحياز لدولة الاحتلال، والرسالة الواضحة من الفريق الجمهوري تؤكد أن انحيازاً أكبر لإسرائيل من قبل الولايات المتحدة يجرى الإعداد له، ومن المرجح أن يتجاوز المألوف، وبالتالي تعريض الموقف الرسمي الفلسطيني للسلطة الفلسطينية للحرج البالغ وسط تزايد القناعات لدى كافة الأطراف بفشل التسوية وعملية السلام وانعدام فرص حل الدولتين.

كذلك فإن مداولات تمرير القرار أصابت الجمهور الفلسطيني بخيبة أمل كبيرة من أطراف عربية رسمية تراجعت، ما فتح المجال لكثير من التكهنات حول أسباب هذا التصرف الذي عزاه البعض لوعود أمريكية من الإدارة الجديدة، وضغوط إسرائيلية، وهي أسباب غير مبررة. لكن أخطر ما في هذه النقطة تحديداً التخوفات من أن يكون هناك تراجع في الدعم السياسي العربي الرسمي للسلطة الفلسطينية نتيجة لخلافات الرئيس مع الرباعية العربية تجاه قضايا داخلية.

الحديث عن الدور الذي قامت به نيوزيلندا وماليزيا وفنزويلا والسنغال تجاه قضية عادلة في مواجهة دولة الاحتلال، يؤكد أن الحق الفلسطيني جلي وواضح، حتى وان تراجع أصحابه فلسطينياً مكبلين بانقسام، وعربياً محملين بأوزار العلاقات الدولية على حساب القضية المركزية. وبالتالي فإن السياق المتضامن مع الشعب الفلسطيني بحاجة إلى استثمار أكبر وفق منطق انتصار الإنسانية على البعد القومي والانتماء الديني.

ما خرج به القرار من إدانة وإلزام لإسرائيل بمسئولياتها القانونية تجاه المدنيين كونها قوة احتلال مهم، خاصة أنه يأتي مترافقا مع رفض محاولات تغيير المشهد الديموغرافي، ودعوة الاحتلال لوقف مصادرة الأراضي، ونقل المستوطنين، والبناء على الأراضي المحتلة.

ومن الواجب على السلطة الفلسطينية قبل الحديث عن انتصارات في هذا السياق متابعة هذا القرار رسمياً، خصوصاً وأنه يتضمن طلباً من الأمين العام للأمم المتحدة بتقديم تقرير في هذا الإطار كل ثلاث شهور، وهو ما يعني أننا بحاجة إلى متابعة حثيثة وقادرة على البناء على هذا الانجاز، بما يمكنه من تحقيق الغايات المرجوة منه.

حالة الهلع التي أصابت دولة الاحتلال على إثر هذا القرار الذي جاء وفق ما لا تأمله، تؤكد أن النجاح الفلسطيني هو ما يتعارض مع مصالح الاحتلال، وما تسعى إليه البرامج الفلسطينية المطروحة حالياً تتصادم مع كثير من المعوقات، لكن ما لا يختلف عليه أحد فلسطينياً أن المرفوض إسرائيلياً بالتأكيد مصلحة فلسطينية، وهو ما يستدعى ذهاباً حقيقياً من جميع الأطراف الداخلية الفلسطينية نحو تحقيق المصالحة على قاعدة المصلحة الوطنية وليست الحزبية، وبعيدا عن تكرار الواقع المأزوم، وبطريقة إبداعية تتناسب مع تطلعات شعبنا وبما يتجاوز الجمود الحالي ويحقق نقلة نوعية في إطار العمل المقاوم والتكتيك السياسي.

بقلم/ د.أحمد الشقاقي

صحفي وأكاديمي إعلامي