الإمتناع عن التصويت في إنتظار الفيتو القادم !

بقلم: جبريل عودة

قرار مجلس الأمن والذي يدين الإستيطان الصهيوني في الضفة المحتلة بما فيها القدس المحتلة, نقطة تحول جديرة بالإهتمام , وخاصة فيما يتعلق بعصا الفيتو الأمريكي , التي بقيت مرفوعة في وجه الحق الفلسطيني ومظلوميته الواضحة ,وهي تساند بكل وقاحة في دعم المحتل والقاتل والمجرم الصهيوني , غير آبه بفظاعة جرائم المحتل ,الذي يستهدف المدنيين بأطنان من القنابل والصواريخ الأمريكية ,ويهدم المنازل ويصادر الأراضي ويدنس المقدسات , ويمارس الإعدام الميداني للمواطنين الفلسطينيين, حيث أن الفلسطيني مستهدف لكونه فلسطيني في قتل على الهوية , يناقض كل المواثيق والأعراف الدولية , ومع ذلك لم نرى إعتراضاً أو شجباً من راعي التسوية الأمريكي , بل كانت أمريكا بإدارتها المتعاقبة تقف دائماً موقف الخصم أمام الحقوق الفلسطينية والعربية.
فماذا تغيير حتى أصبح مجرد إمتناع المندوبة الأمريكية , في مجلس الأمن عن التصويت في مسألة تخص الكيان الصهيوني , بمثابة التحول التاريخي الكبير في السياسة الأمريكية, وإنتصاراً يهلل ويطبل له الفلسطينيون والعرب ؟! , ويأبى التاريخ الا ويخبرنا حتى لا نستمر في الإنتشاء الوهمي , بأن قراراً تقدمت به باكستان وبنما وتنزانيا ورومانيا في 23 يناير 1976م ينص على حق الشعب الفلسطيني في ممارسة حق تقرير المصير في إقامة دولة حرة في فلسطين وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، وضرورة انسحاب الكيان من الأراضي المحتلة منذ يونيو 1967م، ويدين إقامة المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة، الا أن الولايات المتحدة إستخدمت قرار الفيتو ضد هذا القرار , فالإدارة الأمريكية تاريخياً في حالة عداء للشعب الفلسطيني وقضيته , وهي شريك للإحتلال الصهيوني في كل جرائمه , تمده بالسلاح والمال والدعم السياسي , لقد ساندت الولايات المتحدة الأمريكية كيان العدو الصهيوني بـ 42 فيتو أفشلت من خلالها مشاريع قرارات تدين الكيان الصهيوني على جرائم فعلية إرتكبها أمام مرأى العالم أجمع , ولم يخجل ممثلو أمريكا في مجلس الأمن , برفع أيديهم في معارضة لكل إدانة لربيبتهم المجرمة " إسرائيل" , ولم تحرك مشاهد المجازر في فلسطين ولبنان ضمائرهم المتبلدة , وإستمروا في حماية ظهر الكيان الصهيوني في الهيئات الدولية وخاصة مجلس الأمن , بل ساهمت أمريكا في توفير الوقت اللازم للكيان الصهيوني , من أجل إتمام مجازره ومخططاته في الميدان , عبر تأجيلها قرارات من شأنها وقف الحرب العدوانية وإعلان وقف إطلاق النار, ومثال ذلك حرب لبنان 2006 ميلاديه , والحرب على قطاع غزة 2014ميلاديه , حيث عمدت الولايات المتحدة الأمريكية لإطالة أمد العدوان , حتى تميل الكف لصالح الكيان الصهيوني ويحقق مصالحه وأهدافه , قبل إعلان وقف إطلاق النار .
وهل استفاقت إدارة الرئيس أوباما بعد ثمانية سنوات , وقبل أيام من رحيله عن البيت الأبيض وفطنت بأن الإستيطان الصهيوني عقبة في طريق التسوية ؟! , يرجع المراقبون بأن الخلاف الشخصي بين نتانياهو وأوباما , وتوتر العلاقات بينهما في كثير من القضايا وعدم الإنجسام الشخصي بينهما , من المسببات التي دعت الرئيس أوباما للإمتناع عن التصويت عن قرار إدانة الإستيطان اليهودي في الضفة المحتلة , خاصة بعد توارد الأنباء حول طلب نتانياهو النجدة من الرئيس المنتخب دولند ترامب, لوقف القرار في مجلس الأمن في مخالفة للأعراف المتبعة, وكان ترامب تلبية لنداء نتانياهو , دعا إدارة أوباما إلى استخدام الفيتو ضد مشروع القرار، واتصل هاتفيا بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لسحب مشروع القرار , قبل أن تعيد طرحه أربعة دول وهي "نيوزيلندا وماليزيا وفنزويلا والسنغال " للتصويت في مجلس الأمن, وقد يكون أوباما أيقن في أواخر أيامه بأن نتانياهو , هو من يعطل أي إتفاق للتسوية في الملف الصراع العربي الصهيوني , وهو بذلك يمنعه من إنجاز سياسي يضاف في سجل إنجازاته الرئاسية , ولعل أوباما أراد الإنتقام الشخصي وتوجيه الصفعة لنتانياهو , مع علمه بأن تأثيرها وقتي , ولن يكون لها أي أثر جدي أو خطر ملموس على الكيان الصهيوني.
فالإدارة الامريكية ومؤسساتها مجتمعة في خدمة الكيان الصهيوني , وهذا واضحاً من حجم الانتقاد للموقف الرسمي الأمريكي بالإمتناع عن التصويت , من قبل الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء , معتبرين أن تلك الخطوة بمثابة خيانة لحليفهم المركزي في الشرق الأوسط , وهذا ما عبر عنه الرئيس الأمريكي المنتخب دولند ترامب, حينما قال بأن الأمور ستختلف بعد العشرين يناير في مجلس الأمن , وهو موعد تسلمه للرئاسة الأمريكية , وبالتالي فإن الوجه القبيح للإدارة الامريكية المعادي لقضيتنا الوطنية سيطل ببشاعته المعهودة , فلا داعي لأن نبني آمال وهمية يبددها الفيتو الأمريكي القادم .
ومع ذلك فإن أهل الحقوق يطربهم ويسعدهم , أن يروا النصير والمساند والمعترف بحقوقهم , وهذا حال شعبنا الفلسطيني المظلوم , الذي يسعى لحشد الدعم والمساندة الأممية لحقوقه الوطنية في إستعادة وطنه وتحقيق الإستقلال الوطني التام , ومن أجل إنجاح هذا المسار التحرري علينا كفلسطينيين أن نعمل على جبهتين قويتين مع التنسيق بينهما , أولهما المعركة السياسية الدبلوماسية بطرح القضية الفلسطينية في كل المحافل , وتأكيد على بشاعة الإحتلال الغاشم , وعدم التسليم أو الإستسلام بقبوله كواقع على الأرض الفلسطينية, وأن المطلوب إزالته والتخلص منه كإستحقاق طبيعي , تسعى له كل الشعوب الحرة في مواجهة الإحتلال الخارجي أو العدوان الأجنبي , وثانيهما إستخدام الحق المكفول في كل الشرائع السماوية والقوانين الأرضية والتمثل بمقاومة المحتل بالقوة , وضرب كل مفاصله , وإنزال الهزيمة به وإجهاض مشروعه الإستيطاني التهويدي , والدفاع عن هذا الحق المقدس في كافة الهئيات الدولية ومواجهة التهم الباطلة بـ "الإرهاب" التي يحاول ترويجها الكيان الصهيوني ضد مقاومة شعبنا الوطنية .

بقلم : جبريل عوده *
كاتب وباحث فلسطيني
24-12-2014م