تشكل مناسبة عيد الميلاد المجيد عيد ميلاد النبي عيسى عليه السلام حاضرة في الوجدان الفلسطيني وفي كل فلسطين ، ولكن هذا العام تأتي المناسبة لتشكل رمزية مختلفة هي انتفاضة القدس التي ترسم بدماء شهيداتها وشهدائها طريق الحرية ، كما نرى في الميلاد المجيد هذا العام الانتصار الذي يتحقق على ارض سوريا باستعادة حلب، وهنا يكتمل مشروع النضال الذي يتزامن مع الذكرى الثامنية والخمسون لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة ليتكلل كل ذلك بالشهادة والانتصار في آن معا.
من هنا يأتي الاحتفال بعيد الميلاد من كل عام، هو احتفال يعني كل الشعوب المحبة للسلام والتسامح. لنؤكد في هذه المناسبة المجيدة ان بيت لحم حزينة والقدس تتألم، والاحتلال الإسرائيلي لم يتوقف لحظة واحدة عن بطشه وأساليبه القمعية بحق الشعب الفلسطيني وقضيته العادله.
نعم الشعب الفلسطيني يتوحد باعياده كونه جزء لا يتجزأ من الامة العربية وهو يحتفل بهذه الاعياد تعبيرا عن إيمانه بعدالة قضيته رغم الظروف القاسية والصعبة التي يعيشها في فلسطين من احتلال، هذا الشعب الذي يطمح كباقي شعوب المعمورة للحصول على استقلاله وحريته، هذا الشعب الذي قدم الكثير كي يتحرر من براثين الاحتلال.
ان الشعب الفلسطيني يسعى الى استعادة وحدته الوطنية وانهاء الانقسام حتى تبقى واجهته " فلسطين " ويتطلع الى دول العالم المحبة للسلام للوقوف إلى جانب قضيته الوطنية العادلة وإرغام دولة الاحتلال للانصياع لقرارات الشرعية الدولية لتحقيق السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وأن يعم السلام كافة أرجاء المعمورة.
وامام هذه المناسبة المجيدة نقول أن الأمم والشعوب تموت عندما تحيا ، وما تتعرض له شعوبنا اليوم من قبل المشروع الإستعماري ، هو مخطط ومدبر له من قوى الامبريالية الإستعمارية ، بهدف إدخال المنطقة العربية في أتون الفتن المذهبية والطائفية،وإستخدام قوى ارهابية تكفيرية من اجل ان تقوم بتنفيذ هذه المهمة، فلا فرق بين داعش والنصرة وارهابهم ،إلا في الدور والمهمة والوظيفة والمهام المنوطة بها من اجل العمل على تصفية الوجود العربي المسيحي في المشرق العربي،بل وخلق فتنه مذهبية شيعية – سنية،وقتل وذبح وتهجير الأثنيات والقوميات الأخرى ،والهدف منع تبلور وتطور أي مجتمعات ودول وطنية ومدنية،وخلق ثارات وجروح عميقة بين فئات المجتمع لا يمكن لها ان تندمل لعشرات بل مئات السنين.
ان حياتنا وتاريخنا وحضارتنا وثقافتنا وأدبنا وفلسفتنا وثوراتنا ونضالاتنا، لهم في العمل الوطني والسياسي،لهم في الثقافة والتاريخ،لهم في الحضارة والفلسفة،لهم في الأدب والتراث،وهم ليسوا لا دخلاء ولا غرباء في وطنهم،وهم ليسوا أقلية في وطنهم،فهم جزء أصيل من هذا الوطن العربي وملح هذه الأرض.
لذلك لنرفع صوتنا في عيد الميلاد المجيد بمواجهة هذا الخطر الداهم وإجتثاثه،قبل ان يتفشى في الجسد العربي والإسلامي كالسرطان،لأن ما يحدث في سورية والعراق هو ناقوس خطر على الجميع،ناقوس خطر لكل قومي عروبي ومسلم.
ان ما تعيشه فلسطين من تناغم بين ابنائها هو تناغم نابع من حالة السلام الداخلي في كل فرد منا التي تجعل المجتمع الفلسطيني وتجعل تماسكه اكثر متانة وقوة وان فلسطين ترسل دائماً الرسائل للاخرين عبر المحبة والاخوة والرحمة والسلام الموجودة بين افراد شعبها, وان العلاقة التي تجمع الاديان في فلسطين هي علاقة تكامل عميقة عمق التاريخ, لان الله اختار فلسطين لتكون مهداً للديانات السماوية الثلاث وما يحمله ذلك من معان عظيمة.
ان أبعاد قوة فلسطين وثبات مواقفها ينبع من دورها في نقل ونشر ثقافة المحبة والتسامح الى الاخرين في اطار إرثها الحضاري الذي كان الرسالة الحقيقية للمسيحية وللاسلام الى العالم اجمع ولابد ان تستمر في تأدية واجباتها في نقل هذه الرسالة.
واليوم ونحن تضيئ أشجار الميلاد في ساحات المدن وبيوتها، نتطلع الى ورق شجر الزيتون، لتجوب قلوب كل المحتفلين بهذا العيد، تحتفل القدس وبيت لحم هذا العام بعيد الميلاد حزيناً جراء ما تشهده الاراضي الفلسطينية من حملة تهويد واضحة وعلنية، الا أن تصويت مجلس الأمن بالإجماع على قرار يدين الاستيطان هو انتصار لعدالة قضية فلسطين، ويشكّل خطوة هامة على صعيد إدانة الاحتلال، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، والتي دأب الاحتلال على عدم الالتزام بها.
ان فلسطين هي قضية الأمة العربية كلها وليست قضية الفلسطينيين وحدهم، هي القضية الأولى للأمة لأن لا حرية حقيقية للأمة وفلسطين محتلة ولا وحدة عربية وفلسطين محتلة ولا حياة كريمة لعربي بدون فلسطين، فعلى الشعوب ان تدعم صمود الشعب الفلسطيني ونضاله ، وان تحمي عروبة القدس، فيكفي الشعب الفلسطيني وهو يصنع صورة مبدعة بالحجر والدهس والسكين وبكل ما أوتي ذلك ، هذا الشعب المقاوم يعيق تطوره غياب الإرادة الموحدة بالمواجهة مع العدو، فينا يستمر البعض بالرهان على التفاوض والمفاوضات رغم كل السنين التي أضاعها الشعب الفلسطيني والأضرار الجمة التي انعكست عليه، وهذا يستدعي من القوى والاحزاب العربية العمل على استنهاض قواها بمواجهة القوى المعادية التي تحرف طبيعة الصراع من صراع وطني وقومي تحرري في مواجهة العدو الصهيوني إلى صراع مذهبي ليس إلا خسارة صافية للشعوب العربية وربح كامل للكيان الصهيوني.
فمنذ الأزل يقاوم الشعب الفلسطيني الاحتلال الذي ينهب أراضيه ويطرد سكانه ويقتل أطفاله كل يوم، ولكنه صامد، حمل العيد هذا العام رسالة أمل تنطلق لجميع أرجاء العالم، وهذه هي الرسالة التي لا زال يتمسك بها الشعب الفلسطيني وسط كل أزماته ومحنه، فبالأمل والمحبة والسلام والأخوة، نحن الفلسطينيون، نختم عاماً ونطوي صفحاته المؤلمة، لنبدأ عاماً جديداً وبصفحات بيضاء نخط عليها جميع أمانينا بالتحرر والاستقرار والأمل، وان أعياد أبناء الشعب العربي الفلسطيني مسيحيين ومسلمين هي اعياد وطنية تتآلف في القلوب وتلتقي عندها محبة الجميع للوطن.
ختاما: نتمنى بهذه المناسبة أن يعم السلام والمحبة والأمن والأمان هذا العالم وان يبعد عنا شر الحروب والكوارث والإرهاب على اختلاف أنواعه، ولنفتح قلوبنا للنور والمحبة من خلال قرع أجراس عيد الميلاد، ونحن نتطلع ان يتكلل نضال الشعب الفلسطيني بالنصر على الاحتلال وانجاز الحرية والاستقلال والعودة، كما نتطلع أن يحمل العام القادم بشائر الخير والمحبة والسلام، وسائر الشعوب العربية والعالمية ودول العالم المحبة للسلام والعدالة.
بقلم / عباس الجمعه
كاتب سياسي