الانفتاح المصري على قطاع غزة – قرار إدانة الاستيطان وترتيب البيت الداخلي

بقلم: غازي مرتجى

لقد أخطأت مصر بقرارها سحب المشروع الخاص بإدانة الاستيطان , "أم الدنيا" حاولت إصلاح الخلل بعدها ونجحت ليس بتبريراتها بل بـ"طوق النجاة" فلسطيني الصُنع الذي نسجه الرئيس أبو مازن لنظيره المصري .. الجميل في قرار إدانة الاستيطان لم يكن القرار بحد ذاته وإنما الوحدة الفلسطينية الإجبارية فلم يكن في القرار ما يُثير غضب أي من الفصائل وإزالة الاستيطان هدفًا فلسطينيًا بكل الوسائل المُتاحة .

القرار سيكون كسابقاته إن لم تتبه خطوات باتجاه التنغيص على المستوطنين وحكومتهم بشتى الطرق والوسائل , ولم يكُن مزاح الرئيس في مؤتمر فتح السابع ضاحكًا بقدر ما كان أسودًا عندما اشتكى لجنته المركزية السابقة والتنفيذية الحالية لأعضاء المؤتمر بأنهم اصحاب كلام فقط عندما يتحدثون عن المقاومة الشعبية ووجوب تأجيجها , إلا أنّ الخطة القادمة يجب أن تنفذها المركزية الجديدة بأن تكون المقاومة الشعبية هي الهدف الوحيد لتطويره في المرحلة المقبلة فلا نجاح لقرار إدانه الاستيطان دون خطوات عملية على الأرض ... أو على الأقل لنبدأ بتقليم من يُحاول التعايش مع الاستيطان ويجعل له حق "الجيرة" وقد شاهدت ذلك في بعض القرى في الضفة الفلسطينية ممن تتمتع بـ"عدم اهتمام" تنظيمي رسمي وفي كل الجهات .

بالعودة إلى قرار إدانة الاستيطان فلا بُد من الإشارة إلى جهود الوفد الفلسطيني الذي طار مُسرعاً للولايات المتحدة مؤخراً وعقد عدة لقاءات أثمر عنها القرار الشهير , نسيهم الإعلام لكن التاريخ سيذكُر ذلك . كان في الوفد المذكور كل من صائب عريقات – ماجد فرج – محمد اشتية – حسام زملط وسفيرنا رياض منصور .

**

يزداد الحديث مؤخرًا عن تغييرات قد تطال قادة الأجهزة الأمنية وهذا الحديث ليس جديداً بقدر ما ينتظر الوقت المناسب , الاهتمام بالداخل الفلسطيني سيكون مُكثفاً في المرحلة المقبلة , وقد جهزّت الحكومة ورئيس الوزراء خطة مُفصلة من ضمنها إجراء بعض التغييرات على بعض الوزارات في الحكومة لأسباب مختلفة  , هذا "التحصين" الداخلي سيكون في الربع الأول من العام المقبل حتى تكون دولة فلسطين جاهزة داخليًا وخارجيًا .. فقد دقّت ساعة العمل بوجوب تسمية العام 2017 بعام الدولة والتحرر من الاحتلال .

من أبرز الأحداث التي سنشهدها في العام 2017 , عقد المجلس الوطني وتشكيل لجنة تنفيذية جديدة ستضم بحسب ما يتم تداوله شخصيات وطنية وتكنوقراط ساهمت بشكل كبير في مأسسة الحالة الفلسطينية الداخلية , وكذا سيكون الحوار بين حركتي فتح وحماس مختلفاً قليلاً هذا العام وسيتنازل الطرفان لبعضهما البعض حتى الوصول إلى تقسيم "شبه عادل" للكعكة كما وصفها السيد منيب المصري في لقاء عبر اذاعة النجاح , في هذه الحالة وإن لم تبدأ القوى الفلسطينية الأخرى بالتكيف مع التسارع الذي سنشهده ستخرج خالية الوفاض وستبقى في خانة المعارضة المستمرة دون أي هدف !.

الانفتاح المصري على قطاع غزة جيد وإن جاء مُتأخراً .. في إحدى الجلسات الرسمية قبل عامين تحدثت أنا وزملاء لي بضرورة الانفتاح على قطاع غزة وعدم تركها مطيّة للمزاج الإسرائيلي , لكن الخطير في هذا الانفتاح هو خلق طريق ثالث للتعامل معه بدلاً من حكومة الرئيس أو حكومة غزة الحاكمة , هذا الحل لن يكون ذي فائدة على المستوى الاستراتيجي فالجهات التي يتم التعامل معها في الوقت الحالي تعتبر جهات "بيزنس" وتتعامل مع الحالة من منظور اقتصادي بحت بعيداً عن القيود السياسية أو حتى النظرة الاجتماعية التي يجب أن تُحدد الأولويات لشعب منكوب .

لست من أصحاب الرأي القائل أن أسباب الانفتاح "شخصية" ودولة كمصر لن تضع أمنها القومي وعمقها العربي في مهب العلاقة الشخصية وإن كانت تؤثر إيجاباً باتجاه تصحيح التعامل مع القطاع .. مهما كانت الأسباب التي أدّت إلى تغيير التعامل المصري مع قطاع غزة فإن الاستمرار في طريق خلق طرف ثالث غير مسؤول للتعامل معه لن يكون بفائدة أي من الأطراف ولا حتى المواطن الغزّي .المرحلة المقبلة يجب أن تضمن عودة كل الأطراف إلى القاهرة والبدء بإطلاق حوار وطني مُوسع يضع في أهدافه الرئيسية خطة وطنية شاملة للانعتاق من الاحتلال الاسرائيلي في العام المقبل وكذا كيفية التخفيف عن كاهل المواطن في الضفة والقطاع , وهذه الأهداف إن تم التوافق عليها بشكل جدّي ستكون مُحركًا رئيسًا لتنازل كلا الطرفين لبعضهما البعض بما يضمن الوصول إلى هذه الأهداف .

 

كتب غازي مرتجى

*