لماذا لا نتحد كمواطنين

بقلم: محمد يوسف حسنة

رداً على قيام رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية برفع الحصانة عن خمسة من نواب كتلة فتح البرلمانية، تداعى المجلس التشريعي للانعقاد وبحضور نواب في حركة فتح لأول مرة منذ عشرة أعوام، صاحب الانعقاد أو تلاه خروج مظاهرات شعبية منددة بالقرار تجمهرت في ساحة المجلس التشريعي الفلسطيني.

غالباً لا يُسمع صوت المجلس إلا في بيانات التنديد والشجب والاستنكار، وفي أحسن ظروفه ينعقد لتوزيع الشكر على مسؤولين من السلطة التنفيذية بغزة عقب كل جلسة استماع.

استطاع نواب من فتح وحماس الاجتماع للدفاع عن شرعية النواب رغم البون الشاسع والاختلاف الكبير في البرامج والتوجه والفكر، ولكنهما توحدا أمام خطر تفرد السيد الرئيس بالقرار، أو أن يتبع نزع الحصانة عن النواب الخمسة نواب آخرين، ولم يفلح المجلس بالانعقاد بكتله المختلفة لمناقشة هموم الشارع، فهنالك من يتذرع بعدم رغبته في زيادة عمق الانقسام، وهنالك من يسوق اعتبارات وحجج أخرى، دون أن يضع أي من الكتل البرلمانية هموم وحاجة الناس في اعتبارهم أو في نداءاتهم.

إذا تداعى السياسيون حفاظاً على مصالحهم وانتفاضاً لزملاء المهنة، في الوقت الذي تطحن فيه اشكالات عدة قطاع غزة ومنها تفاقم مشكلة الكهرباء، دون أن يتعدى أي منهم ساحة الكلام لساحة الأفعال، فطرف يُمنينا بانفراجات كبرى عبر خطب ناريه ثورية ما تلبث أن تُضاف إلى الوعودات غير المتحققة والتي طال انتظارها، وطرف يُسطر بيانات المؤازرة ويدعي الرغبة في الفعل دون سقف زمني ودون حتى فعل ميداني يوازي كلمات البيان.

فلما لا نستطيع أن نتحد نحن كمواطنين، لنقف في وجه ساستنا بغض النظر عن لونهم طالما أنهم عاجزين عن حل اشكالاتنا، ولا أتفهم السلبية التي تعترينا تجاه قضايانا الحياتية التي باتت مقدمة للأسف على قضايانا المصيرية والوطنية.

لما على طفل في عمر الزهور حين يُسأل عن أمنيته في عام 2016 يُجيب أنه يتمنى الموت ليرتاح من عذابات الحياة، ثم يمضى إلى السماء ليخبر الله عن ظلم وتقصير المسؤولين في ذات العام الذي تمنى فيه الموت.

ولِمَ علينا أن نقبل برؤية مواطنينا والفقر  يفترسهم والبطالة تنهش مقدراتهم، فلا مستقبل منظور ولا حاضر مقبول، ولا قيادة قادرة على أن تقدم الحلول، وأن تصل بهذا الشعب المنهك إلى بر الأمان، بعد أن تقاذفته أمواج السياسية وأهواء الساسة، وعرت قوته تحالفات غير موزونه وقرارات غير محسوبة، تتبدل في الولاءات وتُنتهك فيه المبادئ وفق مصالح أنيه، لا تضع الشعب وقضاياه في أولوياتها بقدر ما تضع مصلحة التنظيمات وأباطرتها من المنتفعين في مقدمة الفعل والإجراء.

لا أتفهم صمت المواطنين على تغول الأمن على أبنائهم والزج بهم خلف السجون لخلاف الرأي أو لأنه يتبنى خط المقاومة ضد العدو، ولا أقبل اغلاق الجمعيات الخيرية التي تضخ العون والمساعدات للأيتام والفقراء لأجل خلاف اللون والسياسة.

ولا أتفهم صمت المواطنين على فساد متغلغل في الحياة العامة فهذا شاغر وظيفي محجوز، وتلك منحة محدد أفرادها حسب ولائاتهم مسبقاً، وحتى العلاج في الخارج بات بالواسطة والرشوى، يموت من لا يملك المال، ويسود من يملك حفة من الدولارات.

تُوزع المناصب لمن لا كفاءة له شرط أن يكون من الثقات التي تقول في حال التشاور بأمر ما لما لا أو لربما ينتظر إشارة من كبيرهم حول ما عليه القول، وفي حال إقرار قرار ما – نعم القرار ، وإن تبين خطأ القرار – قد بذلوا جهدهم ومن لا يعمل لا يُخطىء.

نحن – أي المواطنين- نلتز م بالقانون وندفع الضرائب وحتى ندفع فاتورة الكهرباء المقطوعة غير المعقولة أصلاً، بل لا أجانب الحقيقة إن قلت بأننا ندفع رواتب الموظفين في الحكومتين والوزراء وموازناتهم التشغيلية من أموالنا المستقطعة عبر الضرائب، على أمل الحصول على خدمات مناسبة، ومرافق جيدة، وحكومة قادرة مؤتمنة على قضايانا المصرية، وتستطيع حل اشكالاتنا الحياتية اليومية ولكن نحصل في مقابل التزامنا على لا شىء.

هل نحن كمواطنين لا نعرف الخلل، هل لا نعرف أين تكمن المشكلة، على العكس من ذلك تماماً نعلم ونستطيع أن نُعطي المعلومة مجردة، بل ونستطيع أن نحدد مسؤولية كل طرف في كل مشكلة، إلا أننا نُؤثر السلامة الشخصية والخلاص الفردي، ولا يعنينا ما يحدث لغيرنا طالما أن النار لم تحرق أطرافنا بعد، حتى إذا ما وصلتنا النيران، ثار غضبنا وتحدثنا بما صمتنا عليه طويلاً، ولكن الآوان يكون قد فات، فكي الوعي الممارس علينا أستطاع أن ينجح في فرض معادلته بالتفرد بنا والإطاحة بأحلامنا وشعار بعضنا بات إن لم تستطع أن تقاوم فاستمتع، مع أن الأصل أن نتحد كمواطنين وإن كان لابد فالموت وقوفاً احتراماً لذواتنا وكرامتنا.

حين ينتقل الهم من الخلاص الفردي للخلاص العام، ويندثر الولاء للتنظيم والمغالاة في الانتصار له ظالما ومظلوما، وينقضي عهد تمجيد وتقديس الأشخاص، وأن لا أحد فوق القانون أو فوق النقد ، ويتقدم الرواد أصحاب الكلمة وأهل التضحية، سنتحد كمواطنين وتتحقق العدالة، وحتى حينه أتمنى لكم صراخ ممتع عبر فضاء وسائل التواصل الاجتماعي، وتغييراً جميلا لصور صفحاتكم الشخصية حسب الحالة الشعورية.

بقلم م. محمد يوسف حسنة