رغم أن عدداً كبيراً من القرارات الخاصة بالشأن الفلسطيني قد سبقت القرار ( 2334 )، بل وقد صدرت قبله 4 قرارات تدين الاستيطان عن المجلس المذكور، إلا أن هذا القرار بالذات ينطوي على أهمية سياسية ومعنوية كبيرة، نظرا للظروف التي صدر على أثرها وفي سياقها القرار، وليس أدل على ذلك من ردود الفعل التي ظهرت بعد إصداره خاصة على الجانب الإسرائيلي، وبالتحديد من قبل الحكومة الإسرائيلية ورئيسها، كذلك من بعض أطراف المعارضة الإسرائيلية.
وفي الحقيقة، اظهر إصدار القرار، بعد أن تراجعت مصر عن التقدم بمشروعه، وخلال 24 ساعة فقط، حنكة سياسية تمتع بها الجانب الفلسطيني، الذي لم يفتّ في عضده، تراجع الشقيقة العربية، العضو غير الدائم في مجلس الأمن، وكان يمكن لمن كان "غرّا" في العمل السياسي أو الدبلوماسي أن يصاب بالإحباط واليأس، فينسى أمر التقدم بمشروع القرار، أو على الأقل يأخذ وقتا، حتى يدرس البدائل وما إلى ذلك. لكن أن يتم التوصل للبديل الناجح خلال 24 ساعة فقط، فقد كان هذا أمرا مبهرا للغاية في الحقيقة، ويسجل للرئاسة و"الخارجية" حسن ادارة المعركة _ خاصة أن الجانب الإسرائيلي كان يشعر بنشوة ما بعد انتصار الجمهوري الأميركي المتشدد دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية، بحيث بات الإسرائيليون يحضرون علنا لضم المستوطنات وتشريعها من خلال قرارات خاصة بالكنيست _ هذا الانجاز، كما لو كان فوزا بالضربة القاضية!
وفعلا استعان الجانب الإسرائيلي "بصديق" كان هو ترامب نفسه، الذي دفعه نتنياهو للاتصال بمصر لثنيها عن التقدم بمشروع القرار، في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل وترامب معا يمارسان الضغط على البيت الأبيض نفسه، من خلال الادعاء بأن جون كيري كان ابلغ الجانب الفلسطيني بأن واشنطن لن تستخدم الفيتو لإحباط القرار.
أن يلجأ الجانب الفلسطيني وبسرعة إلى أربع دول أعضاء غير دائمين في مجلس الأمن ( السنغال، فنزويلا، ماليزيا، ونيوزيلندا ) للتقدم بمشروع القرار، كان ضربة "معلم" بكل معنى الكلمة، ليس هذا فقط، بل وان ينجح القرار بأغلبية ساحقة بلغت 14 صوتا لصالح القرار مع امتناع الولايات المتحدة، يعتبر بكل المقاييس قطعا للطريق على ما تنوي إسرائيل تجاوزه في عهد دونالد ترامب، وهو "شرعنة المستوطنات" وتظهير الاحتلال، فرغم أن امتناع الولايات المتحدة، بحد ذاته يعتبر موقفا مهما جدا، يصعب حتى على ترامب لاحقا تجاوزه، إلا أن تصويت كل من بريطانيا وفرنسا لصالح القرار، يعني بأن ما تفكر به إسرائيل وما تنوي الإقدام عليه لاحقا، ما هو إلا خط أحمر، بل ويعتبر "عشم إبليس في الجنة "، كما يقول المثل.
إذن أهمية القرار تكمن في انه يقطع الطريق على ما تفكر فيه إسرائيل لاحقاً من استغلال تولي ترامب الرئاسة الأميركية، والظروف الإقليمية والدولية، لمتابعة ما شرعت به حقا، وهو اعتبار المستوطنات شرعية، تمهيداً لضمها، وربما أيضا ضم كل الضفة الغربية المحتلة لدولة إسرائيل!
مع كل هذا الأمر، حيث يمكن القول بان الجانب الفلسطيني، الذي يعتبر ضعيفاً، بعد عشر سنوات من الانقسام، وبعد ست سنوات من التآكل الداخلي في الدول العربية المركزية إقليمياً، قد حقق المثل الشعبي " إن البعوضة تدمي مقلة الأسد "، وقد أصاب كبرياء الثنائي المتطرف نتنياهو / ليبرمان، وقد ظهر ذلك من خلال ردود فعليهما، حيث استدعى الأول سفراء الدول الـ 14 وكذلك سفير الولايات المتحدة، فيما أقدم الثاني على قطع اتصالاته بالسلطة . لكن السؤال هنا هل يكفي هذا، وهل ستكتفي إسرائيل باستدعاء سفراء الدول التي صوتت مع القرار، وبوقف مساعدات مالية كانت تقدمها للسنغال، أم أنها ستواصل جهدها الاستيطاني كأن شيئاً لم يكن؟
المحك يقول بان الاختبار سيكون قريباً، فقد أعلنت إسرائيل نيتها بناء نحو 5000 وحدة استيطانية جديدة، كذلك هناك متابعة القرار الذي اقر بالقراءة الأولى في الكنيست والخاص باعتبار المستوطنات شرعية، فان توقفت إسرائيل عن متابعة هذا الأمر، سيعتبر القرار الأممي بمثابة تحذير أو إشعال للضوء الأحمر، ويكون قد أدى وظيفته، أما إذا واصلت إسرائيل سياستها تلك، فان الجانب الفلسطيني سيجد نفسه مضطرا للعودة لمجلس الأمن، والتقدم بمشروع قرار جديد يقع تحت البند السابع، كما أشار وزير الخارجية رياض المالكي.
وربما أيضا الطلب من مجلس الأمن الموافقة على منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وربما أيضا وأيضا، الطلب من المجتمع الدولي بعد ذلك بإنهاء احتلال أراضي الدولة العضو في الأمم المتحدة، كما حدث في أكثر من مكان _ الكويت، البوسنة والهرسك، كوسوفو _ حينها ستجد إسرائيل نفسها حقا في حرب مع العالم بأسره.
هذا مبعث إقدام تسيفي ليفني، احد أركان المعارضة الإسرائيلية على شن هجوم سياسي على نتنياهو متهمةً إياه بالتسبب في العزلة السياسية لإسرائيل، وبتقديرنا فان أسابيع قليلة وينجلي موقف البيت الأبيض في ظل ترامب، الذي سيفكر بعد ذلك القرار جدياً فيما كان أعلن عنه من انه سيقوم بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب للقدس المحتلة .
لن يكون بمقدور ترامب أن يقدم على تحويل بوصلة السياسة الأميركية الخارجية 180 درجة، بعد أيام أو أسابيع على موقفها في مجلس الأمن، وسيفكر ألف مرة قبل الإقدام على فعل من هذا القبيل أو على تغيير الموقف الأميركي من المستوطنات، فيما على الجانب الفلسطيني أن يدعم كفاحه السياسي/ الدبلوماسي بكفاح ميداني، على الأقل فيما يخص المقاومة الشعبية/ السلمية، وهناك بكل بساطة إمكانية لإطلاق المظاهرات الفلسطينية المنددة بالاستيطان والاحتلال، وذلك أضعف الأيمان.
رجب أبو سرية
2016-12-27