الآن وبعد الانتهاء من الاحتفال والاحتفاء بالقرار الجديد الخاص بالاستيطان، وجب أن نعرف ما ينبغي أن تكون الخطوة التالية، وكيف سيتصرف الطرف الفلسطيني في مواجهة العنجهية الإسرائيلية؟ وما سوف ترسو عليه سفينة بنيامين نتانياهو، وهو يفجر كامل طاقته الهستيرية، في وجه الدول التي صوتت مع القرار، فيما بقيت ردود فعله أكثر كظماً للغيظ تجاه الإدارة الأميركية التي تشارف على الرحيل، لا سيما أن نتانياهو هذا يعرف أن قرارات سابقة في شأن الاستيطان لم تؤثر كثيراً في المواقف الإسرائيلية، وهي قرارات غير ملزمة في الأساس، بل بقيت مجرد توصيات وإدانات لا ترقى إلى الفعل الإلزامي، بينها القرارات 446 و452 و465 في 1979 و1980، وجميعها دانت إسرائيل بسبب نشاطاتها الاستيطانية، ومع القرار الجديد لا يتوقع أن يكون هناك أية مستجدات، خصوصاً في عهد يمين فاشي شعبوي في الولايات المتحدة وفي بعض أوروبا.
ولأن القرار لم يصدر ضمن الفصل السابع، بل ضمن الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، فهو كسابقاته من قرارات، لن يمتلك من الإلزام ما يتيح تنفيذه بفعل التهديد بعقوبات قد تصل إلى حد التدخل العسكري. وعلى هذا يكون القرار العتيد مجرد إدانة للاستيطان لا أكثر، وكما استمر الاستيطان بعد صدور القرارات السابقة، فهو سيستمر ولو بعد وقت لن يطول، فقد قالت مصادر في بلدية القدس، وفق الإذاعة الإسرائيلية الرسمية يوم الأحد الماضي أنه من المتوقع خلال أسابيع، أن توافق لجنة التخطيط والبناء التابعة للبلدية على مخطط لبناء 5600 وحدة استيطانية جديدة في المدينة.
يقيناً، أنه ما من شيء سوف يتغير، فالاستيطان وهو عماد المشروع الصهيوني وقاعدته الجوهرية الأساس، سوف يمضي في طريقه نحو الاحتفاظ بالكيان، كياناً استيطانياً استعمارياً، لا يستطيع إلا أن يعيش هكذا، كما كان منذ البدء، وإلا فلن يكون الإسرائيليون وداعموهم عبر العالم هم أنفسهم، من يتشبثون بأسس هذا الكيان حفاظاً على دوره الوظيفي في حماية المصالح الاستعمارية، ومن يواصلون خلق إسرائيل من جديد، كلما خبت أنوارها وأدوارها المهيمنة في هذه المنطقة من العالم، حيث يواصل اليمين الفاشي المتطرف تجديد قواه وضخ دماء جديدة أكثر تطرفاً لدى عناصر أحزابه المتلونة، وتكوينات تلك الأحزاب الانتقالية الرجراجة دائماً، وغير الثابتة على مبادئ معينة، غير المبادئ الصهيونية المتطرفة.
الإيجابي في قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2334 غير الملزم، أنه صدر بإجماع أعضاء المجلس وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، على عكس مرات عدة سابقة، كان الفيتو بالمرصاد دفاعاً عن إسرائيل وحماية لها في مواجهة أعدائها، فقد رأت مواقف إسرائيلية في قرار أوباما عدم استخدام حق النقض، قراراً شجاعاً لمصلحة إسرائيل وليس ضدها، وهذه المرة صدر الموقف الأوبامي الجديد على قاعدة الأهداف ذاتها، وحماية لإسرائيل من نفسها، وفق كاتب إسرائيلي (ياريف أوبنهايمر)، كتب في (يديعوت أحرونوت 24/12/2016) قائلاً: "لقد قرر أوباما في الدقيقة التسعين، بل في الوقت بدل الضائع من مدته الرئاسية، الإمساك بزمام الأمور وإظهار شجاعة القائد من خلال خطوة دراماتيكية وشجاعة، وهو يدرك أن المستقبل مع دونالد ترامب لا يبشر بالخير. قام بهذه الخطوة الشجاعة من أجل منع اصطدام عربة الإسرائيليين والفلسطينيين بقمة جبل جليدي. وكان التصويت في مجلس الأمن عبارة عن آخر محاولة ممكنة لينقذنا من أنفسنا والحفاظ على آفاق الانفصال عن الفلسطينيين بسلام".
مرة أخرى، بات من اليقين أنه مع تواصل الاستيطان ومع تغول اليمين الإسرائيلي المتطرف، ومع المزيد من الخطوات العنصرية التصعيدية ضد الفلسطينيين في كامل أرض فلسطين التاريخية، لن يكون متاحاً الحصول على فرصة تسوية ممكنة عبر انفصال الإسرائيليين عن الفلسطينيين، كما يحلم البعض الفلسطيني والإسرائيلي، عبر "حل الدولتين"، فيما يبدو حل "الدولة الثنائية القومية" هو الحل "الأكثر واقعية" لجهة تناسبه مع الأهداف الأيديولوجية لتوراتيي الحركة الصهيونية ويمينها المتطرف، في مسعاهم الدائب لعدم التنازل عن الأرض، والاحتفاظ بها في ظل استمرار محددات الصراع، لا البحث في إيجاد حلول سياسية له.
ماجد الشّيخ
* كاتب فلسطيني