القرار 2334.. وماذا بعد؟

بقلم: عماد شقور

يقولون: "ان تأتي متأخراً، خير من ان لا تأتي ابداً". ونُضيف مكررين مع القائلين: "ان يأتي قرار باراك اوباما متأخراً جداً جداً جداً، خير من ان لا يأتي ابداً". إلا ان هذا الوصول المتأخر، يجب ان لا يُنسينا انه لم يأتِ "بفضل" اداءٍ فلسطيني او عربي موفّق، بل جاء "رغم" اداء عربي ركيك ومرتبك، واداء فلسطيني بعيد عن أي وصف ايجابي. وان كان لا بد من بحث عن دوافع لقرار مجلس الامن رقم 2334، فسيكون من الجدير بنا تركيز البحث في دائرة تحيط بنقطة تقاطع خط الكم الهائل من عدالة الحق الفلسطيني، مع خط الكم الهائل من التهور والبجاحة الاسرائيلية.
هكذا يمكن القول من جديد، ان الشرعية الدولية، بل العالم باسره، ممثلا بهيئة الأمم المتحدة وبمجلس الامن، وقف ضد اسرائيل، والادق من ذلك: ضد سياسة واعمال اسرائيل، ولكن دون ان يعني ذلك، تلقائيا، انه وقف إلى جانب فلسطين.
وفي حين ان الرجوع عن القرار الدولي ضد اسرائيل مستحيل تماما، او اقرب ما يكون من الاستحالة، فان التقدم باتجاه جعل القرار مناصرا لفلسطين وشعبها، بشكل جدي وفاعل، وليس مجرد موقف نظري وسلبي فقط، إلى جانب الحقوق الفلسطينية المشروعة ممكن. إلا ان ذلك مشروط بتطور من اثنين: اصدار نفس القرار في مجلس الامن تحت البند السابع، الملزِم، من ميثاق هيئة الأمم المتحدة، بدل اصداره كما هو الحال الآن تحت البند السادس، غير الملزِم، او، وذلك هو الأسهل، ان تتعامل قيادة العمل الوطني الفلسطيني مع القرار بشجاعة وجدّية وحِرَفيّة، مستفيدة حتى الحد الاقصى من جميع الابواب التي فتحها هذا القرار التاريخي، ابتداء من تحويله إلى مرجع قانوني دولي تستند اليه المحاكم الدولية ذات الاختصاص، لتقيد به هذه المحاكم تحركات نصف مليون اسرائيلي يعيشون في مستعمرات اسرائيلية خارج دولة اسرائيل، وتقيد تحركات كل مسؤول اسرائيلي عن كل جريمة ضد كل فرد او هدف فلسطيني، سواء باصدار الاوامر او بالتواطؤ او بالتنفيذ. ثم التعامل مع القرار على انه وليد مكتمل التكوّن وموفور الصحة، يحتاج رعاية ومتابعة خاصة لفترة زمنية محدودة تنبت خلالها اسنانه، بمعاونة الاقرب من الاصدقاء في العالم في شمال اوروبا التي تمثل ضمير العالم المتحضر، واولها في زماننا السويد، ثم دول اوروبا الفاعلة، واستنهاض شعوب ودول قارات اسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية، لوضع قطار اسرائيل على السكة ذاتها التي سار عليها قطار الشقيقة الكبرى لاسرائيل، جنوب افريقيا العنصرية السابقة المنبوذة والمحاصرة والخاضعة لكل انواع المقاطعة، التي لم تسعفها قواتها العسكرية الضخمة، واجهزة أمنها وقمعها، من الاندحار والهزيمة امام ضحاياها من الافارقة السود اصحاب البلاد الاصليين، المستندين إلى حقوقهم الإنسانية والوطنية المشروعة، والى الدعم الذي حظي به نضالهم العادل وسياستهم الحكيمة، من غالبية شعوب ودول العالم، ذلك الدعم الواضح والفاعل والعظيم الذي ابتدأ من شمال اوروبا، ولم تلتحق به أمريكا الامبريالية إلا في فترته الاخيرة.
لا تكتمل هذه المعالجة للقرار 2334، حتى وان كانت سريعة ومختصرة للغاية، دون تسجيل اربع ملاحظات:
1ـ ان حجم اهمية هذا القرار، بانت باوضح صورها، من خلال ملاحظة حجم الصدمة والرفض والنقد للقرار وللموقف الأمريكي، في كل اسرائيل الرسمية: ائتلافا حاكما؛ ومعارضة مدجّنة اليفة؛ واطياف عديدة وطاغية في المجتمع اليهودي الاسرائيلي. مع ضرورة ان لا يغيب عن ذهننا، ضرورة تسجيل استثناء في غاية الاهمية، فلسطينيا، هو الاصوات العاقلة المعتدلة في اسرائيل، واهمها حركات وتجمعات "السلام الآن"، "بتسيلم"، "كاسري الصمت"، وبعض الكتاب المستقيمين المعتدلين في الصحافة الاسرائيلية.
2ـ اثبت صدور القرار، وبشكل خاص موقف الرئيس الأمريكي باراك اوباما وادارته الديمقراطية ازاء ذلك، وخطاب وزير خارجيته، جون كيري، امس الاول، ان أمريكا لم تعد موحدة تماما في دعم السياسات الاسرائيلية، على النحو الذي شهدناه منذ منتصف خمسينات القرن الماضي حتي ايام المرحلة الاخيرة التي نعيشها. لم يكن هناك في الماضي أي خلاف بين موقف النصفين الأمريكيين: الديمقراطي والجمهوري، في حماية اسرائيل. ولا في دعم السياسات الاسرائيلية، وصولا إلى حد تبنيها ايضا. ما شهدته الفترة الاخيرة مختلف: بقاء الحزبين في تنافس على مرتبة من هو الاكثر حرصا على "امن وحماية اسرائيل" من جهة، في حين بروز انقسام، اقرب إلى التناقض، بين موقفي الحزبين من دعم وتبني "السياسات الاسرائيلية"، من جهة ثانية. واذا اردنا تحويل شكل تعاملنا مع هذا الموضوع إلى شكل معادلات حسابية وارقام، فانه يمكن لنا ملاحظة ان اسرائيل خسرت بضربة واحدة ما يعادل 25٪ مما كان لها ولسياساتها من حماية ودعم، كثيرا ما قيل انه يتراوح بين الثُّلُثين والثلاثة ارباع، الامر الذي يعني، نتيجة عملية حسابية بسيطة، ان اسرائيل بقيت مع اقل من 60٪ من دعم الرأي العام الأمريكي، والجهات الرسمية هناك. هذه خسارة كبيرة للغاية، اعتقد ان اسرائيل اضعف من ان تتمكن من استعادتها، من جهة، كما انها اضعف من ان تصمد في وجه تداعياتها، من جهة اخرى، بعد أي انتخابات أمريكية مقبلة تأتي بنتائج مختلفة عن الانتخابات الاخيرة هناك.
3ـ كانت اكثر التعابير ترددا، في تصريحات ومقالات اسرائيليين تعاملوا بايجابية وترحيب، مع القرار 2334 والموقف الأمريكي، هي تعابير "انقاذ الصهيونية من السياسات الاسرائيلية المدمرة"، و"انقاذ اسرائيل من نفسها". وغني عن القول ان هؤلاء، في غالبيتهم، هم من دعاة "الطلاق" مع الفلسطينيين، حرصا على الطابع الديمقراطي لاسرائيل، وعلى الاغلبية اليهودية فيها.
4ـ تبقى بعد ذلك الملاحظة الرابعة، وهي الاصعب علي تسجيلها. لكن هذا التسجيل اكثر من ضروري، وارى، في التنبيه اليه، واجبا وطنيا من الدرجة الاولى: ارى ان الخطر الاكبر من اضاعة فرصة الاستفادة من القرار 2334 وما تلاه وما قد يتلوه في نفس الاتجاه، كامن في الجانب الفلسطيني. والجانب الفلسطيني هنا من طرفين: طرف جماهيري فلسطيني يمكن له ان يتصرف بشكل يخدم مصالح اليمين العنصري الاسرائيلي، وغالبا بحسن نية؛ اما الطرف الآخر الاكثر خطورة فهو قيادة العمل الوطني الفلسطيني. وللتحديد اكثر اقول: "اطراف" في قيادة العمل الوطني الفلسطيني الرسمي، تعد نفسها لتكون وريثة للعهد الفلسطيني الراهن، وفي سبيل هذه المصلحة الذاتية، تم حتى الآن، وفي غضون اقل من اسبوع واحد على بدء مسلسل القرار 2334 وتداعياته، الحاق ضرر بالغ في المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا، تمثل في خطوتين: الاولى، تمثلت في تسريب تقرير اشبه ما يكون ببروتوكول لقاءات فلسطينية أمريكية سبقت صدور القرار بايام، وفيها "تمجيد" للوريث الشرعي "الوحيدين" (!)، وهو تقرير سارع نتنياهو باستخدامه سلاحا في مواجهة اوباما وادارته؛ والثانية، هي الرد الركيك على سؤال أمريكي حول ردود الفعل الفلسطينية المتوقعة، في حال اقدم الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، حيث اقتصر الرد على توقع استقالة "كبير المفاوضين" من منصبه (!!!)، وإقدام الدول العربية على اغلاق السفارات في عواصمها (!). هذه الاشارات المخجلة تستدعي اكثر من علامات تعجب وتساؤل. انها تستدعي التحقيق الفوري.
وفي ضوء آخر التطورات، ممثلة بالدعوة الروسية للقاءات فلسطينية في موسكو لاصلاح اوضاع البيت الفلسطيني، نجد انفسنا امام أملٍ يمكن صياغته بسؤال: هل تنجح روسيا في انقاذنا من نفسنا، كما تسعى أمريكا لانقاذ اسرائيل من نفسها؟ هذا هو السؤال.

عماد شقور

٭ كاتب فلسطيني