بـ"المنسف" لا بـ"الشقيق" السيسي تنتصر فلسطين

بقلم: علي الصالح

قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334، الذي يدين الاستيطان ويعتبره غير شرعي، هو لا شك إنجاز، وانجاز كبير. فأي ضربة لإسرائيل كبرت أم صغرت هي إنجاز، وقد أثلج صدري كما أثلج صدور الكثير من الفلسطينيين وأصدقائهم هذا الإنجاز.
لكن يجب ألا نتعامل معه كأول وآخر الانتصارات في زمن الانحطاط العربي، الذي غابت عنه الانتصارات. زمن أصبح من الصعب فيه التفريق بين الأخ الشقيق والغريب. زمن تعم فيها المآسي الإنسانية والشواهد كثيرة.
وإذا اراد الفلسطينيون أن يكون هذا القرار إنجازا حقيقيا، لا بد من البناء عليه دون مماطلة والتعامل معه كقاعدة انطلاق متقدمة نحو تحقيق الهدف الأسمى، وهو إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
أسباب الفرحة عديدة ليس منها امتناع إدارة باراك أوباما عن التصويت، فهو بالتأكيد ليس لصالح فلسطين، وبدونه ما كان للقرار أن يمر، فللامتناع أسبابه الخاصة بأوباما وعلاقاته المشحونة برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، فرد له الصفعة التي وجهها إليه في موضوع اتفاق إيران النووي. السبب الاول للفرحة هو عدد الأصوات التي حاز عليها مشروع القرار14 من أصل 15، ما يعني أن هناك إجماعا دوليا على رفض الاستيطان، فحتى بريطانيا صانعة الكيان الصهيوني، صوتت لصالح القرار، ليس هذا فحسب، بل ساعدت في دفع نيوزيلندا، إلى جانب الدول الثلاث الأخرى فنزويلا والسنغال وماليزيا، بطرح مشروع القرار على مجلس الأمن، بعدما سحبت "الشقيقة الكبرى مصر" مشروعها، رضوخا من رئيسها لضغوط نتنياهو التي رفضت الانصياع اليها دول الـ"منسف".
وللتوضيح فالـ"منسف هو ليس الأكلة الأردنية الفلسطينية التي تقدم في الأفراح والأتراح على حد سواء"، بل المقصود بـالـ"منسف" هنا هو الدول الراعية لمشروع القرار، وهو يمثل الاحرف الاولى من اسمائها، فالميم هي الحرف الاول من ماليزيا، والنون من نيوزيلاندا، والسين من السنغال، واخيرا الفاء هي الحرف الاول من فنزويلا. السبب الثاني أن هذا القرار وهو الأول من نوعه، الذي يتخذه المجلس منذ اكثر من 35 عاما، جعل حكومة نتنياهو يجن جنونها وتلف حول نفسها، وبيّن هشاشتها وعزلتها بين دول العالم. فراح نتنياهو وتابعوه يتخبطون في ردود أفعالهم فيطلقون التهديدات والاتهامات يمينا ويسارا. ويستدعي نتنياهو سفراء ويوجه اليهم ولبلدانهم التهديدات المباشرة ويلغي لقاءات مقررة مع نظرائه في دول صوتت لصالح القرار. فألغى لقاء حتى مع رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماي كان مرتبا له على هامش المنتدى الاقتصادي في دافوس. وهذا كله يصب في المصلحة الفلسطينية ويزيد من عزلة دولة الاحتلال.
السبب الثالث أن هذا القرار رغم أنه غير ملزم ولا يزيد عن كونه إعلان نوايا وتوصيات، إذ اتخذ تحت البند السادس من قانون الأمم المتحدة وليس البند السابع، وهو لذلك لا يتضمن آلية لفرضه وتنفيذه وفرض عقوبات على الأطراف التي تمتنع عن تنفيذه، واكتفى فقط بآلية تقديم الأمين العام للأمم المتحدة تقارير دورية لمجلس الأمن بواقع تقرير واحد كل ثلاثة أشهر، يرصد فيه وضع البناء في المستوطنات، ولكن وكما يقول المثل "الطلق اللي ما بيصيب، بيدويش".
السبب الرابع أن هذا القرار يحرر دول العالم من المخاوف والاتهامات الاسرائيلية باللاسامية، وهي تتعامل مع أي شيء يتعلق بالمستوطنات، ويساعدها على اتخاذ قرارات جريئة إزاء المستوطنات والمستوطنين.
السبب الخامس أن هذا القرار لا يقتصر على الضفة الغربية، بل القدس أيضا، بمعنى أنه سيكون عقبة في طريق الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب وخططه ووعوده بنقل السفارة إلى القدس ودعم المستوطنات.
السبب السادس أن هذا القرار عرّفَنا من هو الشقيق والصديق ومن هو المنافق والعدو، ورفع الغطاء عن المدعين والافاقين.
السبب السابع أن هذا القرار يعزز من مكانة وإنجازات حركة المقاطعة ووقف الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل المعروفة دوليا بـ"BDS". ويعطي دفعة قوية نحو شرعنتها في الدول الأوروبية على وجه الخصوص. فأحد بنود القرار يدعو إلى "التمييز" بين إسرائيل والمستوطنات، ويشكل سابقة لا مثيل لها في قرارات الأمم المتحدة الأخرى، وهو فعليا يشجع الدول على قطع علاقاتها المباشرة وغير المباشرة مع المستوطنات، وقد يشكل كما تقول "هآرتس" بداية مسار ينتهي بفرض عقوبات دولية عليها، وأخرى تفرضها المنظمات الدولية مثل الاتحاد الاوروبي والشركات التجارية وغيرها.
وهذا القرار يساعد "BDS" في الحرب الضروس التي يشنها عليها غلعاد أردان المسؤول عن هذا الملف في حكومة الاحتلال. ويأتي بعد 24 ساعة تقريبا من الضربة التي وجهتها الحكومة الايرلندية للجهود الاسرائيلية الرامية إلى تجريم نشاطات "BDS"، باعتبار "أنها تمثل وسيلة احتجاج مشروعة ترمي للضغط على إسرائيل لانهاء الاحتلال". وقال وزير الخارحية تشارلز فلاناغان في البرلمان الإيرلندي إنه "وبينما لا تدعم الحكومة مثل هذه السياسة، ولكنها لا تتفق مع محاولات شيطنة من يروجون لهذه السياسة". وإيرلندا هي الدولة الثالثة في اوروبا التي تتبنى هذه السياسة. فقط سبقها إلى ذلك هولندا التي قال وزير خارجيتها بيرت كويندرز، الاسبوع الماضي، إن "بيانات واجتماعات "BDS"، تحميها حرية التعبير المنصوص عليها في الدستور الهولندي والميثاق الاوروبي لحقوق الانسان". وقبل ذلك اعتبرت وزارة الخارجية السويدية "BDS" حركة مجتمع مدني. والحكومة لا تتدخل في وجهات نظر منظمات المجتمع المدني.
هذا الإنجاز سيبقى حبرا على ورق، إذا لم يُبنَ عليه ويجري تطويره ومواصلة الضغط من خلال تنفيذ قرار مقاطعة المستوطنات داخليا، وإبقاء موضوع المستوطنات حيا أمام المحكمة الدولية، ومتابعته من أجل تطبيق ما جاء فيه في أقرب فرصة، ودون مماطلة كما حصل في موضوع جرائم الحرب التي ارتكبتها دولة الاحتلال وقطعان مستوطنيها ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية. سيبقى حبرا على ورق إذا لم ننه الانقسام والتكلم بصوت واحد ونفس واحد في القضايا التي لا خلاف عليها، وهي كثيرة وتأجيل قضايا الخلاف "إلى حين ميسرة". سيبقى القرار حبرا على ورق إذا لم نعمل على ترتيب البيت الداخلي عبر إعادة بناء منظمة التحرير على أسس عصرية ووطنية وصحيحة تجمع الكل الفلسطيني بخلافاته واختلافاته وأطيافه السياسية تحت مظلتها، وإعادة بناء بقية المؤسسات وفي مقدمتها النقابية. سيبقى حبرا على ورق إذا لم نؤمن بمبدأ الشراكة، وأبقينا على التفرد بالقرار ولم نضع المصلحة الوطنية العامة فوق كل المصالح. سيبقى حبرا على ورق إذا لم ندعمه بمقاومة شعبية واضحة المعالم والأهداف، بجميع أشكالها.

نظام السيسي وخذلان فلسطين

قرار نظام السيسي خذلان فلسطين وقضيتها وشعبها بسحب مشروع القرار، يتناغم مع الحب الذي يكنه السيسي شخصيا لنتنياهو، ولدولة إسرائيل ومع العلاقة الحميمة التي تربطهما. كنت أتمنى لو أن مندوب السيسي في مجلس الأمن صوت ضد القرار، أو على الأقل امتنع عن التصويت، فالتصويت لصالح القرار جاء محاولة بائسة لحفظ ماء الوجه غير الموجود أصلا. فسحب مشروع القرار، كان ضربة تحت الحزام لا يمكن غفرانها، ويصدق فيه المثل القائل مع بعض التحريف "مع أشقاء كهؤلاء لا تحتاج لأعداء"، وأي تبرير لن يكون أكثر من "عذر أقبح من ذنب". والحقيقة لا تحتمل التأويل وهي أن المارشال السيسي امتثل لأوامر نتنياهو الذي اتصل به وطلب منه سحب المبادرة. وهذا الموقف ليس غريبا عليه، ألم يشارك اسرائيل خلال العدوان على غزة صيف عام 2014 بتضييق الخناق على أهل القطاع.
وأختتم بالشكر لدول الـ"منسف" فبامثالها لا بمثل مصر السيسي تنتصر فلسطين.

علي الصالح

كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"