الدين والفلسفة طريق السعادة

بقلم: حنا عيسى

الديانة التي تخالف العلم لا تحترم الله ، لا بل تنتحر (رالف أمرسون)

لقد انطلقت الفلسفة انطلاقة مسالمة مهادنة أمام الدين، فكانت انطلاقتها متضامنة الى حد جاءت فيه سخرة لخدمة الدين، ويعتبر كل من الفلسفة والدين حركة فكرية تجادل كل على حدى وعلى طريقتها الخاصة الوصول الى الحقيقة ومساعدة الانسان على فهم معضلات الحياة وتعقيداتها وبعض ما يكتنفها من اسرار والعيش حياة عادية تسودها أجواء من الراحة والمتعة.

كانت الفلسفة في العصور القديمة نتيجة تساؤلات متعددة حول طبيعة الحياة والكون والإنسان، وكان يسبب ذلك تأملات في هذه الأمور نمت وتطورت حتى أصبحت شكل ما عرف بالفلسفة. وكذلك فقد مازجت هذه التأملات نظرات دينية في عدد من المناطق التي كانت فيها حضارة ما. وقد دارت تلك التساؤلات عن خالق الكون ومسيره وفق قوانين ثابتة. وقد اهتمت الفلسفة في أوروبا في عصورها الوسطى اهتماماً كبيراً بموضوع إقامة البرهان على وجود الله تعالى . ومن هنا نجد انه خلال الدين والفلسفة كثيراً ما كان شريكين على ممر العصور سواء في عصر اليونان أو زمن الرومان. كما أن تعارضهما سمة هامة جدا في تاريخ الفلسفة .

ومن المعلوم ان الفلسفة والدين اتفقا في موضوع بحثهما وفي اصل نشاتهما -  فكلاهما يبحثان في الرب او الله العظيم والكون البديع والحياة بحد ذاتها، كما اتفقا في المنهج وهو الاثبات بالدليل الساطع والتاكيد من خلال الواقع، اما بالنسبة لغايتهما فهي حتما مشتركة. فهما يبحثان عن تحقيق السعادة عن طريق الاعتقاد الحق والحث علي عمل الخير والوصول للحقيقة المؤكدة المبرهنة...ويقول ابن رشد : ان مقصود الشرع انما هو تعليم العلم الحق والعمل الحق - والعلم الحق هو معرفة الله تعالي وسائر الموجودات علي ما هي علية ومعرفة السعادة الاخروية والشقاء الاخروي والعمل الحق هو امتثال الافعال التي تفيد السعادة وتجنب الافعال التي تاتي بالشقاء.

 ومن الممارسة العلمية تلاحظ أن هناك حقائق عقلية في نظام متماسك وحقائق دينية منزلة ولمعرفة هذين النوعين من الحقائق لابد من اللجوء إلى القياس العقلي ولما كان القياس أنواع شتى فلابد أن القياس أبرهاني هو الذي دعي إليه الشرع كما انه أتم أنواع القياسية وصحتها على الإطلاق فهو يقوم على مقدمات يقينية ويرتكز على مبدأ أول من مبادئ العقل، كما نلاحظ في الشرع حقائق تخالف في ظاهرها حقائق الفلسفة وتوهم بان الفلسفة تضاد الشرع . لكن الفصل في هذا هو أنا لحقيقة ذاتها "واللفظ الذي استعمل في التعبير عنها" فالحقيقتان متفقتان كليا في مضمونهما وان كان ثمة خلاف آو فرق بينهما فهذا لا يعود إلى الحقيقتين نفسهما وإنما فقط إلى النزعة المستخدمة في التعبير عنهما. وبالتالي فالنظر الذي دعا إليه التدين هو نفسه تطبيق للفلسفة .كما أن العلاقة بين الذين والفلسفة وثيقة جدا والقواسم المشتركة بينهما كثيرة وكذالك كون الدين والفلسفة يرتبط بالفلسفة ارتباط مباشر ويتضمن قضايا فلسفية وينتمي إلى تاريخ الفلسفة .والفلسفة تشارك الدين في الاهتمام بالروح وتضمنت مسلمات دينية وتنتمي إلى الحقيقة المطلقة للدين وحلت محله عنه المشعل في العديد من المهمات والوظائف ساهمت في تنمية وتطويره وعقلتنه ومكنته من الوعي بذاته والحديث سواء في أوروبا المسيحية أشهرهم سبينوزا الذي كتب كتابا شهيرا هو.(رسالة في ألاهوت والسياسة).الذي يحث فيه جدلية الفلسفة والدين وبالرغم من الآراء المتضاربة فظل الرأي السائد لبعض رجال الدين والفلاسفة أن لا تعارض بين الدين والفلسفة.

واذا نحن رجعنا إلى آداب ومكتبة القرن الأخير فيما يخص كتاب التهافت للغزالي، وتهافت التهافت لابن رشد (1198-1420) وكتاب التهافت أيضا لهواكازادة (1482-1420) وجد أن هذه الكتب لم تدرس من جهة الصلة القائمة بين الدين وبين الفلسفة، وإنما تحدث عنها بسرعة في تواريخ الفلسفة الإسلامية المنشورة في أوروبا منذ ما يقارب سنة (2) 1900..وقد درس بعض الفلاسفة مثل رينان ومهران، وجونيير، وهورتن، ودونكور، وأللار، موضوع علاقة الدين بالفلسفة عند ابن رشد فحسب.

*نجد ابن رشد أخذ في (تهافته) المواقف الثلاثة الآتية:

- زعم أن النظرية الأرسطوطاليسية (قالب) مقبول لتبيين الدين.

- رفض نظرية إرادة الله كما عرضها وحددها الغزالي.

- عوضا أن يقدم لنا (قالبا) مقبولا للدفاع عن الدين، منع أن يبحث أمر الدين أمام الجمهور وأمر بقبول تعاليم الدين كما هي.

يرى ابن رشد أن التفلسف واجب بمقتضى شريعة الإسلام، والفلسفة هي أخت الدين، والفلسفة حقيقة، والدين كذلك حقيقة، وفي الواقع هذه الحقيقة المزدوجة مكونة من جانبي حقيقة واحدة (لأن الحقيقة لا يمكن أن تكون ضد الحقيقة) فإذا كانت الآية القرءانية الصريحة تمس جوهر الدين فمن الممنوع قطعا تأويلها، فإذا كانت لا تمسه، فمن الواجب على ذوي الحجة البرهانية أن يتأولوها، بينما من الممنوع قطعا على ذوي (الحجة الجدلية) أن يفعلوا، كما أنه من الممنوع على البرهانيين أن يذيعوا تأويلهم على الجدليين)، ولا ينبغي أن يتحدث للجمهور لا على التأويل الحق ولا على التأويل الباطل. والحق أن ابن رشد في كتابه (فصل المقال) حل مسألة العلاقة بين الفلسفة وبين الدين بصفة واقعية كما سبق أن قاله جوتيير وإن كان ابن رشد في هذا المؤلف يلح في التوفيق الضروري بين الفلسفة وبين الدين.

والفرق الاهم بين الفلسفة والدين راجع إلى منشأ القضايا هو العقل عند البعض والوحي عند الأخر، فأصل قضايا الدين من الدين، وأصل قضايا الفلسفة من الإنسان.

"الديانة التي تخاف العلم لا تحترم الله ، لا بل تنتحر "( رالف أمرسون )

بقلم/ د.حنا عيسى