القراءة منهج ،وحياة ..!!

بقلم: نادية طاهر

القراءة والمطالعة ، بقصد التعلم والمعرفة ..هي نعمة من نعم الله عليك وفضل أولاك إياه قال تعالى (... وعلمك مالم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما )النساء -113 فإن وافقتني في ذلك فإن النعمة حتى تدوم لا بد لنا من شكرها كما في قوله (لئن شكرتم لأزيدنكم ..)سورة إبراهيم – أية 7 . وشكر النعمة لا يقتصر على تلفظك بالحمد بل لا بد من أن تؤدي حق الله عليك من الطاعة والعبادة ، وانتهاج سبيل المتقين هذا السبيل هو كفيل بتعليم الله لك تأمل قوله تعالى (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم ) البقرة- 282 يقول الإمام القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن – الجزء الرابع – ص 464 تعليقا على هذه الآية مانصه (وعد من الله بأن من اتقاه علمه أي يجعل في قلبه نورا يفهم به ما يلقى إليه وقد يجعل الله في قلبه ابتداء فرقانا أي فيصلا يفصل به بين الحق والباطل ومنه قوله تعالى في سورة الأنفال (ياأيها الذين أمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ) ...
إن مما يدعو للتفكير أن تكون الكلمة العظيمة التي بدأ بها الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم هي: ﴿ اقْرَأْ ﴾ ] العلق: 1 [. كان من الممكن أن يبدأ الوحي بأي كلمة أخرى غيرها. ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم أميّ لا يقرأ، إلا أن هذه الكلمة تُوجه له!! إذن فقد بدأ الوحي خطابه لخاتم الرسل بأمر صريح مباشر، مختصر في كلمة واحدة تحمل منهج حياة أمة الإسلام ... ﴿ اقْرَأْ ﴾!! من يقرأ ساعة في اليوم وهو انجاز كبير للمبتدىء ستظهر آثارها عليه في فترة وجيزة وأرى أنه يستحق المكافأة من نفسه لنفسه بالكيفية التي تلائمه بل إني أبشر القارىء الذي يصل إلى هذا المستوى بأن القادم من الأيام سيكون أفضل بإذن الله من سابقه حيث سيمضي الساعات ولايجد غضاضة في ذلك- خاصة في أيام الإجازات- وهو بين أحضان الكتب وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .ماقيل في القراءة أنها تختصر لك الزمن وقيل أيضا أن القارئ عبر المطالعة يتصفح عقول الرجال وغيرها من الحكم التي تصف روعة المطالعة وقد صدقوا في ذلك أيما صدق أما اختصار الزمن فإن الإنسان في حياته قد تمر عليه ظروف يدرك من خلالها أنه مقبل على مرحلة زمنية معينة لها أحكامها وظروفها الخاصة فالشاب الأعزب حين يعقد قرانه على فتاة يصبح بعد فترة من ثلاث إلى أربع سنوات رب أسرة وأبا لأطفال وهي مرحلة تختلف تماما في الشعور والمسئوليات أو المتطلبات عما كان عليه حال عزوبيته هذا الشاب يمكن له أن يعيش تلك المرحلة بكل ظروفها وتفاصيلها مما يكون عليه أحوال أرباب الأسر وما ينبغي عليه أن يكون عبر القراءة في الكتب التي تناولت الأسرة وتنشئتها وكيفية الوصول بها وبأفرادها إلى بر الأمان على مختلف الأصعدة وشتى المستويات . ولعلنا نسمع من يصف فلانا بأنه ذو عقل كبير أو عقله أكبر من سنه والسبب في ذلك قطعا هو القراءة فإنه القارئ يحصل له من المتعة والفائدة ضعف ماحصله أولائك من غير القراء فقد يجلس مع الأصدقاء وهو يقرأ كتابا في العلاقات والتعامل مع الناس وقد يسافر هنا وهناك وحقيبة سفره لا تخلو من كتاب يقرأه في الشعوب وعاداتها وقد يتناول طعامه في مكان متميز ويقرأ كتابا في الصحة والغذاء ..يتابع برامجه المفضلة في القنوات ويقرأ كتبا في الإعلام يمارس رياضته المفضلة ويقرأ في التربية البدنية وتمارين الإيروبيك أو اليوغا ونحوها .أرأيتم ذلك الكم الهائل من المعلومات والمعارف والخبرات التي اكتسبها هذا القارئ المطلع علميا وعمليا دون غيره من الناس.. و هو يعتني بالوقت و يحرص على أهميته و يربي نفسه حتى يصبح هذا الأمر سجيّة ويقّدر الوقت الثمين الذي ذهب عليه لأننا نمر بإشكالية عظيمة وهي إسراف عظيم في بذل الوقت بلا فائدة و يقتدى بسير حال الأئمة أنهم ما بلغوا إلا بشحنهم بالوقت وهذا ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ يقول كما في صيد الخاطر فإن قلت إني قرأت أكثر من عشرين ألف مجلدة وأنا في الطلب فأنا مقل. عشرين ألف والمجلد ليست كمجلداتنا هذه عشرين ألف في الطلب. لا يمكن أن يقرأ هذا الكم الهائل وهو كريم في وقته. وابن جرير الطبري عندما أراد أن يكتب تاريخ الإسلام والتفسير قال: إيتوني بثلاثين ألف ورقة. فقالوا: يا إمام هذا تنقطع دونه أعناق الإبل. فقال: الله المستعان ذهبت الهمم. فكتب في ثلاثة آلاف. ومن رأى حال هؤلاء الأئمة وشحهم في الوقت بل إنهم ـ رحمه الله ـ يشحون بالوقت حتى على العبادة من أجل القراءة وقصة الإمام أبو الفتح ابن دقيق العيد القشيري الإمام المشهور سمع بأن الشرح الكبير للإمام الرافعي ـ رحمه الله ـ قد نسخ واشتراه بثلاثة آلاف درهم وعكف على قراءته حتى إنه اقتصر على الفرائض فكان لا يصلي النوافل العامة مع أنه يعلم أن الطاعة فضلها عظيم لكنه شحّ بالوقت. ونحن الآن عندنا مساحات كبيرة من الفراغ ومساحات عظيمة من الوقت فكم هو الذين يسألون عن أوقاتهم ، وما أتى هذا إلا بعدم استشعار أهمية الوقت والنفس تحتاج إلى استجمام وهذا لا شك من فقه النفس . وهؤلاء الأئمة وفي ساعة النـزع والاحتضار يحرصون على الوقت ويكتبون العلم ويحرصون عليه لأجل ألا يضيع عليهم شيء. قصة القاضي أبو يوسف ـ رحمه الله ـ عندما كان في ساعة الاحتضار وفي ساعة النـزع حتى قيل إنه لما كتب سمع صياح أهله عليه التفت إلى أحد تلاميذه فقال: ترمى الجمرة راكباً أم راجلاً وهو في ساعة الاحتضار فقال التلميذ: بل راكباً. قال: أخطأت. قال: بل راجلاً. قال: أخطأت. فقال: كيف يا إمام؟ فقال: إن كانت الجمرة بعدها دعاء فراجلاً وإن كانت الجمرة ليس بعدها دعاء فراكباً. انظر إلى التعليم والحرص على الوقت والاحتساب. بعض الناس يظن في نفسه شيئا من الحرص على القراءة ويشعر أن وقته لا يكفي للقراءة ودائما ما يندب الزمن وإذا نظرت إلى قراءته في اليوم الواحد وعدد ساعات القراءة وجدتها لا ترتقي إلى المستوى الذي كان يتوقع من نفسه وإنما هي أوهام في رأسه وإبر تخدير وضعها كعقبة عن الحرص والمثابرة انظر كيف سطرت لنا السيرة موقفا رائعا غريبا جدا على الزمن الذي حدث فيه، بل وعلى غيره من الأزمنة، حتى زماننا!! إنه موقف فداء الأسرى في بدر. فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب من الأسير المشرك الذي يريد فداء نفسه من الأسر تعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة!! هذا شيء غريب جدا، وخاصة في ذلك الزمن الذي انتشرت فيه الأمية. لكن القراءة والكتابة والتعلم احتياجات ضرورية لأي أمة تريد النهوض والتقدم والرقي!!

الكاتبة /نادية طاهر