رحل المناضل الكبير المطران المقاوم هيلاريون كابوتشي، من دون أن يتسنى لعينيه أن تتكحلا برؤية مدينة القدس المحتلة التي كان يناضل دائما من أجل أن يراها حرة عربية فلسطينية، هي وكامل فلسطين، ومع ذلك، فإن المطران المناضل لم يتوقف، منذ إبعاده العام 1978 عن دعم انشطة المقاومة للتخلص من الاحتلال الإسرائيلي البغيض. كان يعرف تماما، أن المعركة ليست سهلة، وأنها بحاجة إلى تضحيات، ولم يتوان عن تقديمها، لأنه مقتنع بعدالة القضية الفلسطينية، حيث وقف الى جانب الرئيس الرمز الشهيد ياسر عرفات وامير الشهداء ابو جهاد الوزير عرفته فلسطين رجلاً عربياً مناضلاً صلباً في زمن عنفوان ثورتنا الفلسطينية ، لم يترك القضية الفلسطينية، فشارك بمئات النشاطات حول العالم لدعم القضية الفلسطينية، وكان دائما يسلط الضوء على عدالة هذه القضية، وتحمل كل المشقات للوصول إلى أرض فلسطين، بالرغم من أنه كان يعرف أن الاحتلال الاسرائيلي لن يسمح بكسر الحصار عن غزة.
من هنا نقول ان المطران كبوجي, المقاتل الشجاع, السوري المولد, الفلسطيني الإنتماء, هذا الثائر على كل أشكال الظلم الوطني والطبقي, ذاع صيته في السبعينات من القرن الماضي, إنه رجل دين مسيحي, كان نائباً بطريركياً عاماً في القدس سنة 1965 عن الروم الكاثوليك, وكان رئيساً لأساقفة قيصرية فلسطين, كان مغموراً بحب الناس, وداعية محبة وسلام, يطلق عبير التسامح في فضاء القدس وفلسطين ، حيث انفجرت لدى الرجل مكامن الوطنية في دواخله, فلن يقف محايداً كرجل دين, أو متفرجاً على صلف وغرور واضطهاد الاحتلال لشعبه, أبناء وطنه وتوأم عروبته, حيث حول موقعه الديني الى رافعة نضال إلى الشعب الفلسطيني رغم المخاطر وتبعات أقلّها الاعتقال، كان يدرك أن الثمن سيكون باهظاً ، لكن الثورة كانت تعتمل في صدره، القدس تسكن روحه، وفلسطين بين عقله وفكره,غير أن شجاعته وفعله المباشر قد زاد من مهابته وقوة شخصيته الدينية والوطنية، فهو تحول الى ثائر له مرجعياته الوطنية ليمضي في ساحة النضال الوطني ويشارك في كثير من الأنشطة السياسية والوطنية مطلقاً تصريحاته الوطنية والعروبية، وكان يرى أن المسلمين والمسيحيين عرب لهم قضية مركزية واحدة هي القضية الفلسطينية، ويبلغ الرجل الثانية والتسعون من عمره دون أن تلين له قناة.
رحل المطران كابوتشي بجسده الطاهر، ولكن سيبقى مثالا على التضحية والبطولة والمقاومة. وسيبقى شعلة منيرة لكل المقاومين والمناضلين والساعين لتحرير فلسطين من نير الاحتلال. المطران كابوتشي وأمثاله من المنارات، سيبقون عبر التاريخ رموزا للعدل والنضال والتضحية.
ختاما اقول في وداع المطران هيلاريون كابوتشي لن يمت حلمه لانه لم يساوم مطلقا في مواقفه ضد الاحتلال الإسرائيلي، واختار الوقوف في خندق المقاومة، لانه يؤمن بأنه لا حياد في مواجهة الظلم والعدوان، ملتزما بالنضال من اجل فلسطين، القضية العابرة للطوائف والأديان، التي توحد الجميع خلف عدالتها، وانخرط الشرفاء، كل الشرفاء، في خندق مقاومتها، فهو مضى على طريق الشهداء العظام عز الدين القسام، والرئيس الرمز ياسر عرفات والشيخ احمد
ياسين، والحكيم جورج حبش، وابو العباس وفتحي الشقاقي، والقائمة تطول ولكن تبقى سيرتهم الخالدة منارة للاجيال على طريق تحرير القدس وفلسطين.
بقلم/ عباس الجمعة